هناک بحث مفصّل بین المفسّرین فی الفرق بین الفضل والرحمة اللذین أشیر إلیهما فی الآیة الثّانیة.

أ) فالبعض اعتبر الفضل الإلهی إلى النعم الظاهریة. والرحمة إشارة إلى النعم الباطنیة، وبتعبیر آخر إنّ إحداها النعم المادیة، والاُخرى النعم المعنویة. وقد جاءت مراراً فی آیات القرآن جملة: (وابتغوا من فضل اللّه ) (1) أو (لتبتغوا من فضله ) (2) بمعنى تحصیل الرزق والموارد المادیة. (3)

ب) وقال البعض الآخر: إنّ الفضل الإلهی بدایة النعمة، ورحمته دوام النعمة. وإذا ما لاحظنا أنّ الفضل هو بذل النعمة وهبتها، وأن ذکر الرحمة بعد ذلک یجب أن یکون شیئاً  

مضافاً على ذلک یتّضح المراد من هذا التّفسیر. وما نقرؤه فی روایات متعددة من أنّ المراد من الفضل الإلهی هو وجود النّبی (صلى الله علیه وآله) ونعمة النّبوة، وأنّ المراد من رحمة الله وجود علی (علیه السلام)ونعمة الولایة ربّما کان إشارة إلى هذا التّفسیر، لأنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) کان بدایة الإسلام، والإمام علی (علیه السلام) سبب بقائه واستمراره فأحدهما علّة محدثة وموجدة، والآخر علّة مبقیة (4)

واحتمل البعض الآخر أن یکون الفضل إشارة إلى نعم الجنّة، والرحمة إشارة إلى العفو عن الذنب وغفرانه.

ج) ویحتمل أیضاً أن الفضل إشارة إلى نعمة الله العامّة التی تعم العدو والصدیق، والرحمة ـ بملاحظة کلمة (للمؤمنین) التی ذکرت کقید للرحمة فی الآیة السابقة ـ إشارة إلى رحمته الخاصّة بالمؤمنین.

التّفسیر الآخر الذی ذکر لهاتین الکلمتین، هو أنّ فضل الله إشارة إلى مسألة الإیمان، والرحمة إشارة إلى القرآن المجید الذی سبق الکلام عنه فی الآیة السابقة.

طبعاً، إنّ أغلب هذه المعانی لا تضاد بینها، ویمکن أن تجمع جمیعها فی المفهوم الجامع للفضل والرحمة.

1. الجمعة، 10.
2. النّحل، 14.
3. یراجع، الرّوم، 23; والبقرة، 198; والاسراء، 12; و...
4. للإطلاع على هذه الرّوایات، راجع تفسیر نور الثقلین، ج 2، ص 307 و308.