بعد أن أشارت الآیة السابقة إلى وضع المنافقین فی داخل المدینة وخارجها، أشارت هذه الآیة هنا إلى وضع جمع من المسلمین العاصین الذین أقدموا على التوبة لجبران الأعمال السیئة التی صدرت منهم، ورجاء لمحوها: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحاً وآخر سیّئاً عسى الله أن یتوب علیهم ) ویشملهم برحمته الواسعة فـ (إنّ الله غفور رحیم ).
إنّ التعبیر بـ (عسى) فی الآیة، والتی تستعمل فی الموارد التی یتساوى فیها احتمال الفوز وعدمه، أو تحقق الأمل وعدمه، ربّما کان ذلک کیما یعیش هؤلاء حالة الخوف والرجاء، وهما وسیلتان مهمتان للتکامل والتربیة.
ویحتمل أیضاً أنّ التعبیر بـ (عسى) إشارة إلى وجوب الالتزام بشروط اُخرى فی المستقبل، مضافاً إلى الندم على ما مضى والتوبة منه وعدم الإکتفاء بذلک بل یجب أن تجبر الأعمال السیئة التی إرتکبت فیما مضى بالأعمال الصالحة مستقبلا.
إلاّ أنّنا إذا لاحظنا أنّ الآیة تُختم ببیان المغفرة والرحمة الإلهیّة، فإن جانب الأمل والرجاء هو الذی یرجح.
وهناک ملاحظة واضحة أیضاً، وهی أنّ نزول الآیة فی أبی لبابة، أو سائر المتخلفین عن غزوة تبوک لا یخصص المفهوم الواسع لهذه الآیة، بل إنّها تشمل کل الأفراد الذین خلطوا الأعمال الصالحة الحسنة بالسیئة، وندموا على أعمالهم السیئة.
ولهذا نقل عن بعض العلماء قولهم: إنّ هذه الآیة أرجى آیات القرآن الکریم، لأنّها فتحت الأبواب أمام المذنبین العاصین، ودعت التّوابین إلى الله الغفور الرحیم.