الیهود الذین کانوا قد استضعفوا تحت سلطة الفراعنة استطاعوا أن ینجوا من وضعهم المأساوی بقیادة موسى (علیه السلام) الحکیمة حتى بلغوا القوّة والعظمة.
لقد أنعم الله على الیهود ببرکة نبیّهم الکثیر من النِعم بما فیها «صندوق العهد» (1) الذی حمله الیهود أمام الجند فأضفى علیهم الطمأنینة والمعنویة العالیة، وظلّت هذه الروحیة فیهم بعد رحیل موسى (علیه السلام) مدّة من الزمن، إلاَّ أنّ تلک النِعم والانتصارات أثارت فی الیهود الغرور شیئاً فشیئاً، وأخذوا بمخالفة القوانین، وأخیراً اندحروا على أیدی الفلسطینیین وخسروا قوّتهم ونفوذهم بخسارتهم صندوق العهد، فکان أن تشتّتوا وضعفوا ولم یعودوا قادرین على الدفاع عن أنفسهم حتى أمام أتفه أعدائهم، بحیث إنّ هؤلاء الأعداء طردوا الکثیرین منهم من أرضهم وأسروا أبناءهم.
استمرّت حالهم على هذا سنوات طوالاً، إلى أن أرسل إلیهم الله نبیّاً اسمه «اشموئیل» لإنقاذهم وهدایتهم، فتجمّع حوله الیهود الذین کانوا قد ضاقوا ذرعاً بالظلم وکانوا یبحثون عن ملجأ یأوون إلیه، وطلبوا منه أن یختار لهم قائداً وأمیراً لکی یتوحّدوا تحت لوائه، ویحاربوا العدوّ متّحدین یداً ورأیاً، لإستعادة عزّتهم الضائعة.
اشموئیل الذی کان یعرف ضعفهم وتهاونهم وهبوط معنویّاتهم قال لهم: أخشى إن اخترت لکم قائداً أن تخذلوه عندما یدعوکم إلى الجهاد ومحاربة العدو.
فقالوا: کیف یمکن أن نعصی أوامر أمیرنا ونرفض القیام بواجبنا، مع أنّ العدوّ قد شرّدنا من أوطاننا واستولى على أرضنا وأسر أبناءنا!!
فرأى اشموئیل أنّ هؤلاء القوم قد شخّصوا داءهم وها هُم قد اتجهوا للمعالجة، ولعلّهم أدرکوا سبب تخلّفهم، فتوجّه إلى الله یعرض علیه ما یطلبه القوم فأوحى إلیه: أن اخترنا «طالوت» ملکاً علیهم.
فقال اشموئیل: ربّ إنّی لا أعرف طالوت ولم أره حتى الآن، فجاءه الوحی: سنرسله إلیک فاعطه قیادة الجیش ولواء الجهاد.