ما نبحثه فی هذا الکتاب

من أین أتینا؟
إلى أین نذهب؟
أین نحن الآن؟
ما دورنا فی الاحداث؟
وبالتالی ما وظیفتنا؟...
هذه هی الأسئلة التی یفکر فیها الإنسان فی بعض الأوقات ومهما قلّ ذکاؤه، غایة ما فی الأمر أنّ الأعم الأغلب یمر علیها مرور الکرام، وکأنّه لیس هناک من سؤال، وبالعکس فهناک من یتابعها بنوع من الوساوس، بحیث یوردها أحیاناً کأسئلة لأجواب لها، على کل حال، لا أظن هناک من شخص غیر متعطش لسماع أجوبة الاستفسارات المذکورة مهما کانت قصیرة.
فهل یسعنا الاکتفاء باستمرار الحیاة التی تقتصر معانیها على الأکل والشرب والنوم والملبس والمسکن والقضایا الجنسیة، ولا یعنینا ماذا کنّا قبل ذلک وماذا سنکون؟ أو لیس هذا اللون من التفکیر یتناسب وحیاة بعض الحیوانات والحشرات؟ وما الداعی لأن یحصر الانسان  نفسه فی هذا القفص الوضیع والصغیر ولا یطلق العنان لفکره لیسبح ویعوم فی هذا الفضاء الواسع الرحب؟ طبعاً لعلنا لا نمتلک أجوبة واضحة على جمیع هذه الأسئلة والاستفسارات، فقد تنطوی بعضها على هالة من الغموض والابهام، فنکتفی بالردود التی قد لا تخلو من بعض الالتباسات، حیث لا یوجد سبیل آخر بالنسبة للأشیاء التی تمتد جذورها إلى الأزل حیث لایمکنها أن تکون على درجة من الوضوح مقارنة بالمسائل المرتبطة بالیوم والأمس القریب، أضف إلى ذلک فإنّ سماع الجواب الغامض کرؤیة الشبح من بعید کیفما کان أحسن من عدم الرؤیة أساساً.
لقد بذل الفلاسفة والعلماء جهودهم من أجل التوصل إلى الاجابة على هذه الأسئلة، وقد أسعدنا الحظ على العثور على سبل الاجابة بصورة أسرع وأبسط من خلال الاستعانة بجهودهم وسعیهم.
الکتاب الذی بین یدیک - عزیزی القارىء - غیض من فیض الجهود التی بذلناها خلال سنوات مدیدة من أجل الظفر بهذه الأجوبة، إلاّ أنّنا نقر ونعترف أنّها تسلط الضوء فقط على بعضها، مع ذلک فهی جهود إیجابیة ذات نتائج طیبة، وقد جهدنا إلى اعتماد الصراحة فی الکتاب وإیثارها على ما سواها، إلى جانب الابتعاد عن الألفاظ الطنانة الرنانة، لنکتفی بحدیث القلب فنسمعه بأذن الروح فنفرق بین الغث والسمین، وننأى بأنفسنا بعیداً عن الخیال والاسطورة ونتحرک من خلال الحق والبحث عنه أملاً فی الوصول إلى الحقیقة.
قم ـ ناصر مکارم الشیرازی
شوال 1393 هـ.ق