علاقة الطمأنینة بالآفاق الفکریة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
سرّالوجود
الإیمان وإطمئنان الروححیاة جوفاء وألیمة

أی هذین النمطین الفکریین ینتج الاستقرار أکثر؟ لماذا یشعر البعض ممن یودع السجن حین الموت وحتى أمام المشانق بالسکینة والطمأنینة، بینما یسود القلق والاضطراب البعض الآخر ممن یعیش فی القصور الفارهة ویتمتع بکافة الوسائل والإمکانات؟!
لم یلجأ البعض إلى الإنتحار حین مواجهته لأدنى المکاره، بینما یقف البعض الآخر بکل صلابة وشموخ تجاه أصعب حوادث الحیاة؟
ولماذا نرى البعض ممن یمارس حیاته بنشاط ولذّة رغم معاناته من بعض الحرمان وافتقاره لبعض الأعضاء، بینما هنالک البعض الآخر الذی یعیش التعب والعناء دونما أی مبرر لذلک؟
لیس هنالک أکثر من إجابة واحدة على هذه الأسئلة - کسائر الأسئلة الواردة بهذا الشأن - وهی أنّ اطمئناننا الروحی إنّما یرتبط بنمط تفکیرنا وکیفیة نظرتنا واعتقادنا بالنسبة للعالم الذی نعیش فیه، قبل أن یکون مرتبطاً بظواهرنا وأوضاعنا الجسدیة.
إننا نقرأ فی الفلسفة بأنّ حالاتنا الروحیة وأنشطتنا الخارجیة إنّما تنشأ على الدوام من صورنا الذهنیة، فالحب والعشق والعداوة والقلق والاضطراب والخوف والخشیة والسکینة والطمأنینة وکل جهد ونشاط من أنشطتنا البدنیة إنّما تتمّ إثر تصورات تتجلّى فی أفکارنا، وأنّها ستؤدّی إلى هذه الآثار حتى فی حالة عدم انسجام تصوراتنا الذهنیة مع الوقائع والحقائق العینیة، والحال لا یکون الوجود العینی بمفرده (فی حالة عدم انعکاسه فی ذهننا) مصدراً للآثار البدنیة والفعالیات الإرادیة قط، ولکی تتضح هذه الحقیقة فی أنّ طمأنینتنا واضطرابنا الروحی یتوقف على نمط تفکیرنا وعقیدتنا، نعقد مقارنة بین أسلوبین من التفکیر:
 
النمط الاوّل للتفکیر:
یرى الفرد المادی النزعة:
* إن وجودنا متصل من جانبیه بالعدم والفناء المطلق، فلم یکن أکثر من حفنة من المواد الآلیة والمعدنیة المتناثرة قبل مجیئنا إلى هذه الحیاة الدنیا، کما لن یکون مصیرنا فی المستقبل أحسن من ذلک، حیث سیتحول کل هذا الوجود الرائع وعقولنا المقتدرة وأفکارنا الجبارة وعواطفنا المرهفة ومشاعرنا الحارة، وهکذا کل مفردات حیاتنا إلى هباء منثور بعد الموت، فما الذی سیبقى لدینا بعد ذلک؟ لا شیء، نعم لا شیء سوى حفنة من التراب والغازات السابحة فی الفضاء!
* إننا على هامش الموت کالتاجر الذی تحرق کافة ثرواته أمام عینیه، ثم یحرق بعدها نفسه فی النیران!
فالأمور من قبیل القصر الضخم والسمعة الحسنة وألواح التقدیر والبناء التذکاری والشخصیة التاریخیة ـ وما إلى ذلک من المسمیات الکاذبة والزائفة والشعور الفارغ بنوع من البقاء ودیمومة الوجود ـ من نسج خیالاتنا الفارغة، وإلاّ فما أثر هذه الأمور حین نتحول إلى  الزوال والعدم؟! أصلا ماذا سنکون بعد الموت لنستطیع التمتع بهذه التشریفات الخالیة من الروح فنشعر بالفخر والإعتراز؟ لعلنا نتلذذ بمثل هذه العناوین بعد الموت أننا مازلنا على قید الحیاة، وإلاّ فمن المسلم به أنّه سوف لن یبقى لنا أی أثر آنذاک.
ولعلهم إخترعوا مثل هذه العناوین لاستغفال الأحیاء وسوقهم نحو العمل والتضحیة والجد والمثابرة، لا على أنّها واقع وجزاء لمن ذهب، أفیستطیع من ذهب أن یدرک شیئاً من هذا الجزاء؟
لایسعنا إلا أن نقول بأنّ هذه الأمور بالضبط أشبه بأن یؤتى بألف نوع ممّا لذّ وطاب من الأطعمة لتوضع أمام جثة هامدة، فما عساها أن تنتفع من ذلک؟
* حقیقة الأمر أن مجیئنا للدنیا لا یعدل زحماتها أبداً، فعدّة سنوات من العجز والجهل ولم یکد یشعر باللذة بشبابه حتى یدب إلیه العجز والشیخوخة وأنواع الحرمان والأمراض الفتاکة التی تحیلنا إلى أعضاء مطرودین من المجتمع، إلى جانب تجاوزنا لکل ما حصلنا علیه من علم وفضل وثروة وأموال لنتجه نحو العدم المطلق، وإن کانت لنا عیون مفتوحة وأدنى شعور خلال هذه الحیاة فإننا سنعیش فی عذاب شدید لما نراه من تضییع للعدل واستفحال الظلم والتمییز، فهناک من لا یمتلک الرغیف من الخبز، بینما هنالک من تهب الآلاف لمراقبته والسهر على حفظه ورعایته قبل أن یخرج من بطن أمّه، فلو کان هناک حساب لما مات البعض جوعاً، بینما لا یعرف البعض الآخر کیف یقضی على ثروته الطائلة، فهو یمارس الأعمال الطائشة والأفعال التافهة بهدف التقلیل من ثروته، کأن یشتری طابعاً بریدیاً بقیمة مئة ألف دولار، أو یصرف مبلغاً ضخما على قطته وکلبه!
لم هذا البؤس والشقاء الذی یعیشه الأطفال فی المستشفیات، بینما تشهد دور البغاء والحانات سرور اللصوص ودبکهم ورقصهم؟
* قانون الجبر أو قانون العلیة إنّما یحکم جمیع وجودنا، بل جمیع عالم الوجود بکل صلابة وشدة دون أیة مرونة، فهو قانون أعمى لا یعرف معنى للرأفة والعدالة، وکأنّ تاریخ البشریة فضلاً عن تواریخ حیاتنا قد دونت منذ الأزل ولابدّ أن تنفذ بحذافیرها، والحال لیس لدینا أی اختیار للهرب من مخالب ما ینتظرنا من مصیر.
* أفلیس هناک من یسأل (و إن سأل فلیس هناک من یجیب) ما سبب مجیئنا هنا، ولم لابدّ لنا من مفارقة هذا المکان؟ فلم نُستشَر فی مجیئنا ولا فی ذهابنا، نعم معلوم أنّ الطبیعة لا تنطوی على أی هدف، فهی لیست أکثر من لعبة فارغة بدأت وانتهت ثم...
—–
 لیس هنالک فرد مادی یتخلف فی تفکیره الفلسفی عمّا مرّ معنا سابقاً، ولا یخفى مدى القلق والاضطراب الذی یسیطر على الإنسان إذا تحلى بهذا النمط من التفکیر، طبعاً ممکن أن یسعى أتباع هذه المدرسة إلى عدم الاستغراق فی التفکیر بشأن هذه الأمور، فیزجون أنفسهم فی اُتون الحیاة والانهماک فی تفاصیلها ومفرداتها بحیث لا یبقى لدیهم من مجال لظهور مثل هذه الأفکار، لکن بمجرّد أن تساورهم فرصة التفکیر تهجم علیهم سیول هذه الأفکار الجارفة.
النمط الثانی للتفکیر:
* إنّ هذا البناء الرائع الذی یصطلح علیه بالعالم هو من صنع العقل الکلی الذی خلقه لهدف وغایة، فهو یسیر به لتحقیق ذلک الهدف، ولما کان ذلک المُبدىء العظیم هو مصدر إفاضة جمیع الوجودات والقدرات فهو غنی ولیس له من حاجة إلینا البتة، وهو الذی خلقنا من أجل الهدف السامی المتمثل بالسمو والتکامل، ومن المفروغ منه أنّ مُبدىء بهذه الصفات سیعاملنا بمنتهى الرأفة والرحمة.
أفلم یزودنا بمختلف الإمکانات من أجل العیش برفاه وقد حبانا بأنواع النعم والبرکات؟ بلى هو الذی خلقنا من أجل السمو والتکامل وقد منحنا کل الوسائل والإمکانات اللازمة لتحقیق ذلک، فإن واجهتنا بعض الکدورات والمعضلات علینا أن نعزی ذلک إلى عدم معرفتنا بقوانین الخلقة والإمکانات الواسعة المتاحة، أو عدم استخدامها بالشکل الصحیح على سبیل المثال نستطیع ومن خلال التعرف على قوانین الطبیعة والاستفاده من الإمکانات المتیسرة أن نبنی دوراً لا تتأثر من قریب أو بعید بالزلازل، کما یمکننا الالتزام بالتعلیمات الطبیّة والوصایا الصحیة والاستفادة من الطرق العلاجیة للأدویة لنشهد حیاة لا یعانی فیها الأفراد من أی نقص وعیب یصیب الأعضاء والبنیة البدنیة، وعلیه فنحن المسؤولون عن العیب والنقص الذی یصیب أعضاءَنا وما نعانیه من بعض الکوارث والشدائد.
الاجحاف وتغییب العدل هو الآخر معلول لقوانیننا الاجتماعیة الخاطئة فی التوزیع، فإذا صححت هذه الأنظمة والقوانین الخاطئة  زالت کافة أشکال الظلم والاجحاف، آنذاک یتمکن الجمیع من العیش برفاه ورغد من العیش بالتالی لسنا آلات ماکنة لنؤدی حرکاتنا وأعمالنا على سبیل الاضطرار، فقد زودنا بالإرادة والاختیار لنمارس حیاتنا على ضوء تخطیطنا الصحیح أو الخاطىء، فلنا أن نحسن استغلال نعم الدنیا وفرصها أو نسیىء استخدامها، المصیر هو الآخر یأبى التفسیر على أساس الجبر والاکراه دون أن یکون للإنسان أی دور فی تعیینه.
أمّا وجودنا فهو متصل من جانبیه بالأبدیة ولیس من شأن الموت قطع سلسلة تکاملنا الوجودی أبداً، وعلینا أن نستعمل العبارة «الانتقال إلى عالم أوسع» بدلاً من التعبیر بالموت، العالم الذی نسبته إلى عالمنا کنسبة عالمنا لعالم رحم الأم، وبناءً على ذلک فإننا لا نفقد شیئاً حین الموت.
قطعاً لسنا عارفین بکافة أسرار الوجود، إلاّ إننا نعلم کلما تکاملنا على صعید العلم والمعرفة تکشفت لأعیننا حقائق أنصع عن نظام الوجود وما ینطوی علیه من جمال وروعة، وعلیه فلا مبرر لأن یمارس ذلک المهندس الماهر أدنى عشوائیة وظلم بحقنا.
إنّ وجودنا بأسره نحن البشر الذین نعیش على سطح الکرة الأرضیة لیس إلاّ کقطرة ماء فى فم طائر، فما عسى تأثیر هذه القطرة على محیط لو حلق هذا الطائر وقذف بتلک القطرة؟ وعلیه فإننا لم نخلق لنؤدّی خدمة لذلک الخالق العظیم، بل هو الذی خلقنا لإسعادنا طبعاً لسنا بصدد الحکم بأنّ أیّاً من هذین النمطین من التفکیر هو  الصائب والصحیح من وجهة نظر الاستدلال الفلسفی، ونوکل هذا إلى الأبحاث القادمة.
والمراد فعلاً هو أی من هذین النمطین من التفکیر (بغض النظر عن الاستدلالات الفلسفیة» یمکنه أن یلبی حاجاتنا فی تحقیق الطمأنینة الواقعیة، وأی منهما یقذف بنا فی عالم من التشاؤم وسوء الظن والیأس والملل والضجر والاحساس بالوحدة والغربة؟
الجواب واضح على هذا السؤال.
فهل نستطیع والحال هذه أن نکون غیر مکترثین فی اختیار واحد من هذین النمطین الفکریین رغم خطورة دورهما فی صنع مصیرنا وتعیین عاقبتنا، أم هل یسعنا التغاضی عن أدلة أنصار کل نمط فکری بشأن عالم الوجود؟
—–
 ونختتم هذا البحث بالعبارات الرائعة التی أوردها الطبیب والجراح المعروف آرنست آدولف:
«لقد أدرکت بعد هذا الخزین من التجارب أنّ علیَّ منذ الآن فصاعداً أن اُعالج جسم المریض باستعمال الوسائل الطبیة والجراحیة کما علیَّ أن أداوی روحه من خلال تقویة إیمانه بالله، فاعتمادی على الأدویة والعلاج والإیمان بالله إنّما یستند إلى المبانی العلمیة...
وقد تزامنت تجاربی واستنتاجاتی هذه مع ظهور نوع من الصحوة فی عالم الطب، والتی تتمثل بالتفات الأطباء للعامل النفسی للمرضى.
مثلا ثبت الیوم لدى 80 % من المرضى الذین یقیمون فی المدن الأمریکیة المهمّة والذین یراجعون الأطباء بعض العوامل النفسیة المهمّة، و لیس لنصف هؤلاء أی عارض بدنی یدل على مرضهم، لابدّ من الالتفات هنا إلى أنّ الأطباء یرون هؤلاء الأفراد الذین لا یعانون أی مرض عضوی هم مرضى حقّاً، لا أنّهم متمارضون...
ویرى علماء النفس والأطباء أنّ أهم أمراضهم تکمن فی الذنب والضغینة وعدم التحلی بالعفو والصفح والخوف والاضطراب والفشل والحرمان وعدم العزم والإرادة والشک والتردید والکآبة، لکن لسوء الحظ فإنّ بعض أطباء النفس حین یتحرون أسباب هذه الأمراض فإنّهم وبسبب عدم إیمانهم بالله لا یتطرقون إلى هذه القضیة أبداً»(1).


1. إثبات وجود الله، ص 238 - 239.

 

 

الإیمان وإطمئنان الروححیاة جوفاء وألیمة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma