حیاة جوفاء وألیمة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
سرّالوجود
علاقة الطمأنینة بالآفاق الفکریةموقعنا فی عالم الوجود

هل سمعتم لحد الآن بمثل هذه القصة کل شیء من الدنیا سماعه أعظم من عیانه، وکل شیء من
الآخرة عیانه أعظم من سماعه أمیر المؤمنین علی(علیه السلام)(1)
یقال أنّ هناک فراغاً رهیباً فی مرکز کل ذرة، أی تعوم أجزائها وقطعاتها، ویؤکّد عالم الذرة المعروف «البروفسور جولیو» لو استطعنا تسلیط ضغط معین على بدننا بحیث تزول کل تلک الفراغات من الذرات لأصبحت هیاکلنا على هیئة ذرة غبار لا یمکن رؤیتها إلاّ بالمجهر! وبالطبع فإنّ وزن هذه الذرة من الغبار 72 کیلو غرام! وعلى هذا فلو کان هناک جهاز للکبس بحجم الکرة الأرضیة وحاولنا مثلاً کبس هذه الکرة لأصبحت جمیع هذه الأراضی الشاسعة والقصور والکنوز والمزارع العامرة والبساتین المخضرة والمعادن والمصادر الجوفیة وبالتالی جمیع الکرة الأرضیة بمثابة کرة صغیرة یصعب تصورها والتصدیق بها.
کأنّ کل شیء متعلق بعالم المادة له نفس وضع الذرة، فهو ضخم رائع من بعید وإذا اقتربت منه بدا لک أجوفاً إلى الحد الذی لا یسمع فی جوفه اللامتناهی سوى انعکاس وقع أقدامنا تتّجه نحو هدف عبثی ومجهول ومهما نکن متشائمین فإنّنا لا نستطیع حمل أقوال عظماء الدنیا، الذین شکوا عدم شعورهم بالسعادة والموفقیة حین نالوا أهدافهم وظفروا بضالتهم، على الریاء والنفاق، فمن یضمن أننا  سوف لن نکون مثلهم لو سرنا على ذات الخطوات؟ ولاسیّما إنّنا جرّبنا ذلک فی بعض الأمور، هلم بنا الآن لنسمع من «وَزیر» نماذج لهذین الأفقین الجمیلین وفی ذات الوقت الأجوفین «... أتصدقون أنّه فی الوسط الذی یضطرب فیه قانون العرض والطلب فإنّ القبول فی الجامعات یبدو شبیها بالفوز بجائزة نوبل، أو على الأقل الجوائز النفیسة المتعلقة باختبارات الحظ والوزن والثراء، ففی مثل هذه لیس هناک شیء أعظم متعة لذلک الفتى الذی اجتاز الإمتحان أن یرى اسمه فی الصحیفة ضمن أسماء أولئک الأفراد المقبولین وأنّه سیرد الجامعة!
کنت أعتقد لو حدث مثل هذا الأمر فسوف لن یکون هناک ما یعکر صفو حیاتی، آنذاک سیتألق کوکب سعادتی فی سماء الحیاة وستبتسم لی جمیع الأشیاء فلن أعانی حینها من حاجة أو نقص، کنت أعتقد أنّ للجامعة لذّة ونکهة خاصة لا یمکن الاصطلاح علیها سوى بالسعادة والموفقیة، ولم أکد أدخل الجامعة حتى شعرت بأنّها هی الاُخرى من المفردات الطبیعیة للحیاة ولا تنطوی على أیّة لذّة خاصة، بل هی مرحلة جدیدة من المشاکل والصعاب التی نعانی منها فی سائر مجالات الحیاة وضغوط الاستاذ لیست بأقل وطأة من ضغوط الأب! فقلة الکادر التدریسی وأزمة وسائل التعلیم والمعضلات المالیة التی تقصم الظهر وطغیان الغریزة الجنسیة وسائر أنواع الحرمان کانت تمثل أمام ناظری کجبل أشم یصعب تسلقه، کنت أظن أنّ نجاحی الباهر وسعادتی الحقیقیة إنّما تکمن فی الحصول على الشهادة بعد أن بذلت هذه الجهود المضنیة من أجلها، على غرار ذلک البطل الذی  یشعر بالنجاح حین یتسلق قمة أفرست.
نعم، کان ینبغی لی أن أتجاوز کل تلک المشاکل التی تحیط بی وهی بمثابة جدران القبر فی اللیلة الأولى وهی تمارس ضغوطها على روحی وجسمی فلا أفکر إلاّ فی الخلاص منها، ویبدو أنّ هذه الخیالات لم تکن أحسن من سابقتها قبل الجامعة، رغم أنّی کنت أشعر هذه المرة بأنّ کل شیء سیختلف، لأننی کنت لحدّ تلک اللحظة أعیش على هامش الحیاة، حیث کان الجمیع ینظر إلیَّ باجلال وإکبار، حیث کنت أواجه بالترحاب فی أی مجلس حللت، کانت تتعالى الأصوات سیادة الدکتور، سیادة المهندس!... ومن هنا نسیت کل جهودی وأتعابی فی الماضی بعد أن نلت هذه المکانة.
—–
 
کانت الخطوة التالیة بعد تخرجی من الجامعة هی البحث عن العمل، غیر أن جمیع الأبواب کانت موصدة بوجهی، کنت أستدین بعض الأموال لأشتری الصحیفة فاسارع قبل کل شیء لمطالعة إعلانات الاستخدام، مع ذلک لم أعثر على عمل مناسب.
کنت أشعر کأنّی تاجر کبیر قد أعد مختلف السلع والبضائع الثمینة، إلاّ أنّها تکدست فی المخازن فلیس هناک من یشتریها، فکنت أحدث نفسی: هل عمیت عیون الناس بحیث لا یرون کل هذه البضاعة الفاخرة؟
هنا ترحمت على أیّام الجامعة حیث المرح واللعب وعدم  المسؤولیة، أمّا الآن فالجمیع من قبیل الأب والأم والأخ والکاسب والبقال وصاحب الحمام کان یتوقع من «الدکتور» والحال لم أکن أملک رغیف الخبز! کانت البطالة بمثابة الإرضة التی تنهش بدنی وتنخر عظامی، فقد کنت مضطراً للاستقراض الآخرین حتى من أجل کی ملابسی وصبغ حذائی لیبدو لامعاً کوجهی الذی کنت أحرص على حفظه، کنت لا أنفک عن مراجعة الدوائر والمؤسسات، فکان هذا یجیبنی لقد اکتمل الکادر ولا نحتاج إلى أحد، وذلک یقول لیتک أتیت قبل یومین فقد کنّا بحاجة ماسة إلیک، وثالث یقول اُشیع أنّ الوزارة الفلانیة تروم استحداث دائرة فاذهب وسجل إسمک لعل القرعة تقع علیک فتکون من ضمن العاملین فیها.
و هکذا کنت أقضی أصعب الأیّام، لم أذکر فترة عانیت فیها کتلک الفترة العصیبة، فکنت أهمس لنفسی: هل یوجد من هو أشقى منّی فی المجتمع؟ أین ینبغی لشخص مرموق مثلی أن یلوذ؟ کأن بیوت المدینة أقبیة للقبور، وهذه السیارات الصاخبة توابیت وهؤلاء الأفراد الذین یتسکعون فی الطرقات والشوارع أجهزة آلیة منحت أرواح الشیاطین وقد سئمت هذه القبور، فهی تفتقر لأدنى رحمة وعاطفة کأنّ غباراً غلیظاً ملبداً بالحزن والاسى وقد نزل من السماء وغطى کل شیء، لقد أصبح عمری ثلاثین سنة ولامن عمل ولا بیت ولازوجة ولا طفل ولاحیاة طبیعیة، لقد ذهبت تلک الجهود دون النتیجة ومازال المستقبل مرعباً غامضا! بل إنّ الخوف والهلع الذی یسیطر علی من جراء المستقبل لیفوق أضعاف ماکنت أعانیه  بالماضی.
وأخیراً أسعدنی الحظ بالعثور على العمل وقد شغلت عدّة مناصب حساسة بسبب استعدادی الذاتی وإمکاناتى الجبارة، حتى أصبحت وزیراً لإحدى الوزارات المهمّة وقد زودت بکافة الإمکانات ومنحت کافة الصلاحیات فکدت أطیر فرحاً، وهنا إعتقدت أنّ السماء قد لبست حلة جدیدة، ولا مجال للحدیث بین فرق هذه المرحلة عن سابقاتها، فقد کان الماضی ضرباً من الخیال والوهم، أمّا الآن فأنا أعیش الحقیقة العینیة.
—–

مضت مدّة حصلت على دار فخمة جمیلة، کما اقتنیت سیارة رائعة، تزوجت ورزقت بولدین لطیفین، کما جنیت أموالاً طائلة، بالتالی تمکنت من الظفر بکافة الوسائل والإمکانات، ولکن ما الفائدة؟
لقد وقفت الیوم أمام المرآة لأرى الشیب قد دبّ فی نصف شعری، لم أکن أشعر آنذاک بالراحة، لم ینقطع هاتف الوزارة ولو لحظة واحدة; الأمر الذی کان یزعجنی ویسلب راحتی.
کانوا یوقظوننی أحیاناً منتصف اللیل للقیام ببعض الأعمال المهمّة، فکنت أنهض متثاقلاً وأنا أشعر بالغثیان، کان علیَّ أن أسارع إلى الوزارة لأحل أیة مشکلة ذات صلة بالحوادث التی تقع فی البلاد، والأسوأ کنت أشعر بالتعب والإرهاق أحیانا فآمر البواب بأن یزیح  من أمامی الملفات المتراکمة والمتداخلة التی کانت تشبه عظام الأجساد المشرحة لمختلف الأفراد وهی تکیل السب والشتم بلسان حالها، کما آمره بغلق باب غرفتی بوجه الأفراد الحیارى الذین تجشموا العناء منذ أسابیع لیحصلوا على وقت لمقابلتی، وقد ملوا الجلوس على بابی.
ماذا أفعل؟ تعبت، دع الآخرین ینظرون إلى باب مکتبی ویلعنون هذا الجالس فیه، الذی خرج تواً من بؤسه وتعاسته وقد نسی کل شیء.
لیقولوا ماشاءوا فأنا تعب مرهق، وهل الإنسان إلاّ عظم ولحم ودم.
کانت لحظات سکوت وصمت عابرة، کنت أتطلع إلى المنفضة وأنا أتابع التدخین علّه یخفف من تعبی، وأتأمل کل ذکریات الماضی...
—–
 
آه، کم کانت أیّاماً جمیلة ولم أکن أقدّرها، فترة الجامعة الرائعة، بل الفترة الأروع التی سبقتها، لو لم أکن أملک أی شیء سوى الطمأنینة، الطمأنینة والاستقرار...
لست بحاجة إلى کل هؤلاء الأفراد من حولی، ولا إلى هذا العدد من المراجعین الذین لا یعرف صادقهم من کاذبهم، کأنّهم یرون أنّهم اشترونی، وکأنّی کنت یوماً زمیلاً لهم فی الدرس أو هناک علاقة معرفة یتوقعون عدم ردی لأی من طلباتهم، وعلیّ أن اُلبی کل حاجاتهم!
إنّهم لا یعلمون أن کل توقیع لأی من هذه الملفات التی لا أطیق مطالعتها بمثابة خنجر یغرس فی قلبی، حقّاً أنّ مصیری ومصیر هؤلاء الأفراد ربّما یتوقف على حرکة القلم التی یصطلح علیها بالتوقیع.
یزعم کل من یراجعنی أنّ لدیه عملاً ضروریاً ولابدّ أن یرانی ومن هنا لا یتوقف الهاتف عن الرن لاستلام الأعمال الضروریة کانوا یوقظننونی من النوم منتصف اللیل، على أنّ حوادث ضروریة جدّاً قد وقعت، وکأنّی الشخص الوحید الذی تخلو حیاتی من الأعمال غیر الضروریة، لم أکن آمل بالرجوع إلى البیت فی کل لیلة کنت أغادره فیها، لم یکن لدی برنامج للاستراحة ولا للاستجمام، ولا للتحدث مع الزوجة والأطفال والأصدقاء، کل یوم جلسة وندوة واجتماع و....
سیقدم الیوم الوفد العسکری الرفیع المستوى الفلانی، وغداً الوفد السیاسی الکذائی، وبعد غد الفریق الاقتصادی و... وعلیّ أن أرتدی الزی الرسمی لاستقبال هذه الوفود، أکاد أتقیىء من هذه الرتابة والتکرار.
لقد تعبت حقّاً وأرهقت و...
قلبی یؤلمنی وقرحة المعدة والاثنا عشری تقض مضجعی.
لقد قال الطبیب الیوم من المحتمل أن أکون مصاباً بسکر الدم، لقد تلفت أعصابی من کثرة تناول الأقراص والحبوب! إنّ غرفتی ملیئة بالأدویة وکأنّها صیدلیة، یقال أننی أعانی من کثرة العمل المتعب، بالمناسبة کم هی تافهة مثل هذه الحیاة، وکلما تقدمت أکثر بدت لی أکثر تفاهة وعبثیة.
کأنّی أتجه فی دهلیز مظلم ومرعب نحو ضالة مجهولة فلا أسمع سوى وقع أقدامی فی هذا الوسط الخالی!
لیتنی أعود إلى الماضی قلیلاً، لا، بل لیتنی لم أولد...
یالها من حیاة حمقى... ما الذی أتى بی إلى الدنیا؟ هذا أیضاً سر...
—–
 
کانت هذه صورة من الحیاة المادیة التی تنطوی من بعید على صورة جذابة، کانت تشتمل على کل شیء ولا تفتقر إلى شیء.
و علیه یتضح أنّ البحث عن الحیاة الواقعیة لابدّ أن یتمّ فی عالم یفوق عالم المادة والخبز والماء والمقام ولا ینبغی أن تکون النعم واللذائذ المادیة هی الهدف فیها، بل ننشدها لتکون وسیلة من أجل حیاة أرفع وأنبل.


1. بحارالانوار، ج 8، ص 191.

 

علاقة الطمأنینة بالآفاق الفکریةموقعنا فی عالم الوجود
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma