الإیمان وإطمئنان الروح

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
سرّالوجود
الضالة الکبرى علاقة الطمأنینة بالآفاق الفکریة


إنّ الالحاد کانعدام الوزن لایجلب سوى القلق والاضطراب رغم الجهود الذی یبذلها أصحاب النزعة المادیة لتصویر بنیة الإنسان على أنّها شبیهة بالماکنة، إلاّ أنّ التحقیقات والدراسات ولاسیّما على الأصعدة النفسیة للإنسان تدل على البون الشاسع بین هاتین البنیتین حتى أن البعض تناسى مثل هذا التشبیه.
فإحدى خصائص الإنسان وممیزاته هی تعذر مواصلته لحیاته مالم یکن له هدف وعقیدة، أو بعبارة أخرى دون أن یستند إلى آیدیولوجیة، والحال لاتحتاج الماکنة فی إدامتها لحرکتها لفکر أو آیدیولوجیة.
هذه أبرز خاصیة من خصائص الإنسان، بحیث لو تخلینا عن التعریف المنطقی المعروف للإنسان بأنّه «حیوان ناطق» وقلنا الإنسان حیوان متفکر وصاحب عقیدة، لکان هذا التعریف أتمّ وأشمل، وإن إستندت تفسیرات الفلاسفة بشأن النطق إلى مسألة الفکر والإدراک، على کل حال کما یحتاج جسم الإنسان إلى الماء والغذاء، فإنّ ماء الروح وغذائها هو الفکر والعقیدة، ومن هنا یشعر کل إنسان بحاجته الطبیعیة إلى امتلاک أسلوب من التفکیر واتباع مدرسة فکریة، وإلاّ فهو یشعر بداخله بفقر مخیف دون ذلک.
وعلیه فإن تعذر علیه الظفر بالمدرسة الفکریة الصحیحة، إضطر إلى ملء هذا الفقر بما شاء من الأوهام والخرافات والأساطیر، وهذا  هو السر فی تهافت الأقوام المتخلفة على الخرافة والوهم، والخلاصة فهذه الحاجة، هی حاجة طبیعیة ومسلمة.
ویمکن تشبیه حالة إنعدام العقیدة بالنسبة للإنسان بحالة الخفة وإنعدام الوزن، حیث تفید الدراسات الفضائیة أنّ الإنسان الفضائی لا یستطیع السیطرة على نفسه حین انعدام الوزن، أی أنّ أدنى حرکة تقذفه هنا وهناک، بل علیه أن یطبق فمه حین تناول الطعام ومضغه وإلاّ أدنى حرکة للسانه وأسنانه تقذف بما فی فمه من طعام خارجاً.
یقال إنّ الشعور الذی یصیب الإنسان فی حالة انعدام الوزن کسقوطه فی بئر عمیق لانهایة له، لأننا لا نتصور فی حیاتنا الاعتیادیة حالة انعدام الوزن سوى بالسقوط الحر، فالسقوط الحر من مرتفع یفید حالة من انعدام الوزن حیث لیس للإنسان أی استقرار حین انعدام الوزن، ولعل هذا هو السبب الذی یدفع بعلماء الفضاء لأن یجدّوا فی تزوید رواد الفضاء بنوع من الوزن الاصطناعی من خلال إیجاد الحرکة الدورانیة والقوة الطاردة المرکزیة بهدف مضاعفة استقرارهم.
و الحق أنّ فقدان العقیدة والإیمان والهدف هو الآخر نوع من حالة انعدام الوزن النفسی، فلا یشعر الإنسان بوجود أی سند یرتکز إلیه فی مثل هذه الحالة، وهو بمثابة من یسقط فى بئر عمیق لا متناهی، حیث یعیش الألم الخفی ینهشه من الباطن، وتتقاذفه الأوهام والحوادث مهما کانت تافهة!!
أضف إلى ذلک فإنّ تأثیر العوامل والدوافع المختلفة على أفکاره وهو غیر مکترث یجعل منه بمثابة مدینة عزلاء تجاه هجمات  الأعداء، ویضاعف ذلک من عدم استقراره.
إنّ الإیمان والهدفیة فی الحیاة کیفما کان إنّما یختزن الطمأنینة والسکینة ویمنح الإنسان الثقل والوقار ویفسّر له فقدان الثروة وتعرضه للأضرار بما یهدأ روعه ویضیء له آفاق المستقبل ویملأ حیاته بالأمل ویسبغ علیه القوّة والقدرة ویدعوه إلى الثبات والصمود.
والذی ینبغی الالتفات إلیه هنا هو أنّ نقطة ارتکاز روح الإنسان وفکره إنما یستبطن هذا الأثر ویفیضه علیه بأعلى مراتبه حین یعیش الإنسان نفسه على درجة من الثبات وعدم التزلزل، بحیث لا یعتریها حالة من التغیر.
نعم الأهداف المادیة وما یدور حول هذا المحور إنّما تفتقر لهذه الخاصیة، فمثل هذه الأمور ذاتها بحاجة إلى سنداً، فأنى لها أن تکون سندا لأرواحنا وأفکارنا؟ ألبرت أنشتاین نابغة عصرنا ورغم انحداره من اُصول دینیة، إلاّ أنّ مذهبه - على حد تعبیره - یختلف عن سائر مذاهب عوام الناس، فهو یعتقد بأنّ ظهور أغلب الأدیان معلول لبعض الدوافع الخاصة ومنها حالات الفقر النفسی للإنسان، وقد بحث فی هذا الأمر لیخلص إلى بعض النتائج: فقد قال بشأن کیفیة ظهور المذهب الأخلاقی (المذهب الذی انبثق إثر الأزمات الاجتماعیة، لا إثر مطالعة أسرار الکائنات والخلیقة):
«الخاصیة الاجتماعیة للبشر هی الأخرى إحدى تبلورات المذهب الأخلاقی والدین فالفرد یرى موت والدیه وأقربائه والعظماء والزعماء فیتمنى لنفسه الهدایة والمحبة والاعتماد على رکن وثیق،  ومن هنا یتمهد السبیل أمامه للإیمان بالله»(1).
فقد اعترف أنشتاین خلال کلامه دون أن یلتفت إلى ذلک بأنّ الأمور المتغیرة والمتبدلة لا یمکنها أن تکون سنداً لروح الإنسان بحیث یظفر الإنسان بضالته فیها، بل هذا «السند الوثیق للطمأنینة» لابدّ أن یکون مبدأ ثابتاً یأبى الفناء والزوال وما یفوق بالطبع العالم المادی، وهنا یتضح الدور الذی یلعبه الإیمان بالمبدأ الذی یفوق الطبیعة، المبدأ الثابت الأزلی والأبدی فی طمأنة روح الإنسان وإلهامه السکینة والاستقرار.
والطریف فی الأمر أنّ أصحاب النزعة المادیة أیضا لم یروا بدّا من الاذعان لهذه الحقیقة والاعتراف بصحتها ومدى تأثیر الإیمان فی خلق الطمأنینة، لأننا کما نعلم أنّهم غالباً ما یکررون هذا الکلام:
إنّ الإیمان بالله لدى الإنسان ولید الخوف، وهکذا سار «برتراند رسل» على غرار المادیین وقال: «أظن أنّ الخوف أو الرعب هو العنصر المهم قبل غیره فی نشأت الأدیان، خوف الإنسان من البلاء الطبیعی، والخوف من الأضرار التی یمکن أن یلحقها به الأخرون، إلى جانب حالة الانزعاج التی یعانی منها عقیب ممارسته للأعمال الطائشة التی یفرزها لدیه طغیان الشهوات، ثم یضیف قائلاً: بإمکان الدین أن یحد من شدّة هذا الخوف والانزعاج»(2).
فهذا الکلام یفتقر لقیمته الفلسفیة، لأننا نعلم أنّ الاعتقاد بذلک  المبدأ قبل أن یکون معلولاً للخوف من الحوادث الطبیعیة، إنّما هو معلول لإدراک الحوادث المنظمة الدائمیة والنظام الکونی البدیع الذی یأبى الإنکار، مع ذلک فالکلام المذکور یکشف عن حقیقة وهی أنّ الإیمان بمثل هذا المبدأ من شأنه أن یعین الإنسان على التغلب على الخوف والقلق والاضطراب.
النقطة الاخرى الجدیرة بالذکر هی أنّ الشیوعیین الذى ینفون بشدّة قضیة الإیمان بالدین والإعتقاد بعالم آخر وراء الطبیعة، ولم یعارضوا الدین بصفته آیدیولوجیة فلسفیة فحسب، بل یرونه عقبة کؤوداً تکمن أمام أهدافهم السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة، هم أیضا لم یستطیعوا التنکر لدور الإیمان بالله فی تسکین روح الإنسان ومنحه الطمأننیة، غایة ما فی الأمر أنهم أسبغوا علیه صبغة التخدیر لینعتوا الدین بأنّه أفیون الشعوب.


1. الدنیا التی أراها، ص 55.
2. نقل ملخص من «العالم الذی أعرفه»، ص 68.

 

الضالة الکبرى علاقة الطمأنینة بالآفاق الفکریة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma