1ـ أسباب حیاة الشعوب وموتها

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
الجواب على سؤال: 2ـ لا جبر فی العاقبة ولا فی التاریخ، ولا فی سائر الاُمور...

یعرضُ التاریخ لنا شعوباً واُممّا کثیرة، فطائفة اجتازت سلّم الرقی بسرعة، ووصلت

طائفة ثانیة إلى أسفل مراحل الإنحطاط، وطائفة ثالثة عاشت یوماً فی تشتت وضیاع وتناحر وتفرقة، ثمّ قویت فی یوم آخر، وطائفة رابعة على العکس منها إذ سقطت من أعلى مراتب الفخر إلى قعر ودیان الذلة والضیاع.

والکثیر من الناس یمرّون مرور الکرام على حوادث التاریخ المختلفة دون أی تفکر فیها، والکثیر منهم بدلا من البحث فی العلل أو الأسباب الواقعیة لحیاة الشعوب وموتها یرجعون ذلک إلى أسباب وهمیة وخیالیة.

ویرجعها آخرون إلى حرکة الأفلاک ودورانها إیجاباً وسلباً.

وأخیراً فإنّ بعضهم لجأ إلى مسألة القضاء والقدر بمفهومها المحّرف، أو إلى مسائل حسنِ الطالع والحظ وعدمهما، وما شابه ذلک، فیرجعون کل الحوادث الحسنة أو المرّة إلى هذه الاُمور. وکل ذلک بسبب الخوف من الأسباب الحقیقیة لتلک الاُمور.

والقرآن الکریم فی الآیات المتقدمة یضع أصبع التحقیق على الأصل والمنبع، ویبیّن أنواع العلاج وأسباب النصر والهزیمة فیقول: لأجل معرفة الأسباب الأصیلة لا یلزم البحث عنها فی السماوات ولا فی الأرضین، ولا وراء الأوهام والخیال، بل ینبغی البحث عنها فی وجودکم وفکرکم وأرواحکم وأخلاقکم، وفی نظمکم الاجتماعیة، فإنّ کل ذلک کامن فیها.

فالشعوب التی فکّرت ملیّاً وحرّکت عقولها ووحدّت جموعها وتآخت فیما بینها، وکانت قویة العزم والإرادة، وقامت بالتضحیة والفداء عند لزوم ذلک، هذه الشعوب منتصرة حتماً.

أمّا إذا حَلّ الضعف والتخاذل والرکود مکان العمل والسعی الحثیث، وحلّ التراجعُ مکان الجرأة والنفاقُ والتفرقة مکان الإتحاد، وحبُّ النفس مکان الفداء، وحل التظاهر والریاء محل الإخلاص والإیمان، فیبدأ عند ذلک السقوط والبلاء.

وفی الحقیقة أنّ جملة: (ذلک بأنّ الله لم یک مغیّراً نعمةً أنعمها على قوم حتى یغیّروا ما بأنفسهم ) تبیّن أسمى قانون فی حیاة الإنسانیة، وتوضح أنّ مدرسة القرآن الکریم هی أکرم مدرسة فکریة لحیاة المجتمعات الإنسانیة، وأوضحها حتى لاُولئک الذین نسوا فی عصر الفضاء والذرّة قیمة الإنسان، وجعلوا حرکة التاریخ مرتبطة بالمصانع والمعامل وقضایا الإقتصاد.

فهی تقول لهؤلاء: إنّکم فی خطأ کبیر إذا أخذتم بالمعلول وترکتم العلة الأصلیة أو

نسیتموها، وتمسکتم بغصن واحد من شجرة کبیرة وترکتم أصولها.

ولئلا نمضی بعیداً، فإنّ تأریخ الإسلام، أو تأریخ حیاة المسلمین ـ بتعبیر أصح ـ قد شهد إنتصارات باهرة فی بدایاته، وانکسارات وهزائم مرّة صعبة بعدها.

ففی القرون الاُولى کان الإسلام یتقدم فی العالم بسرعة، ویبث فی کل مکان أنوار العلم والحریّة، ویبسط ظلاله على أقوام جدد بالثقافة والعلوم، فکان ذا قدرة متحرکة ومحرکة وبنّاءة معاً، وجاء بمدنیّة زاهرة لم یشهد التاریخ مثلها، ولم تمر بضعة قرون حتى أخذ الخمول یعطل تلک الحرکة، وأخذت الفرقة والتشتت والضعف والخور والتخلف مکان ذلک الرقی، حتى بدأ المسلمون یمدّون أیدیهم إلى الآخرین طلباً لوسائل الحیاة الابتدائیة، ویبعثون بأبنائهم إلى دیار الأجانب لأخذ الثقافة والعلم، بینما کانت جامعات المسلمین یومئذ من أرقى جامعات العالم العلمیة والمراکز التی تهوی إلیها أفئدة الأصدقاء والأعداء ابتغاء المعرفة، لکن الاُمور بلغت حداً بحیث أنّهم لم یصدّروا علماً وصناعة، بل استوردوا ما یحتاجونه من خارج بلدانهم.

وأرض فلسطین التی کانت یوماً مرکز مجد المسلمین وعظمتهم ولم یتمکن الصلیبیون ـ لمدّة مئتی عام ـ برغم تقدیمهم ملایین القتلى والجرحى من ابتزازها من أیدی المقاتلین المسلمین، إلاّ أنّهم أسلموها «الیوم» خلال ستة أیّام ببساطة، فی وقت کان علیهم أن یعقدوا المؤتمرات أشهراً وسنین لإرجاع شبر منها. ولا یعرف بعد هذا إلى أیة نتیجة سیصلون؟

ألم یَعِدُ الله عباده بالقول: (وکان حقّاً علینا نصر المؤمنین ) (1) .

أو قوله: (ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنین ). (2)

أو قوله: (ولقد کتبنا فی الزّبور من بعد الذّکر أنّ الأرض یرثها عبادی الصّالحون ) (3) .

فهل الله عاجز ـ والعیاذ بالله ـ من تحقیق وعوده؟! أو قد نسیها! أو غیّرها؟

وإذا لم یکن کذلک، فلم ذهب کل ذلک المجد والعظمة والعزّة؟

إنّ القرآن الکریم یجیب ـ فی آیة قصیرة ـ على کل تلک التساؤلات، ویدعو إلى العودة إلى أعماق الوجدان، والنظر فی ثنایا المجتمع، فسترون أن التغییر یبدأ من أنفسکم، وأنّ الألطاف والرحمة الإلهیّة تعم الجمیع، فأنتم الذین أذهبتم قدراتکم وطاقاتکم هدراً فصرتم إلى هذا الحال.

ولا تتکلم الآیة عن الماضی فحسب لیقال: إنّ ما مضى قد مضى بما فیه من مرارة وحلاوة، وانتهى ولن یعود، والکلام عنه غیر مجد وغیر نافع، بل تتکلم الآیة عن الحاضر والمستقبل أیضاً، فإنّکم إذا عدتم إلى الله وأحکمتم اُسس إیمانکم، ووعت عقولکم، وذکرتم عهودکم ومسؤولیاتکم، وتصافحت الإیدی بعضها مع بعض وتعالت الصرخات المدویّة للنهضة، وبدأتم بالجهاد والفداء والسعی والعمل على کل صعید، فسوف تعود المیاه إلى مجاریها، وستنقضی الأیّام السود وترون اُفقاً مشرقاً وضّاءً، وستعود أمجادکم العظیمة، فی صورة أجلى وأکبر!

تعالوا لتبدیل أحوالکم، ولیکتب علماؤکم، ویجاهد مقاتلوکم، ویسعى التجار والعمال، ویقرأ شبابکم أکثر فأکثر ویطهروا أنفسهم وتزداد معارفهم، لیتحرک دم جدید فی عروق مجتمعکم فتتجلّى قدراتکم بشکل یعید له أعداؤکم الأرض المحتلة التی لم یعد منه شبر واحد بالرغم من کل أنواع التذلل والرجاء والإستعطاف!!...

ومن الضروری أن نذکر هذه اللطیفة، وهی أنّ القیادة ذات تأثیر مهم فی مصیر الشعوب، ولا ننسى أنّ الشعوب الواعیة تختار لنفسها القیادة الحکیمة اللائقة، أمّا القادة الضعاف أو المتکبرون أو الظالمون فیسحقهم غضب الشعوب وإرادتهم القویة، ولا ینبغی أن ننسى أنّ ما وراء الأسباب والعوامل الظاهریة سلسلة من الإمدادات الغیبیة تنتظر المؤمنین والمخلصین، لکنّها لا ینالها کل أحد جزافاً، بل لابدّ من الإستعداد والجدارة!

ونختتم هذا الموضوع بذکر روایتین.

الاُولى: ما ورد عن الإمام الصّادق فی هذا الشأن إذ قال (علیه السلام) «ما أنعم الله على عبد بنعمة فسلبها إیاه حتى یذنب ذنباً یستحقق بذلک السلب» (4) .

والثّانیة: مَا نقرؤه فی حدیث آخر له (علیه السلام): «إنّ الله عزّ وجلّ بعث نبیاً من أنبیائه إلى قومه وأوحى إلیه أن قل لقومک: إنّه لیس من أهل قریة ولا ناس کانوا على طاعتی فأصابهم فیها سراء، فتحولوا عمّا أحبّ إلى ما أکره إلاّ تحولت لهم عمّا یحبّون إلى ما یکرهون. ولیس من أهل قریة ول أهل بیت کانوا على معصیتی فأصابهم فیها ضراء فتحولوا عمّا أکره إلى ما أحبّ إلاّ تحولت لهم عمّا یکرهون إلى ما یحبّون».

والحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة.


1. الروم، 47.
2. المنافقون، 8.
3. الأنبیاء، 105.
4. اصول الکافی، ج 2، ص 274; تفسیر نورالثقلین، ج 2، ص 163.
الجواب على سؤال: 2ـ لا جبر فی العاقبة ولا فی التاریخ، ولا فی سائر الاُمور...
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma