على سبیل المثال...

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
سرّالوجود
قضیة المصیر فلسفة الخلقة


على سبیل المثال... :
یتعرف شاب وشابة على بعضهما فی أحد الأماکن العامة کالسینما إثر مشاهدتهما لفلم خلیع فتلتهب لذلک عواطفهما ویتزاید عشقهما فیقترح أحدهما على الآخر قضیة الزواج بهذا الشکل العجول.
ویسعى الطرفان هنا لإخفاء هذا الأمر والحذر من اطلاع الآخرین بدلاًمن استشارة الوالدین وبعض الأصدقاء الناصحین وممن لهم خبرة، وهکذا یرغب کل منهما بالآخر دون أدنى دراسة وتحقیق، تتمّ فترة الخطویة فی ظل سعی کل طرف لستر عیوبه البدنیة والأخلاقیة عن الآخر والاقتصار على إظهار الکمالات، یحصل الزواج المبارک بینهما وینقضی شهر العسل فی حالة من تخدیر الأعصاب وعدم الالتفات إلى أی أمر والاقتصار على اللذة.
ثم یتدرجان فی مواجهتهما للحیاة ومشاکلها فتبدأ عیونهما وآذانهما بالتفتح، لیرى کل واحد منها کل یوم أحد العیوب فی الأخر،  فلا تمضی مدّة طویلة حتى تبیّن عیوب کل منهما للآخر، وهنا یتأوه الزوج ویقول: ترى ماذا أفعل لقد کانت قسمتی کذلک؟ المصیر هو الذی قادنی إلى هذه الزوجة وإلاّ أین أنا من هذه؟ إنّها ید التقدیر وأنا لأصغر من أن اُحاول تغییرها والهروب منها.
الزوجة هی الاُخرى تتأوه من حظها وطالعها المشؤوم الذی أتاها بمثل ذلک الزوج ولقد صدقوا حین قالوا إنّ جبین البعض أسود، ودلیل ذلک أنّه أتى الکثیرون ومنهم لخطبتی أفراد شرفاء ونجباء ومن عوائل أصیلة ذات حسب ونسب، إلاّ أنّی رفضتهم جمیعاً، حظی ومصیری هو الذی جعلنی أقترن بهذا الشقی، والحال أنّ کل ذلک البؤس والشقاء کان الولید الطبیعی لحماقتهم وباختیارهما حتى رأیا بأم أعینهما النهایة الفاشلة لذلک العشق الزائف.
لقد أقدما على عملهم دون أدنى تریث أو دراسة أو استشارة، بل جهداً على إخفاء الأمر، وما أکثر هذه الحالات والنماذج فی القضایا السیاسیة والتجاریة والزواج وما شابه ذلک.
3 ـ العامل النفسی الآخر الذی أکّد خرافة المصیر هو عدم اطلاع الناس على أسباب الظواهر الاجتماعیة، فهم یعتمدون خرافة المصیر فی تبریرهم للحوادث دون أن یکلّفوا أنفسهم عناء البحث والمطالعة والفکر. فیزعمون مثلاً لو هجمت جیوش المغول وحطمت الشرق والغرب واستسلمت الأمّة لاُولئک البرابرة الوحوش فلیس ذلک إلاّ نوع من التقدیر والمصیر الذی کتب على هذه الاُمّة، فهم لا یفکرون أبداً ما هی نقاط الضعف فی هذه الأمّة. إلى جانب ذلک فإنّ الجیش المغولی الجرار لم یظهر فجأة وقد أخذ یستعد منذ زمن طویل، فلو کان زعماء الاُمّة وقادة الجیش ممن یتصوف بالحنکة والذکاء لتکهنوا بما ستؤول إلیه الأحداث ولکان علیهم البحث عن حلول سلمیة أو التضامن مع سائر البلدان من أجل درء الخطر، إنّ تألق المسلمین فی أسبانیا ولفتهم کافة أنظار العالم إلیهم فی بدایة الأمر ومن ثم سقوطهم واندحارهم لم یکن ذلک بسبب التقدیر والمصیر والحظ والطالع وانتقال القمر للعقرب والشمس إلى برج السرطان والجوزاء والسنبلة، بل کان معلولاً للاهواء والخلود إلى الراحة وعدم کفاءة القادة وغفلة المسلمین.
4 ـ التفکیر المادی کما ذکرنا آنفا یتبنى قضیة المصیر الاجباری، لأنّ الاقرار بجبریة قانون العلة والمعلول حسب تعلیماتهم فإنّ مفهوم ذلک أنّ البنیة الخاصة الجسمیة والروحیة للإنسان إلى جانب الوسط والتربیة والتعلیم إنّما ترسم له مصیراً معیناً، حیث القانون المذکور وعلى غرار قانون الجاذبیة وسائر القوانین الطبیعیة یأبى التخلف، ولیس هنالک من دخل للإرادة والاختیار، بل الإرادة نتیجة جبریة لعوامل باطنیة لکل شخص ومن إفرازات قانون العلة والمعلول.
—–
 وقفنا لحد الآن على مختلف الأسباب التی دعت إلى ظهور قضیة المصیر، ونرید أن نرى هل هنالک من دلیل على المعنى المذکور للمصیر؟

لابدّ من القول فی الاجابة عن هذا السؤال: کلا، بل هذه من ألاعیب الاستعمار، أو أعمالنا وأفعالنا، أو کسلنا و عدم سعینا لتقصی علل الظواهر، أو الافکار المنحرفة للمادیین وما إلى ذلک، والحقیقة أنّه لابدّ من اعتبار المصیر (بهذا المعنى الخاطىء) فی عداد أساطیر الغیلان والعفاریت وحکایات الوهم والخرافات، وأفضل دلیل على مثل هذا المصیر هو عالم الوعی واللاوعی لکل إنسان، لأنّ کافة أفراد الجنس البشری دون استثناء إنّما یسعون لتحسین حیاتهم ومعیشتهم، وهذا القانون العام للحیاة هو الذی دفع الإنسان أن یبذل قصارى جهده منذ ظهوره على الأرض لتحسین معیشته فی حرکة الحیاة ولم یحد عن ذلک قط إلاّ فی موارد خاصة.
حسناً، لو کان المصیر المحتوم حقیقة لما وجب على الإنسان أن یسعى ویجهد نفسه ولوقف مکتوف الأیدی منتظراً ما قدر له، فالمریض لا یراجع الطبیب ویستعمل العلاج لاستعادة عافیته.
ویمتنع أبطال الریاضة عن مزاولة التمارین للفوز فی المسابقات.
والطلبة الجامعیون لا یستذکرون دروسهم من أجل النجاح فی الامتحان.
وبالتالی لاینبغی للعمال والتجار والعلماء أن یکلّفوا أنفسهم عناء التعب من أجل بلوغ أهدافهم، فهناک مصیر لا مفر منه مفروض على الإنسان.
فمثل هذا المعنى یجعل الضمیر البشری یرفضه بشکل قاطع، بل لا یقرّ به حتى اُولئک الأفراد الذین یبررون فشلهم من خلال المصیر.

وناهیک عن کل ما سبق فلو قبلنا المصیر بهذا المعنى لم یعد لنا الحق فی مؤاخذة أی فرد - حتى الجناة والقتلة - على أعماله، فهو مضطر لما ارتکب ولم یکن أمامه من سبیل إلى الهروب.
کما لابدّ من إلغاء أعمدة النقد فی الصحف والمجلات التی تتبع أعمال الأفراد والمجتمع، وذلک إنّها محاولة یائسة للوقوف بوجه المصیر، وهل من جدوى فی ذلک؟
کما لابدّ أن تخمد شعلة النضال من أجل الحریة والاستقلال والخلاص من العبودیة والاستغلال.
طبعاً یرفض المصیر بهذا المعنى جمیع الأفراد الذین ینشطون فی أمر التربیة والتعلیم، وإلاّ لما بذلوا جهودهم عبثاً، وظیفة الأنبیاء وتعالیمهم ومحور دعواتهم هی الأخرى لا تتناسب أبداً والمعنى المذکور للمصیر، ومن الطبیعی ألا یعود هنالک افتخار لما یحصل علیه الأفراد من جوائز وأوسمة وألواح تقدیر، فلیس لهم أی دور فی تحقیقها، کما تصبح المحاکم وأحکامها وعقوباتها من قبیل الأمور العبثیة الحمقى.
وبغض النظر عمّا سبق فإنّ من یؤمن بالله لا یسعه قبول مثل هذا المصیر الذی یمثل قمة الظلم والجور، فهل یقبل عاقل له حظ من المنطق و العدل أن یجبر أحداً آخر عن عن طریق المصیر لأن یقوم بعمل ثم یحمله مسؤولیة ذلک العمل والحال لو کانت هناک من مسؤولیة لوجب تحمیلها إیّاه، لا ذلک المجبر الذی لا خیار له! ومن لا یؤمن بالله فهو یدرک على الأقل الفارق بین الإنسان والحجر الذی  یسقط من الأعلى إلى الأسفل أو ورقة الشجرة التی تحرکها الریاح وذلک لأنّه:
إننا مهما أنکرنا عامل الاختیار فلا یسعنا إنکار الفارق الواضح بین الکائنات الحیة وعدیمة الحیاة، حیث یمتاز هذان العالمان بهذا الأمر، طبعاً لا نقول لیس بینهما قواسم مشترکة، لکن هناک وجه للإمتیاز ظاهر بینهما حیث لأحدهما قوّة خفیة ومجهولة تعرف بالحیاة ومن آثار التغذیة والنمو وإنجاب المثل، بینما یفقدها الآخر، کما أنّ للکائنات الحیة حس وحرکة تتصف بها الحیوانات أیضا بینما تفتقر إلیها النباتات.
وکذلک الإمتیاز الواضح الذی نشاهده بین الإنسان والحیوانات أنّه یمتلک الفکر والإرادة والعزم وتهذیب النفس والمطالعة والإبداع وتأمل الماضی والحاضر والمستقبل والسیر نحو السمو والتکامل، بینما تنعدم کل هذه المفردات لدى الحیوانات، ومن هنا أودع الإنسان تقریر مصیره، وهو وحده الذی یتحکم بهذا المصیر فله أن یجعله مضیئاً شامخاً أو وضعیاً مظلماً!
ومن هنا أیضا یراه الجمیع مسؤولا عن أعماله، ولیس للحیوانات والنباتات ذلک.
وعلى هذا الضوء فإنّ قبول قضیة المصیر بالمعنى المذکور بشأن الإنسان لا ینطوی على مفهوم سوى التنکر لکل هذه الفوارق والإمتیازات للإنسان على سائر الحیوانات والنباتات والکائنات غیر الحیة، وهو الأمر الذی لا یتفق وأی من الاُصول الإنسانیة، وبناءً على ما تقدم فإنّ کافة الأدلة تشیر إلى أنّ مصیر کل إنسان قد وکّل به.

 

قضیة المصیر فلسفة الخلقة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma