لایمکن الاکتفاء بالاعتماد على الحس بمفرده

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
سرّالوجود
کیف نفکر وبم نفکر جواز سفر لعالم ماوراء الحس

إنّ حواسنا تضلّنا مالم تستند إلى العقل
 

ذریعة أخرى مهمة:
الذریعة المهمّة الأخرى التی ذکرها البعض بهدف الهروب من التفکیر بالمُبدىء الأول لعالم الوجود وهی:
لعلنا نقرّ بأنّ حل هذه المشکلة یساعدنا فی حل الکثیر من المسائل، إلاّ أنّه من المؤسف له هو تعذر حل هذه المشکلة، وبعبارة أخرى، لیس لدینا من سبیل لنفی أو إثبات وجود الله، وذلک لأنّه: لیس هنالک من قیمة علمیة تثبت لشیء ما لم یخضع للإختبار والمشاهدة، فما لا یمکن إخضاعه للتجربة یتعذر إثباته، ولما کان إثبات أو نفی الله غیر متیسر بالتجربة یتعذر إثباته، ولما کان إثبات أو نفی الله غیر متیسر بالتجربة والمشاهدة، فلا بد من الاعتراف بعدم إمکانیة حل هذه المسألة بالأسلوب العلمی، فلا ینبغی إزعاج الفکر بذلک!
بعبارة أخرى:
إنّ البحث بشأن «المُبدىء الأول للوجود» و«خالق العالم» وإن کان من الأبحاث الشیّقة والقیّمة، غیر أنّ المؤسف له هو أنّه خارج عن دائرة حسّنا، ولا یرى العلم الیوم من قیمة للأشیاء الخارجة عن الحس وذلک لعدم وجود سبیل لإثبات ذلک.
وبصورة عامة فإنّ الخوض بما هو خارج عن دائرة الحس إن لم  یکن خطیراً، فعلى الأقل مدعاة للقلق والحیرة، فما أحرانا أن ننأى بأنفسنا بعیداً عن هذه الحیرة، وما أکثر الأفراد الذین ولجوا هذا الوادی فلم یتمّوا نصفه حتى عادوا وهم حیارى، فقد اعتدنا التعامل فی حیاتنا على ما یرتبط بحسّنا، ولیس لنا تعامل مع الوجودات الخارجة عن دائرة المشاهدة والحس والاختبار!
و لعل هذا هو السبب فی کثرة أنصار وأتباع المدرسة الفلسفیة الحسّیة.
وأتباع هذه المدرسة من قبیل «جان لوک» الانجلیزی (أحد فلاسفة القرن السابع عشر) الذی یعتبر من زعماء المدرسة المذکورة وتلامذته من قبیل (دیفید هیوم) و(جورج برکلی) وهما من فلاسفة القرن الثامن عشر، یرون أنّ الحس هو أساس جمیع معلومات الإنسان، ولا یرون من إصالة لما خرج عن هذه المنطقة.
المدرسة الفلسفیة البراغماتیة، وهی إحدى المدارس الفلسفیة الحدیثة التی ظهرت فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر والنصف الأول للقرن العشرین بزعامة بعض الفلاسفة مثل: (جان دیوئی) و(ولیم جیمز) الأمریکی، هی فى الواقع صورة أخرى للمدرسة التی تعتقد باصالة الحس.
أمّا «باتلر» مؤلف کتاب المدارس الفلسفیة الأربعة على غرار البروفسور «جایلدر» مؤلف کتاب «البراغماتیة الامریکیة والتعلیم والتربیة» فقد تعرض للعالم من وجهة نظر البراغماتیة فذکر له عشرة خصائص، أحدها کالتالی:
«یرى البراغماتیون أن لیس للعالم من واقع سوى بالتجربة، فهذه الفلسفة فلسفة طبیعیة وتجریبیة، حیث تعتبر أمراً حیویاً وفی ذات الوقت متغیّر یشکل أساس العمل».
وعلى ضوء هذه الأسالیب الفلسفیة الحدیثة کیف یمکن البحث عمّا وراء المحسوسات کالخالق العظیم؟
وبصورة عامة فإنّ المسائل الحسّیة إنّما تستند إلى مقیاس واضح وهو التجریة والمشاهدة والاحساس الذی یتفق علیه الجمیع ولیس للخطأ من سبیل إلیه، بینما یسلب منّا المقیاس الذی من شأنه تمییز الحق من الباطل فیما إذا تجاوزنا المسائل الحسیة والطبیعیة، حیث تکون فی مثل هذه الحالة أشبه بالمهندس الذی یرید تحدید مساحة أرض وأبعادها دون أن تکون لدیه أیّة وسیلة، وهذا ما لا یمکن أبداً، وزبدة الکلام فإنّ هذا الطریق مغلق ولا ینبغی أن ننطح برأسنا هذا الجدار (هذه هی خلاصة آراء أتباع المدرسة الحسیة).
—–
 وللوقوف على مدى مجانبة هذا النمط من التفکیر للحقیقة فلابدّ من تسلیط الضوء على بعض المواضیع.
 
الحواس لوحدها تخوننا:
قد یبدو للوهلة الاُولى أنّ المحسوسات هی أوضح معلوماتنا، إلاّ أنّ أدنى تمعن یشعرنا أنّ الأمر لیس کذلک، ولو اکتفینا فی المسائل  الفلسفیة وحتى المسائل العلمیة بالاعتماد على المحسوسات لوقعنا قطعاً فی ضلال مبین فقد شحنت کتب علماء النفس بالأخطاء التی تعرض الحواس بما فیها الباصرة، حیث ذکروا عشرات الأخطاء للعین.
فما تردده من القول «لا أصدق حتى أرى بعینی» یفید أنّ العین من أوثق السبل لإدراک الواقعیات وهذا من أکبر الأخطاء، وذلک لأننا نرى بعیننا عدّة أشیاء لا واقع لها; الأمر الذی یکشف عن إشتباه العین أو عدم قدرتها على الإدراک، على سبیل المثال لو أمسکنا بمشعل وجعلنا ندوره لرأیناه على شکل دائرة من النار، والحال إننا نوقن بعدم وجود مثل هذه الدائرة فی الخارج، ولم یخدعنا بذلک سوى العین، وهکذا الحال بالنسبة للاعلانات الضوئیة التی ترینا مختلف الأطیاف والأمواج الجمیلة بواسطة مصابیحها الملونة، فی حین لا واقع لتلک الأطیاف وکلها ناشئة من أخطاء الباصرة، فلو کانت أعیننا ترى الأشیاء على حقیقتها فلیس هنالک من وجود لهذه الألواح الجمیلة، بل هذه السینما وأفلامها الصاخبة إنّما تتمّ على أساس استغلال خطأ الباصرة، لأنّ العین لو لم تخطىء، فإنّ أفلام السینما لیست أکثر من حفنة صور منفصلة ومتفرقة ولیس لها أن تشد إلیها الانظار.
ربّما لیس هناک من لم یر منظر السراب من بعید حین سفره فی فصل الصیف، فهو یبدو کأمواج جمیلة من الماء وسط الجادة، وحین نقترب لا نرى سوى صحراء قفراء، فیتضح أنّ ذلک کان بسبب انکسار الضوء وخطأ الباصرة، بل کلنا نرى الهروب السریع للقمر من  خلال سحب الغیوم فی اللیالی المقمرة، وکأنّه جاسوس یفرّ من مخالب الشرطة، والحال لیس الحرکة للقمر، بل السحب هی التی تتحرک وتمر بسرعة، بینما نراها ساکنة والقمر متحرک، وهذا خطأ آخر من أخطاء الباصرة.
 
و نقرب المطلب أکثر:
الکل یزعم أنّ الموضوع الفلانی «ملموس» أو إننا لمسنا الحقیقة الفلانیة، کنایة عن أنّ الموضوع فی غایة الوضوح، والحال حس اللامسة هو الآخر زائف، فإن قلت لیس الأمر کذلک، قلت لک: أعد ثلاثة ظروف من الماء، أحدها حار جدّاً (بحیث لا یحرق یدک) والثانی بارد جدّاً، والثالث معتدل، ثم إغمر إحدى یدیک لمدّة قلیلة فی الماء الحار والاُخرى فی الماء البارد، ثم اغمرهما معاً فی الماء المعتدل، آنذاک سترى ما یذهلک حیث ستشعر باحساسین متضادین فی آن واحد، حیث تخبرک إحداهما بأنّ هذا الماء الثالث بارد جدّاً، والاُخرى أنّه حار جدّاً، وإن جربت ذلک بإصبعین تحصل على نفس هذه النتیجة العجیبة، والحال أنّه ماء له درجة حرارة معینة واحدة.
مثال آخر: ضع إصبعک الوسطى على الخنصر ثم حرکهما على ورید صغیر فی یدک الاُخرى بحیث یکون تحتهما، آنذاک ستشعر بوجود وریدین، حیث ستفید اللامسة أنّ 1 = 2، وهکذا سائر الأمثلة، فهل یمکن والحالة هذه الاعتماد على الحس بمفرده؟ أم هل یمکن إلغاء دور الإدراکات الذهنیة والعقلیة التی من شأنها تصحیح أخطاء  الحواس ومنع الضلال؟ فمن المسلم به إننا نقول بأنّ الحس قد أخطأ فی الموارد المذکورة ومئات الحالات الأخرى من هذا القبیل; والأمر هذا من الأحکام العقلیة التی تستند إلى ما وراء الحس، والواقع هو أنّ هذا الحکم العقلی هو المقیاس والأداة لإصلاح حواسنا وتسدیدها فیما یلتبس علیها من أمور.
وعلیه فإن قلنا بفقدان قوانین الحس لقیمتها ما لم تخضع لقوانین الذهن فلا نرانا قد جانبنا الحقیقة.
—–
 
إعترافات الفلسفة الحسیة والبراغماتیة:
الطریف فی الأمر أنّ فلاسفة الحس الذین أسسوا المذهب الحسی قد اعترفوا بأنّ المحسوسات لیست لها واقعیة وتفتقر إلى القیمة النظریة، بل یقتصر دورها على القیمة العملیة، أی لابدّ من الاعتماد على الحس فی شؤون الحیاة کصنع سفینة وإعداد السیارة والماکنة وتشغیل الحقل الزراعی و... لکن لیس لأی من هذه الإدراکات الحسیة أن توضح لنا الحقائق والواقعیات کما هی بحیث یعتمد علیها من حیث المعرفة والاصول النظریة، على سبیل المثال أقر (جان لوک - الفیلسوف الانجلیزی وأحد زعماء المدرسة الحسیة ـ عقیدة دیکارت مؤسس الفلسفة العقلیة فی القرون الأخیرة ـ بشأن نفی القیمة العلمیة للمحسوسات وقال: «لیس من المعقول التنکر للموجودات المحسوسة، إلاّ أنّ الیقین بها لیس کالیقین بالمعلومات الوجدانیة، ویمکن عدها فی مصاف الظنون والتصورات من وجهة النظر العلمیة والفلسفیة، أمّا على مستوى الشؤون الیومیة للحیاة فلابدّ من الیقین (علمیاً) بحقیقة المحسوسات».
والعجیب أنّ بعض أتباع (جان لوک) مثل (جورج برکلی) و(هیوم) رغم أنّهم یرون الاصالة للحس فی العلم، إلاّ أنّهم لا یرون أیّة قیمة واعتبار للإدراکات الحسیة، حتى أنّهم أنکروا الوجود الخارجی لمحسوساتنا.
البراغماتیون رغم أنّهم یبحثون کل شیء من زاویة آثاره الخارجیة ویرون الوجود والعدم لواقع حسی وذهنی إنّما یتوقف على تأثیره فی حیاة الإنسان ومن هنا ینبغی تسمیتهم بالفلاسفة التجار لا الفلاسفة الواقعیین، إلاّ أنّهم یعترفون بأنّ مسائل ما وراء الطبیعة خاضعة للبحث والدرس، مثلا، یقول ولیم جیمس ـ وهو من زعماء المدرسة البراغماتیة ـ بشأن الله:
«رغم أن تصوره لیس واضحاً جلیاً کالتصورات الریاضیة، إلاّ أنّ له قیمة عملیة على مستوى حیاة الإنسان من حیث کونه نظاماً مثالیاً لابدّ من حفظه دائماً، والاعتقاد به یجعل الأفراد یرون وقتیة بعض الأمور الألیمة کما یجعل الفرد من الناحیة النفسیة یعیش حالة الهدوء والسکینة والطمأنینة، وبناءً على هذا یمکن توجیه قضیة وجود الله»(1).
والنتیجة التی نخلص إلیها ممّا سبق هی أنّ الحس لایمکن الاعتماد علیه بمفرده، فهو لایمکنه سوى أن یکون وسیلة وأداة لدى الفکر والذهن. بحیث إذا لم یخضع لسلطة العقل والذهن فلیس من شأنه أن یحل مشکلة فحسب، بل یصبح أداة للاضلال أیضاً.


1. الفلسفة، للدکتور علی شریعتمداری، ص 246.

 

کیف نفکر وبم نفکر جواز سفر لعالم ماوراء الحس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma