1ـ مراحل تطوّر الجنین من روائع الخلق: إنّ عظمة مفهوم هذه الآیة تجلّت الیوم أکثر من ذی قبل نتیجة للتقدّم الکبیر فی علم الأجنّة. فهذا الجنین یبدأ بخلیة، لا شکل لها ولا هیکل ولا أعضاء ولا أجهزة. ولکنّها تتّخذ أشکالاً مختلفة کلّ یوم وهی فی الرحم، وکأنَّ هناک فریقاً من الرسّامین المهرة یحیطون بها ویشتغلون علیها ـ لیلَ نهار وبسرعة عجیبة ـ لیصنعوا من هذه الذرّة الصغیرة وفی وقت قصیر إنساناً سویّاً فی الظاهر، وفی جوفه أجهزة دقیقة رقیقة معقّدة ومحیّرة، لو أنّ فیلماً صوّر مراحل تطوّر الجنین ـ وقد صوّر فعلاً ـ وشاهده الإنسان یمرّ من أمام عینیه لأدرک بأجلى صورة عظمة الخلق وقدرة الخالق.
والعجیب فی الأمر أنّ کلّ هذا الرسم یتمّ على الماء الذی یضرب به المثل فی عدم احتفاظه بما یرسم علیه.
من الجدیر بالذکر أنّه عندما یتمّ اللّقاح ویُخلق الجنین للمرّة الاُولى یسرع بالانقسام التصاعدی على هیئة ثمرة التوت التی تکون حبّاتها متلاصقة، ویطلق علیه اسم «مرولا». وفی غضون هذا التقدّم تُخلق «المشیمة» وتتکامل، وتتّصل من جهة قلب الاُم بواسطة شریانین وورید واحد، ومن الجهة الاُخرى تتّصل بسرّة الجنین الذی یتغذّى على الدم القادم إلى المشیمة.
وبالتدریج وعلى أثر التغذیة والتطور واتجاه الخلایا نحو الخارج یتجوّف باطن «المرولا»، وعندئذ یطلق علیه اسم «البلاستولا»، ولا تلبث هذه حتى یتکاثر عدد خلایاها، مؤلّفة کیساً ذا جدارین، ثمّ یحدث فیه إنخفاض یقسم الجنین إلى قسمی الصدر والبطن.
إلى هنا تکون جمیع الخلایا متشابهة ولا اختلاف بینها فی الظاهر، ولکن بعد هذه
المرحلة یبدأ الجنین بالتصوّر، وتتشکّل أجزاؤه بأشکال مختلفة بحسب وظیفتها المستقبلیة، وتتکون الأنسجة والأجهزة، وتقوم کلّ مجموعة من الخلایا ببناء أحد أجهزة الجسم وصیاغته، کالجهاز العصبی وجهاز الدورة الدمویة، وجهاز الهضم، وغیرها من الأجهزة، حتى یصبح الجنین بعد هذه المراحل من التطوّر فی مخبئه الخفی فی رحم اُمّه إنساناً کامل الصورة. وسوف ندرج ـ بمشیئة الله ـ شرحاً کاملاً لتطوّر الجنین ومراحل تکامله فی تفسیر الآیه 12 من سورة «المؤمنون».
2ـ (أرحام) جمع (رحم) یعنی فی الأصل محل نموّ الجنین فی بطن الاُمّ، ثمّ أطلق على جمیع الأقرباء الذین یشترکون فی اُمّ واحدة المتولّدون من اُمّ واحدة، وبما أنّ حالة من المحبّة والعطف والحنان ترتبط بین هؤلاء الأفراد أطلقت هذه المفردة على کلّ عطف وحنان (رحمة)، ویرى البعض أنّ المفهوم من هذه الکلمة بالعکس، أی أنّ المفهوم الأصلی لها هو رقّة القلب والعطف والمحبّة، ولکن بما أنّ الأقرباء والأرحام یشترکون فی هذه الصفة فیما بینهم أطلق على المکان الذی تولّدوا منه کلمة (رحم).
