الضالة الکبرى

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
سرّالوجود
لماذا أفکر؟ وهل یسلب هذا التفکیر طمأنینتنا؟ الإیمان وإطمئنان الروح

إنّ الإنسانیة لتهرول فی نفق مظلم لیست له نهایة سوى الاضطراب المطلق جمیع الناس ینشدون السعادة ویبذلون جهودهم من أجل تحقیقها، إلاّ أنّ أغلب الأفراد عادة ما یلتبس علیهم الأمر فی تفسیر هذه المفردة، فلا یستطیعون أن یحددوا بالضبط ما هی هذه السعادة التی یلهث لتحقیقها الجمیع؟

بالمناسبة کیف یبحث الجمیع عن واقع مبهم وغامض یعجزون عن تفسیره؟ الحق أنّ هذه الکلمة لا تنطوی على معنى واحد لدى الجمیع، ولعل معانیها تتعدد وتختلف بتعدد الأفراد واختلافهم، فکل یفسّرها کیفما یشاء، إلاّ أنّه ورغم کل هذه الاختلافات فی التفسیر هناک عامل مشترک قد یتفق علیه الجمیع وهو أن السعادة هی الشیء الذی إذا بلغه الإنسان شعر بالطمأنینة والسکینة على مستوى الروح والبدن والضمیر، وعلیه فلا نرانا نخطیء إذا فسّرنا هذه المفردة بالطمأنینة التی تمثل آثارها العامة وأبعادها المختلفة.
—–
 
إلاّ أنّ هذا التفسیر یجرنا إلى حقیقة مریرة، لا نملک سوى الاذعان لها رغم صعوبة قبولها وهی: إذا کانت السعادة تعنی الطمأنینة، فلابدّ من الاعتراف بأنّ هذه السعادة مفقودة ولا سیما فی عالمنا المعاصر، لأننا لانجد شخصاً یعیش الطمأنینة على صعید الروح والبدن والضمیر.
یمتاز عصرنا بوفرة کل شیء سوى الطمأنینة، ولا نرانا مخطئین لو أسمینا هذا العصر بعصر القلق والاضطراب، ورغم کل الجهود التی تبذل من أجل بلوغ هذه الضالة النفیسة، إلاّ أنّ المسافة بیننا وبین هذه الضالة آخذة بالاتساع یوماً بعد آخر!
حیث نطالع علامات انعدام الطمأنینة فی کل مکان; فی الحانات ودور البغی ومراکز توزیع المخدرات والمستشفیات النفسیة وعیادات أغلب الأطباء، حیث یبحث الکل عن هذه الضالة القیّمة، وحیث لا یتمکنون من الظفر بوجودها الواقعی فإنّهم یلوذون بوجودات زائفة ظناً منهم أنّها هی الطمأنینة.
ویبدو أنّ هذه الطمأنینة على درجة من الأهمیّة والقیمة لدى الإنسان بحیث یرى نفسه أحیاناً مستعداً للتضحیة بحیاته من أجل تحقیقها، بل قد یقدم أحیاناً على الإنتحار من أجل الظفر بها مفتشاً عنها فی العدم بعد أن عجز عن الظفر بها فی نور الوجود (ویاله من خیال ساذج!).
—–
 
أمّا «صادق هدایة» الذی کان مثالاً صارخاً لعدم الاستقرار والمتعطش للظفر بهذا الاستقرار والطمأنینة، حیث تلمس ذلک بوضوح فی کتاباته وسیرة حیاته، (ومن المؤسف له إنّه ورغم استعداده وطاقته الخلاقة فقد عاش الیأس المطبق فی حیاته ونشره بین أتباع مدرسته حتى توفی بتلک الطریقة المفجعة) فقد کتب فی مقدمة کتابه المعروف (بوف کور): هناک بعض الجروح فی الحیاة کالدیدان التی تعمل على تآکل الروح ببطء، ولا یمکن البوح لأحد بهذه الآلام... ولم یتوصل الإنسان لحد الآن إلى دواء لهذا الداء، أمّا الدواء الوحید الذی یمکن اعتماده بهذا الشأن فهو النسیان من خلال شرب الخمر والنوم الاصطناعی بواسطة الأفیون والمخدرات، إلاّ أنّ المؤسف هو التأثیر المؤقت لهذه الأدویة فسرعان ما یتضاعف الألم ویشتد بدلاً من أن یسکن ویهدأ.
طبعاً هذه الآلام والجروح التی أشار لها «هدایة» لیست إلاّ أنواع القلق والاضطراب الذی یفرزه الواقع الحاضر وما یکمن خلف کوالیس المستقبل المظلم والمجهول، ومن النماذج المتکاملة لهذا الاضطراب والرعب، هو القلق الممزوج بالأمراض النفسیة، والذی رسمه فی أحد فصول (بوف کور) لبطله: «... على هذا الفراش الرطب الذی تبدو منه رائحة العرق، وحین تثقل الأجفان وأهم بالتسلیم للعدم وأعیش اللیلة الخالدة تتجدد لدی کل ذکریاتی الضائعة وتخوفاتی المنسیة، الخوف من تحول ریش الوسادة إلى أسنة خناجر! وأزرار السترة کبیرة للغایة فتتحول إلى طاحونة ضخمة! الخشیة من قطعة الخبز التی تقع على الأرض أن تتکسر کالزجاجة! القلق من أنی قد أغفو وأنام فیسکب الزیت على الأرض ولعله یحرق المدینة! القلق من وقع أقدام العلب عند دکان القصاب فیکون صوتها کحافر الخیل!... الخشیة أن یتحول فراشی إلى قبر فیضمنی لیدفننی  فیه!...
الخوف والرعب من ذهاب صوتی فلا ینجدنی أحد مهما صرخت وارتفع صوتی»(1).
فالکاتب وإن افترض البطل شخصاً إزدواجیاً منفصم الشخصیة، إلاّ أنّ ما أورده ولا سیّما بالالتفات إلى الترحاب بما کتبه حتى من قبل البلدان الاوربیة یمکنه أن یکشف عن القلق الذی یسیطر على أفکار أبناء عصرنا الراهن، فهذه میزة أخرى لأوضاعهم الفکریة والنفسیة.
—–
 
أمّا الرئیس الأمریکی (نیکسون) فقد صرّح فی أول خطاب بعد أن أدّى الیمین الدستوریة بصفته الرئیس السابع والثلاثین للولایات المتحدة حیث کان المتوقع أن یتطرق للأمور الحساسة التی تهتم بها الأمّة الصناعیة الثریة کأمریکا وهو یعترف بهذه الحقیقة المریرة قائلاً:
«إننا نرى من حولنا حیاة فارغة ونتمنى إرضاء أنفسنا إلاّ أننا لا نرضى»، طبعاً الحیاة الفارغة التی أشار إلیها نیکسون لیس المراد بها إلاّ الحیاة التی تفتقر إلى السکینة والطمأنینة، وحیث لیس فیها طمأنینة فهی خالیة من کل شیء وجوفاء، وإن کانت تغص ظاهراً بکل وسائل العیش المرفهة، ولعل أفضل صورة تجسد الوضع المأساوی وحالة الاضطراب التی تسود روح البشریة فی عصرنا هی تلک التی رسمها  (بولانسکی) قائلاً:
إنّه من مشاهیر هولیود (المدینة التی تزعم أنّها ترید إضفاء السرور على الدنیا) حیث قال بعد فراقه المؤقت من حیاته السینمائیة إثر الصفعة الشدیدة التی تلقاها من قتل زوجته (شارون تیت):
«أرى الإنسانیة تهرول فی زقاق مظلم لیس له من نهایة سوى الاضطراب المطلق».
کرروا ثانیة هذه العبارة «أرى الإنسانیة تهرول فی زقاق مظلم لیس له من نهایة سوى الاضطراب المطلق».. نعم الاضطراب المطلق! ولکن وعلى الرغم من هذا الیأس والقنوط والاستسلام للاضطراب والقلق وبالتالی الاستسلام للموت، فإنّ الظفر بهذه الضالة الکبرى أی الطمأنینة التامة لیس بالأمر الصعب، أو على الأقل إن کان صعباً فلیس بمحال.


1. بوف کور، ص 140.

 

 

لماذا أفکر؟ وهل یسلب هذا التفکیر طمأنینتنا؟ الإیمان وإطمئنان الروح
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma