قلیل من الأفراد من لا یطرح هذا السؤال: لماذا جئنا؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
سرّالوجود
فلسفة الخلقة لماذا جئنا من العدم؟


قلیل من الأفراد من لا یطرح هذا السؤال: لماذا جئنا؟
ماذا ینقص الغنی الحکیم حتى خلقنا؟!...
لولم نخلق فهل ستنطبق السماء على الأرض؟ أم تتداخل المجرّات؟ أتنتهی الکواکب والسیارات؟!... یبدو أنّه لا یتغیر أی شیء، أو لیست أغلب السیارات غیر مأهولة؟ فما مشکلتها من جراء ذلک؟ حقّاً ماذا کان سیحصل لو لم نکن؟ وإذا کان مراد الله سبحانه قضاء حاجة فی نفسه، کأن نعبده ونثنی علیه ونتواضع لعظمته، فإنّ هذا الأمر لا ینسجم وذاته الغنیة المطلقة.
هل من أثر للمدح أو الذم على الشمس من قبل بعوضة فی زاویة سحیقة من زوایا کرات المنظومة الشمسیة... قطعاً لا، وممّا لا شک فیه أنّ کفرنا وإیماننا لأصغر من ذلک تجاه ذلک الوجود اللامتناهی، فالشمس ذرّة غبار تائهة فی سماء عظمته! وإذا لم یکن ذلک هو الهدف من خلقنا فما هو الهدف إذن؟
لیتنا بقینا فی مستنقع العدم ولم نظهر للوجود.. فخلقنا لم یکن منذ الأزل سوى رقعة شاذة!
هناک طائفة أراحت نفسها کلیاً من هذا السؤال فاعتقدت بعبثیة الخلق وعدم انطوائه على أی هدف وغایة!
إنّ أنصار عقیدة عبثیة الخلق من المادیین وإن نالوا هدوءاً کاذباً  لأنّهم لم یروا لأنفسهم أیّة وظیفة ومسؤولیة (ولعلهم عمدوا عن علم لحمل هذه الفکرة بغیة الهروب من المسؤولیة والتمتع بالحریة المطلقة والاستغراق فی اللذات)، إلاّ أنّهم لم یلتفتوا إلى أنّ مثل هذا التفکیر یحطم جمیع القیم الإنسانیة والاجتماعیة، ولیس لأیّة فلسفة أو مدرسة أو منطق أن یحدد عمل مثل هؤلاء الأفراد، فلم هذه المحدودیة؟ لم لا یفعلون ما یشاءون؟ لماذا یستجیبون للقوانین والإلزامات الأخلاقیة والاجتماعیة؟ إذا کانت الخلقة عبثیة طائشة فلیس هنالک ما یدعو إلى التحفظ والالتزام. الواقع إنّ هؤلاء الأفراد خطیرون ومرعبون.
—–
 
نعم للجزئیات، لا للکلیات!
أنا أعتقد أنّ أتباع فکرة عبثیة الخلقة ساذجون جدّاً، حیث یعتقدون أنّ لکل عضو من أعضاء أجسامهم حتى الأظافر والأهداب وخطوط الأنامل هدفاً معیناً، ومع ذلک لا یرون من هدف وغایة لمجموع البدن وعالم الوجود!!
إنّ «الله» أو «الطبیعة» أو «الآلهة» أو ما شئنا تسمیته، إنما خلق کل طبقة من الطبقات السبع للعین والأجفان والأهداب والعضلات السداسیة الشفافة التی تدیر حدقة العین والأوعیة الدمویة وغدد الدمع ونافذة خروج الماء منها من أجل هدف واضح معین، وکذلک هناک هدف معین لخلق الأذن والأنف والقلب والأعصاب و... وسائر  الأعضاء، کما هناک برنامج منظم لأعمالها ووظائفها أمّا مجموع البدن فلا!! فهل بدن الإنسان و وجوده أقل من هدب عین؟
کیف لا یکون لشیء بکلیته هدف بینما هناک هدف لأجزائه؟ یاله من حکم ساذج.
نفرض أنّ مهندساً بنى قصراً وقد اعتمد أدق الحسابات فی بنائه لجمیع الطابوق والحجر والصالات والدیکورات والأحواض والحدائق فرتبها لأهداف معینة، فهل یمکن التصدیق بأنّ ذلک القصر بأجمعه قد بُنی عبثاً دون أی هدف، لعلی لا أقف على عمق الهدف لکنّی أسلم بوجوده.
دعانا شخص لمنزلة ووفر لنا جمیع وسائل الضیافة، وحین نتمعن نرى أنّه لم یقصّر فی شیء ورتبها جمیعاً بمنتهى الذوق وکانت جزئیات الضیافة تنطوی على أهداف معینة، فهل یمکن القول أنّ أصل الدعوة کان عبثیاً وأجوفاً.
العجیب أنّ دعاة عبثیة الخلق حین یردون أی فرع من العلوم الطبیعیة یعتمدون غایة الدقّة فی تفسیرهم لمختلف الظواهر ولاسیّما فی علم الفسلجة ووظائف الأعضاء، فإنّهم لا یغضون الطرف عن معرفة وظیفة أصغر غدة أو عظم أو عصب بسیط، أمّا أنّهم حین یصلون وظائف المجموع یزعمون صراحة أنّها عبث! طبعاً هم یعلمون مدى التناقض المضحک الذی وقعوا فیه.
وعلیه وبالنظر لوجود الهدف فی کافة ذرات وأجزاء وجود الإنسان فلابدّ من الإذعان بوجود الهدف للکل وأنّه هدف قیّم وسام،  وبالالتفات إلى وجود الهدف فی مختلف الظواهر والکائنات من حولنا فلابدّ من قبول الهدف الرفیع الذی یختزنه العالم بأسره، وحتى وإن فرضنا عدم وقوفنا على هذا الهدف لحدّ الآن، إلاّ أننا نقطع بوجوده.
ومن هنا ذم القرآن أولئک الذین یرون عبثیة الخلق وصوّرهم بالخلومن الإیمان (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالاَْرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِکَ ظَنُّ الَّذِینَ کَفَرُوا فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ النَّارِ)(1).
—–
 
عرفنا لحدّ الآن أنّ الفلسفة القائلة بعبثیة الخلق هی نفسها فلسفة عبثیة ولا تصدر من عقل ومنطق، ونسعى هنا لتشخیص الهدف المذکور، فلو تأملنا سیر الحوادث لعلنا نحصل على إجابة السؤال فلا تبدو صعبة... لماذا؟
لأننا إذا عدنا إلى حیاتنا الشخصیة، کنّا أطفالاً نزحف ونقفز ونقوی عضلاتنا، وکنّا نتعرف على آثار الأشیاء عن طریق أنواع الألعاب، وکنّا نعدّ أنفسنا لحیاة أکمل من مرحلة الطفولة.
ثم نرجع أکثر إلى عالم الجنین حیث کنّا فی وسط مظلم مخیف، وذلک لعدم امتلاکنا القدرة التی تؤهلنا للعیش فی وسط حرّ، إلاّ أننا تکیّفنا مع ذلک الوسط حتى استعددنا للحیاة المستقلة فی الوسط  المفتوح فخرجنا إلى هذا المکان.
وإذا عدنا إلى الوراء أکثر فلم نکن سوى ذرات فی الطبیعة الصماء وسط التراب وماء البحار وأوراق الأشجار ثم جهدنا وتقدمنا لنتحول إلى نطفة بشریة ومن ثم شهدنا مرحلة تکاملیة أخرى، والنتیجة هی أننا کنّا نتقدم دائماً خلال مسیرة طویلة ممتدة نحو التکامل، وبالمجموع فإنّ مجتمعنا البشری کان یوماً یعیش فی الکهوف والغابات وکانت وسائل الدفاع تجاه الحیوانات المفترسة والخطیرة تقتصر على الخشب والحجر، کان إشعال النار یمثل أعظم اختراعاتنا، وأعظم صناعاتنا هو صنع جسم مدور کالعجلة إلاّ أننا لم نستقر على حالة حتى شهدنا الیوم استعمال أعقد الأنظمة الألکترونیة (طبعاً من قبل عالم البشریة، لا نحن) والسفن الفضائیة التی تطلق إلى الکرات السماویة، ونوقن أیضاً أننا لا نکتفی بذلک ولعله یأتی الیوم الذی یکون فیه صنع السفن السماویة والآلات الکامبیوتریة الضخمة التی تبدو للناس آنذاک کما یبدو اختراع العجلة وکشف النار لنا!
ومن هنا کنّا نعیش التکامل على الدوام...
لا ندعی أن لا نقص هناک فی المجتمع البشری، بل هناک الکثیر، غیر أنّه لا یمکن التنکر لسعة دائرة التکامل.
أفلا نفهم من مجموع هذه المطالعات أنّ هدف خلق الإنسان کان التکامل فی کل مکان، غایة ما هنالک لیس فقط التکامل على المستوی المادی، بل على کافة المستویات من قبیل العلم والصناعة والفلسفة والأخلاق والقیم الإنسانیة وفی کل شیء.
وبالطبع فقد زودنا بالوسائل اللازمة لهذا التکامل، وهناک القوى الخفیة التی تسوقنا نحو الأمام، وفی الحقیقة إننا بدأنا من الصفر ونتّجه نحو اللانهایة وستبقى حرکتنا دائماً بین الصفر واللانهایة.
ولعل هذه هی الحقیقة التی أشار إلیها القرآن فی إطار ذکره لفلسفة خلق الإنسان متمثلة بالعبادة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ)(2). حیث حقیقة العبودیة هی التربیة الکاملة للإنسان وایصاله إلى السمو والتکامل.
—–


1. سورة ص، الآیة 27.
2. سورة الذاریات، الآیة 56.

 

 

فلسفة الخلقة لماذا جئنا من العدم؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma