لماذا أفکر؟ وهل یسلب هذا التفکیر طمأنینتنا؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
سرّالوجود
کیف نحصل على اطمئنان القلوب الضالة الکبرى

قلنا آنفا أنّ ذهن کل إنسان له حظ من التفکیر حین یطأ مرحلة النضج الفکری یصبح مسرحاً للهجوم المرعب لمختلف الأسئلة والاستفسارات المتعلقة بالحیاة والموت والماضی والمستقبل، لاسیّما الأسئلة ذات الصلة بأسرار الخلق والمصیر وبدایة ونهایة العالم، وکنت من بین الأفراد الذین شعروا بکل کیانهم ولمسوا مثل هذا الهجوم، وقد عانیت الأمرین لأتمکن من الظفر بقبس من الحقیقة.
—–
 
حقّاً إنّ هذا الموضوع أمر مهم، فلو کان طرح السؤال سهلاً إلى هذه الدرجة بینما یصعب الحصول على الجواب الذی یمکنه إقناع العقل والقلب؟
لم تتراءى للذهن آلاف الأسئلة حین نهم بطرح سؤال ما، وکأنّ الأمر بمثابة الکیس السحری الذی لا ینفد مهما أخذت منه، أو کسیل بیوض أسماک البحر، حیث یتفرع مائة سؤال من سؤال واحد، لکن حین العثور على الردود فکأنّنا نرید تجاوز قمة جبل أشم حیث تطالعنا سیل المشاکل والصعاب.
أو لیست العلل الرئیسیة لهذا الأمر هو أنّ أسئلتنا فی الواقع فهرسة لمجهولاتنا، وعلیه فهی کمجهولاتنا لا حد لها ولا حصر، وبالعکس  فإنّ أجوبتنا فهرسة لمعلوماتنا وبالطبع فهی محدودة ولا شیء بالنسبة للمجهولات؟!
على کل حال فقد آن الأوان لأن نسلک مرّة أخرى ذات الطریق مع أولئک الذین سلکوا لأول مرّة ذلک الطریق الشائک والملیء بالمنعطفات والذی لامفر من اجتیازه، وممّا لا شک فیه أنّ السیر على أی طریق - وعلى غرار أی طریق خطیر ومخیف - یبدو أفضل وأکثر عقلانیة إذا ما استعنا علیه برفیق ودلیل، إننا نروم بذل الجهود والمساعی المتواصلة من أجل التوصل إلى الاجابة على هذه الأسئلة والاستفسارات والألغاز، والسیر قدماً بهذا الاتّجاه على ضوء ما نملک من استعداد وقوّة.
—–
 
الخطوة الأولى:
یثور فی أذهاننا فی الوهلة الاُولى هذا السؤال: ترى ما هی الضرورة لأن نجهد أنفسنا بالتفکیر؟ لم نخلق لأنفسنا کل هذا العناء عبثاً؟
أو لیس هناک من لا یکلّف نفسه عناء التفکیر بمثل هذه المسائل، فهم یردون الدنیا بکل بساطة ویودعونها دون أدنى هم (بالضبط کالشاة!)، لم یکن معلوماً لدیهم من أین أتوا، وأین ذهبوا، بل لم یکن لهم من هاجس ودافع للعلم بذلک!
إنهم یقولون: ما الفائدة من العلم بالماضی والمستقبل والمبدأ  والمعاد وبدایة الخلیقة وغایتها کی نطالب أنفسنا بالعلم بها؟ لیس هنالک من یعلم ما هی الغایة.
کل ما هنالک هو تحذیر من احتمال.. ونحن لا نعیر آذاناً صاغیة لهذا الصوت.
لیس للدنیا من معنى لدى هؤلاء سوى التمتع باللذات العابرة التی إن لم یدرکها الفرد اشتعلت نیران التعطش إلیها فی کل کیانه، فاذا أدرک خواءها وأحسّ بالنفور منها وقد یذهل أحیاناً لکونها جوفاء لا واقعیة لها.
اللذات التی تشبه إلى حد بعید الأعمال الفنیة لکبار الرسّامین التی تسحر القلوب وتشد إلیها العیون من بعید، فإن اقتربنا منها لم نجدها سوى قطعة من القماش العادی الذی لا قیمة له، وقد غطتها الألوان والأصباغ!! إلاّ أنّ مثل هؤلاء الأفراد حسب تعبیر الکاتب «هدایة» لیسوا أکثر من أفواه متصلة بالأمعاء ومنتهیة بالأجهزة التناسلیة، ولیس لهم أدنى امتیاز على الحیوانات والحشرات التی تتلخص حیاتها فی المفردات المذکورة.
فهل هنالک عاقل یرضى لنفسه بأن تختصر حیاته على هذه الأفعال التکراریة الرتیبة؟
لست أشک أبداً بأنّی لو خیّرت قبل الولادة: هل ترغب بالذهاب إلى الدنیا لتتمتع بهذه اللذات عدّة أیّام فى خضم کل هذه المشاکل والصعاب؟ لاخترت العدم قطعاً على هذا الوجود، بل لسخرت من هذا الوجود.
وعلى فرض قبول تلک الحیاة القصیرة مع هذه المشاکل، لطالبت بالطمأنینة قبل کل شی، نعم فالطمأنینة هی تلک النقطة المبهمة التی تنتهی إلیها بالتالی کافة جهودنا ومساعینا، أو على الأقل نبذلها من أجل ذلک الهدف، والحق أنّ هذه الطمأنینة وهذا الهدف الأصلی للجهود والمساعی وهذه الضالة النهائیة للصغیر والکبیر إنّما تتعذر ولا تتسنى لأحد فی ظل غیاب التفکیر، فالقضیة وعلى العکس ممّا یتصوره البعض بأنّ عدم العلم والجهل لا یشکل أساس الطمأنینة قط، بل هو أکثر من غیره مدعاة للقلق والاضطراب والخوف والهلع، فالجهل ظلمة، وهل تختزن الظلمة سوى معانی الرهبة والخشیة.
فالجهّال أشبه ما یکونون بمن تاه فی صحراء واسعة وسط ظلمة اللیل الدامسة، وقد غطت السماء السحب السوداء القاتمة، فکانت حوادث الدنیا الغامضة کالعواصف الموحشة والصواعق والسیول والتی تتهدّدهم وتطاردهم فی تلک الصحراء المرعبة، وقد استولى القلق والاضطراب على نفوسهم وارتعشت أبدانهم لأصوات الرعد والبرق والصواعق فلم یکن لدیهم من ملاذ آمن لحفظ أرواحهم، ولا طریق یلوح لهم فیسلکوه لینجوا من حیرتهم(1).
أمّا العلم فهو نور مهما کان ضئیلاً، ومن خصائص النور الطمأنینة والهدوء والاستقرار، على العکس من الظلمة التی تتصف بالقلق والاضطراب، حقّاً إن کان للناس من خشیة للظلمة فإنّما یعزى ذلک إلى ما یکتنفها من إبهام، وإن خشوا من الأموات فبسبب وضعهم المبهم، وکذلک إن خافوا المستقبل فإنّما ذلک معلول للجهل به وما یکتنفه من إبهام، ونخلص ممّا سبق إلى أن الطمأنینة لا تتأتى إلاّ من خلال العلم والتوصل إلى الاجابات المناسبة بخصوص الأسئلة الواردة عن المجهولات.
وعلیه فإن شاهدنا بعض الجهال ممن یعیشون حالة من عدم الاکتراث تشبه الاستقرار ولا یشعرون بأدنى هم وغم، فلا ینبغی أن ننسى أنّ هؤلاء الافراد لا یدرون حتى بجهلهم فهم یعیشون حالة من الجهل المرکب، ولیس استقرارهم سوى کاستقرار الشاة التی تحمل بقبضة من العلف إلى المسلخ لتنظر سائر القطیع وهی تذبح الواحدة تلو الاخرى دون أن تکثرث، فالحق هو أن هذا لیس من الاستقرار بشیء وهو أشبه ما یکون بالتخدیر وفقدان الوعی، وإلاّ فلیس هنالک من طمأنینة وسکینة لمن أحاط خبراً بجهله، وهو یعیش فی دنیا مظلمة ملیئة بالأشباح المخیفة، فهم مثقلون دائما بالقلق والاضطراب.
وعلیه لابدّ لنا من التفکیر والتفکیر بغیة بلوغ الاطمئنان الروحی.
نعم، إذا کان من المقرر أن نتخلى عن التفکیر، فما فائدة هذا الدماغ والعقل، أو لیس من الأفضل أن نطرحه عنا ونستریح من هذا الحمل الثقیل!
ولو ترکت یدی وحالها دون توظیفها فی حمل الأشیاء، فإنّ وجودها فی بدنی وبهذا الثقل مجانب للعقل والمنطق.
لعلک تقول إنّما زودت بهذا العقل والتفکیر لأتمتع بصورة أفضل  بلذات الدنیا ومأکولاتها ومشروباتها وملبسها وبالتالی لأستمتع أکثر باللذة الجنسیة.
أقول: هذا الکلام لیس بمقبول فما زود به البشر من إمکانات عقلیة لتفوق بکثیر هذا الهدف الصغیر والوضیع، فذلک مثل أن تعطى قوة ذریة عظیمة لطفل من أجل تحریک بعض ألعابه التی یستعملها للتسلیة.
إذن کیفما کان الأمر فأنا مکلّف بالتفکیر فی بدایة الخلیقة ونهایتها وفی الماضی والمستقبل والغایة من الحیاة إلى جانب التفکیر فی الحیاة والموت والمصیر والعافیة وفی کل شیء.
نعم، أنا مطالب قبل کل شیء بالتفکیر!


1. اُقتبس هذا المثال من الآیات 16 ـ 20 من سورة البقرة.

 

کیف نحصل على اطمئنان القلوب الضالة الکبرى
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma