دعوة للحیاة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سورة الأنفال / الآیة 24 ـ 26 سورة الأنفال / الآیة 27 ـ 28

تتابع هذه الآیات دعوة المسلمین المتقدمة للعلم والعمل والطاعة والتسلیم لکنّها تتابع الهدف ذاته عن طریق آخر، فتقول ابتداءاً: (یا أیّها الذین آمنوا استجیبوا لله وللرسول إذا دعاکم لما یحییکم ).

فهذه الآیة تقول بصراحة: إنّ دعوة الإسلام هی دعوة للعیش والحیاة، الحیاة المعنویة، الحیاة المادیة، الحیاة الثقافیة، الحیاة الاقتصادیة، الحیاة السیاسیة، الحیاة الأخلاقیة والاجتماعیة، وأخیراً الحیاة والعیش بالمعنى الصحیح على جمیع الأصعدة، وهذه أقصر وأجمع عبارة عن الإسلام ورسالته الخالدة، إذا سأل أحد عن أهداف الإسلام، وما یمکن أن یقدمه، فنقول بجملة قصیرة: إنّ هدفه هو الحیاة على جمیع الأصعدة، هذا ما یقدمه لنا الإسلام.

السؤال: ترى هل کان الناس موتى قبل بزوغ الإسلام ونزول القرآن لیدعوهم القرآن إلى الحیاة...؟

وجواب هذا التساؤل: نعم، فقد کانوا موتى وفاقدی الحیاة بمعناها القرآنی، لأنّ الحیاة ذات مراحل مختلفة أشار إلى جمیعها القرآن الکریم...

فتارةً تأتی بمعنى (الحیاة النباتیة) کما یقول القرآن: (اعلموا أنّ الله یحى الأرض بعد موتها ) (1) .

وتارةً تأتی بمعنى (الحیاة الحیوانیة) مثل: (إنّ الذی أحیاها لمحی الموتى ) (2) .

وتارةً بمعنى (الحیاة الفکریة والعقلیة) مثل: (أوَ مَن کان میتاً فأحییناه ). (3)

وتارة بمعنى «الحیاة الخالدة فی العالم الآخر) مثل: (یا لیتنی قدّمت لحیاتی ) (4) .

وتارة بمعنى (العالم والقادر بلا حد ولا نهایة) کما نقول عن الله: (الحی الّذی لا یموت ). (5)

وبالنظر إلى هذه الأقسام التی ذکرناها نعرف أنّ الناس فی الجاهلیة کانوا یعیشون الحیاة الحیوانیة والمادیة، وکانوا بعیدین عن الحیاة الإنسانیة والمعنویة والعقلیة، فجاء القرآن لیدعوهم إلى الحیاة.

ومن هنا نعلم أنّ من یضع الدین فی قوالب جامدة لا روح فیها بعیداً عن مجالات الحیاة، ویختزله فی مسائل فکریة واجتماعیة صرفة فقد جانَب الصواب کثیراً، لأنّ الدین الصحیح هو الذی یبعث الحرکة فی کل جوانب الحیاة، ویحیی الفکر والثقافة والإحساس بالمسؤولیة، ویوجد التکامل والرّقی والوحدة والتآلف، فهو إذاً یبعث الحیاة فی البشریة بکل معنى الکلمة.

وبذلک تتّضح هذه الحقیقة أیضاً وهی أن الذین فسّروا الآیة بمعنى واحد هو الجهاد أو الإیمان أو القرآن أو الجنّة، واعتبروا کل واحد من هذه الاُمور هو العامل الوحید للحیاة فی الآیة المبارکة، هؤلاء فی الحقیقة حددوا مفهوم الآیة، لأنّه یشتمل على کل ذلک وأکثر حیث یندرج، ـ ضمن مفهوم الآیة ـ کل شیء، وکل فکر، وکل قانون یبعث الروح فی جانب من جوانب الحیاة.

ثمّ یقول تعالى: (واعلموا أنّ الله یحول بین المرء وقلبه وأنّه إلیه تحشرون ).

إنّ المقصود بالقلب هنا ـ کما ذکرنا سابقاً ـ الروح والعقل، أمّا کیف یحول الله بین المرء وقلبه؟ فقد ذکروا لذلک احتمالات مختلفة.

فتارةً قیل: إنّه إشارة لشدّة قرب الله من عباده، فکأنّ الله فی داخل روح العبد وجسمه،

وکما یقول القرآن الکریم: (ونحن أقرب إلیه من حبل الورید ). (6)

وقیل: إشارة إلى أنّ تقلب القلوب والأفکار هو بید الله، کما نقرأ فی الدعاء: (یا مقلب القلوب والأبصار). (7)

وقیل: إنّ المقصود هو أنّ الانسان لولا اللطف الإلهی غیر قادر على معرفة الحق من الباطل.

وقیل أیضاً: إنّ المقصود هو أنّه ما دام للناس فرصة فینبغی علیهم أداء الطاعات وأعمال الخیر، لأنّ الله قد یحول بواسطة الموت بین المرء وقلبه.

ویمکن بنظرة شاملة جمع کل التفاسیر فی تفسیر واحد، وهو أنّ الله عزّ وجلّ حاضر وناظر ومهیمن على کل المخلوقات. فإنّ الموت والحیاة والعلم والقدرة والأمن والسکینة والتوفیق والسعادة، کلّها بیدیه وتحت قدرته، فلا یمکن للإنسان کتمان أمر ما عنه، أو أن یعمل أمراً بدون توفیقه، ولیس من اللائق التوجه لغیره وسؤال من سواه. لأنّه مالک کل شیء والمحیط بجمیع وجود الإنسان. وإرتباط هذه الجُمل مع سابقتها من جهة أنّه لو دعا النّبی (صلى الله علیه وآله) الناس إلى الحیاة، فذلک لأنّ الذی أرسله هو مالک الحیاة والموت والعقل والهدایة ومالک کل شی.

وللتأکید على هذا الموضوع فإنّ الآیة ترید أن تقول: إنّکم لستم الیوم فی دائرة قدرته فحسب، بل ستذهبون إلیه فی العالم الآخر، فأنتم فی محضره وتحت قدرته هنا وهناک.

ثمّ تشیر إلى عاقبة السوء لمن یرفض دعوة الله ورسوله إلى الحیاة فتقول: (واتقوا فتنة لا تصیبنّ الذین ظلموا منکم خاصّة ).

وکلمة (فتنة) استعملت فی القرآن المجید بمعان مختلفة، فقد جاءت تارةً بمعنى الاختیار والامتحان، وتارة بمعنى البلاء والعذاب والمصیبة، وهی فی الأصل بمعنى إدخال الذهب فی بوتقة النّار لیتمیز جیده من ردیئه، ثمّ استعملت بمعنى الاختبارات التی تکشف الصفات الباطنیة للإنسان، واستحدثت فی الإبتلاء والجزاء الذی یبعث الصفاء فی روح الإنسان ویطهّره من شوائب الذنوب، وأمّا فی هذه الآیة فإنّ کلمة (فتنة) بمعنى البلاء والمصائب الاجتماعیة التی یصاب بها الجمیع فیحترق فیها الأخضر مع الیابس.

وفی الحقیقة فشأن الحوادث الإجتماعیة هو هکذا، فإذا ما توانى مجتمع ما عن أداء رسالته، وإنهارت القوانین على أثر ذلک، وإنعدم الأمن، فإنّ نار الفتنة ستحرق الأبرار مع الأشرار، وهذا هو الخطر الذی یحذر الله تبارک وتعالى منه ویحذر فی هذه الآیة المجتمعات البشریة کلّها.

ومفهوم الآیة هنا هو أنّ أفراد المجتمع مسؤولین عن أداء وظائفهم، وکذلک فهم مسؤولون عن حثّ الآخرین لأداء وظائفهم أیضاً، لأنّ الاختلاف والتشتت فی قضایا المجتمع یؤدّی إلى إنهیاره، ویتضرر بذلک الجمیع، فلا یصحّ أن یقول أحد بأنّنى أؤدی رسالتی الاجتماعیة ولا علاقة لی بالآثار السلبیة الناجمة عن عدم أداء الآخرین لواجباتهم، لأنّ آثار القضایا الاجتماعیة لیست فردیة ولا شخصیة.

وهذا الموضوع یشبه تماماً ما لو احتجنا لصد هجوم الأعداء إلى مئة ألف مقاتل، فإذا قام خمسون ألف مقاتل بأداء وظائفهم فمن الیقین أنّهم سیخسرون عند منازلتهم العدو، وهذا الإنکسار سیشمل الذین أدوا وظائفهم والذین تقاعسوا عن أدائها وهذه هی خصوصیة المسائل الاجتماعیة.

ویمکن إیضاح هذه الحقیقة بصورة أجلى وهی: أنّ الأخیار من أبناء المجتمع مسؤولون فی التصدّی للاشرار لأنّهم لو إختاروا السکوت فسیشارکون اُولئک مصیرهم عند الله کما ورد ذلک فی حدیث مشهور عن النّبی (صلى الله علیه وآله) حیث قال: (إنّ الله عزّ وجلّ لا یعذب العامّة بعمل الخاصّة حتى یروا المنکر بین ظهرانیهم وهم قادرون على أن ینکرون، فإذا فعلوا ذلک عذب الله الخاصّة والعامّة) (8) .

ویتّضح ممّا قلناه أنّ هذا الحکم یصدق فی مجال الجزاء الإلهی فی الدنیا والآخرة، وکذلک فی مجال النتائج وآثار الأعمال الجماعیة (9) .

وتُختتم الآیة بلغة التهدید فتقول: (واعلموا أنّ الله شدید العقاب ) لئلا یصاب هؤلاء بالغفلة بسبب الألطاف والرحمة الإلهیّة وینسوا شدّة الجزاء الإلهی، فتأکلهم الفتن وتحیط بهم من کل جانب، کما أحاطت المجتمع الإسلامی، وأرجعته القهقرى بسبب نسیانه السنن والقوانین الإلهیّة.

فنظرة قصیرة إلى مجتمعنا الإسلامی فی زماننا الحاضر والإنکسارات التی أصابته أمام أعدائه، والفتن الکثیرة، کالاستعمار والصهیونیة، والإلحاد والمادیة، والفساد الخلقی وتشتت العوائل وسقوط شبابه فی ودیان الفساد، والتخلف العلمی، کل ذلک یجسد مضمون الآیة، وکیف أنّ تلک الفتن أصابت کل صغیر وکبیر، وکل عالم وجاهل، وسیستمر کل ذلک حتى الیوم الذی تتحرک فیه الروح الاجتماعیة للمسلمین، ویهتم الجمیع بصلاح المجتمع ولا یتخلفوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنکر.

ویأخذ القرآن الکریم مرّة اُخرى بأیدی المسلمین لیعیدهم نحو تاریخهم، فکم کانوا فی بدایة الأمر ضعفاء وکیف صاروا!!، لعلهم یدرکون الدرس البلیغ الذی علّمهم إیّاه فی الآیات السابقة فیقول: (واذکروا إذ أنتم قلیلٌ مستضعفون فی الأرض تخافون أنّ یتخطّفکم الناس ).

وهذه عبارة لطیفة تشیر إلى الضعف وقلّة العدد التی کان علیها المسلمون فی ذلک الزمن، وکأنّهم کانوا شیئاً صغیراً معلقاً فی الهواء بحیث یمکن للأعداء أخذه متى أردوا، وهی إشارة لحال المسلمین فی مکّة قبل الهجرة قبال المشرکین الأقویاء. أو إشارة لحال المسلمین فی المدینة بعد الهجرة فی مقابل القوى الکبرى کالفرس والروم: (فآواکم وأیّدکم بنصره ورزقکم من الطّیّبات لعلّکم تشکرون ).


1. الحدید، 17.
2. فصلت، 39.
3. الأنعام، 122.
4. الفجر، 24.
5. الفرقان، 58.
6. ق، 16.
7. وسائل الشیعة، ج 6، ص 63; بحارالانوار، ج 12، ص 278.
8. تفسیر المنار، ج 9، ص 638.
9. فقد جرى الحدیث بین المفسّرین
حول کلمة «لا تصیبنّ» فی أنّها هل هی صیغة نفی أو نهی، فالذین قالوا بالنهی وفسّروها بمعنى اتّقوا الفتن لأنّها لا تصیب الظالمین وحدهم، وقال بعض: إنّها صیغة نفی ولکن لما یعتقده علماء العربیة بأنّ نون التوکید لا تظهر فی النهی وجواب القسم، فقد اعتبروا الجملة جواباً لقسم مقدر.
سورة الأنفال / الآیة 24 ـ 26 سورة الأنفال / الآیة 27 ـ 28
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma