تجارة لا نظیر لها:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سورة التّوبة / الآیة 111 ـ 112 سورة التّوبة / الآیة 113 ـ 114

لما کان الکلام فی الآیات السابقة عن المتخلفین عن الجهاد، فإنّ هاتین الآیتین قد بیّنتا المقام الرفیع للمجاهدین المؤمنین مع ذکر مثال رائع.

لقد عرّف الله سبحانه وتعالى نفسه فی هذا المثال بأنّه مشتر، والمؤمنین بأنّهم بائعون، وقال: (إنّ الله اشترى من المؤمنین أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة ).

ولما کانت کل معاملة تتکون فی الحقیقة من خمسة أرکان أساسیة، وهی عبارة عن: المشتری، والبائع، والمتاع، والثمن، وسند المعاملة أو وثیقتها، فقد أشار الله سبحانه إلى کل هذه الأرکان، فجعل نفسه مشتریاً، والمؤمنین بائعین، وأموالهم وأنفسهم متاعاً وبضاعة، والجنّة ثمناً لهذه المعاملة، غایة ما فی الأمر أنّه بیّن طریقة تسلیم البضاعة بتعبیر لطیف، فقال: (یقاتلون فی سبیل الله فیقتلون ویقتلون ) وفی الواقع فإنّ ید الله سبحانه حاضرة فی میدان الجهاد لتقبل هذه البضاعة، سواء کانت روحاً أم مالا یبذل فی أمر الجهاد.

ثمّ یشیر بعد ذلک إلى سند المعاملة الثابت، والذی یشکل الرکن الخامس فیها، فقال: (وعداً علیه حقّاً فی التوراة والإنجیل والقرآن ).

إذا أمعنا النظر فی قوله: (فی سبیل الله ) یتّضح جلیاً أنّ الله تعالى یشتری الأرواح والجهود والمساعی التی تبذل وتصرف فی سبیله، أی سبیل إحقاق الحق والعدالة، والحریّة والخلاص لجمیع البشر من قبضة الکفر والظلم والفساد.

ثم، ومن أجل التأکید على هذه المعاملة، تضیف الآیة: (ومن أوفى بعهده من الله ) أی إنّ ثمن هذه المعاملة وإن کان مؤجلا، إلاّ أنّه مضمون، ولا وجود لأخطار النسیئة، لأنّ الله تعالى لقدرته واستغنائه عن الجمیع أوفی من الکل بعهده، فلا هو ینسى، ولا یعجز عن الأداء، ولا یفعل ما یخالف الحکمة لیندم علیه ویرجع عنه، ولا یخلف وعده والعیاذ بالله، وعلى هذا فلا یبقى أی مجال للشک فی وفائه بعهده، وأدائه الثمن فی رأس الموعد المقرر.

والأروع من کل شیء أنّه تعالى قد بارک للطرف المقابل صفقته، ویتمنى لهم أن تکون صفقة وفیرة الربح، تماماً کما هو المتعارف بین التجار، فیقول عزَّوجلّ: (فاستبشرو (1) ببیعکم الذی بایعتم به وذلک هو الفوز العظیم ).

وقد جاء نظیر هذا المبحث بعبارات اُخرى، ففی الآیات 10 ـ 12 من سورة الصف یقول الله عزَّوجلّ: (یا أیّها الذین آمنوا هل أدلّکم على تجارة تنجیکم من عذاب ألیم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فی سبیل الله بأموالکم وأنفسکم ذلکم خیر لکم إن کنتم تعلمون * یغفر لکم ذنوبکم ویدخلکم جنّات تجری من تحتها الأنهار ومساکن طیّبة فی جنّات عدن ذلک الفوز العظیم ).

إنّ الإنسان لیقع فی حیرة هنا من کل هذا اللطف والرحمة الإلهیة، فإنّ الله المالک لکل عالم الوجود، والحاکم المطلق على جمیع عالم الخلقة، وکل ما یملکه أیّ موجود فانما هو من فیضه ومنحته، یبدو فی مقام المشتری لنفس هذه المواهب التی وهبها لعباده، ویشتری ما أعطاه بمئات الأضعاف.

والأعجب من ذلک، أنّ الجهاد الذی هو السبب فی عزّة الإنسان وافتخار الاُمّة، وثمراته تعود فی النهایة علیها، قد اعتبر دفعاً وتسلمیاً لهذه البضاعة.

ومع أنّ المتعارف أنّ الثمن یجب أن یعادل المثمن أو البضاعة، إلاّ أنّ هذا التعادل لم یلاحظ فی هذه المعاملة، وجعلت السعادة الأبدیة فی مقابل بضاعة متزلزلة یمکن أن تفنى فی أیة لحظة، (سواء کان على فراش المرض أو ساحة القتال).

والأهم من هذا أنّ الله سبحانه وتعالى مع أنّه أصدق الصادقین، ولا یحتاج إلى سند وضمان، فإنّه تعهد بأهم الوثائق والضمانات أمام عبیده.

وفی نهایة هذه المعاملة العظیمة، والصفقة الکبیرة، فإنّه قد بارک لهم وبشّرهم، فهل تُتصور رحمة ومحبّة أعلى من هذه؟!

وهل یوجد معاملة أکثر ربحاً من هذه؟!

ولهذا ورد فی حدیث عن جابر بن عبدالله الأنصاری أنّه لما نزلت هذه الآیة کان النّبی (صلى الله علیه وآله) فی المسجد، فتلا هذه الآیة بصوت عال، فکبر الناس، فتقدم رجل من الأنصار وسأل رسول الله (صلى الله علیه وآله): یا رسول الله، أنزلت هذه الآیة؟ فقال النّبی (صلى الله علیه وآله): «نعم». فقال الأنصاری: بیع ربیح لا نقیل ولا نستقیل. (2)

کما هی طریقة القرآن المجید، حیث إنّه یُجمِل الکلام فی آیة، ثمّ یعمد إلى التفصیل فی الآیة التی تلیها، فقد بیّن سبحانه فی الآیة الثّانیة حال البائعین للروح والمال لربّهم عزَّوجلّ، فذکر تسع صفات ممیزة لهم:

فهم یغسلون قلوبهم وأرواحهم من رین الذنوب بماء التوبة: (التائبون ).

وهم یطهرون أنفسهم فی نفحات الدعاء والمناجاة مع ربّهم: (العابدون ).

وهم یحمدون ویشکرون کل نعم الله المادیة والمعنویة: (الحامدون ).

وهم یتنقلون من مکان عبادة إلى آخر: (السائحون ).

وبهذا الترتیب فإنّ برامج تربیة النفس عند هؤلاء لا تنحصر فی العبادة، أو فی إطار محدود، بل إنّ کل مکان هو محل عبادة لله وجهاد للنفس وتربیة لها بالنسبة لهؤلاء، وکل مکان یوجد فیه درس وعبرة لهؤلاء فإنّهم سیقصدونه.

(سائح) فی الأصل مأخوذ من (سیح)، و(سیاحة) والتی تعنی الجریان والإستمرار.

وهناک بحث بین المفسّرین فیما هو المقصود من السائح فی الآیة، وأی نوع من الجریان والاستمرار والسیاحة هو؟ فالبعض یرى ـ کما قلنا أعلاه ـ إن السیر فی تربیة النفس وجهادها إنّما یکون فی أماکن العبادة، ففی حدیث عن النّبی (صلى الله علیه وآله): «سیاحة اُمّتی فی المساجد» (3) .

والبعض الآخر یقول: إنّ السائح یعنی الصائم، لأنّ الصوم عمل مستمر طوال الیوم، وفی حدیث آخر عن النّبی (صلى الله علیه وآله): «إنّ السّائحین هم الصّائمون» (4) .

والبعض الآخر من المفسّرین یرى أنّ السیاحة تعنی التنقل والتجوال فی الأرض لمشاهدة آثار عظمة الله، ومعرفة المجتمعات البشریة، والتعرف على عادات وتقالید وعلوم الأقوام التی تحیی فکر الإنسان وتنمیه وتطوره.

وفریق آخر من المفسّرین یرى أنّ السیاحة تعنی التوجه إلى میدان الجهاد ومحاربة الأعداء، ویستشهدون بالحدیث النبوی: «إنّ سیاحة اُمّتی الجهاد فی سبیل الله». (5)

وأخیراً فإنّ البعض یرى أنّها سیر العقل والفکر فی المسائل العلمیة المختلفة المرتبطة بعالم الوجود والتفکر فیها، ومعرفة عوامل السعادة والانتصار، وأسباب الهزیمة والفشل.

إلاّ أنّ أخذ الأوصاف ـ التی ذکرت قبل السیاحة وبعدها ـ بنظر الاعتبار یرجح المعنى الأوّل، ویجعله الأنسب من بین المعانی الاُخرى، وإن کانت کل هذه المعانی ممکنة فی هذه الکلمة، لأنّها جمعت فی مفهوم السیر والسیاحة.

5ـ وهم یرکعون مقابل عظمة الله: (الراکعون ).

6ـ ویضعون جباههم على التراب أمام خالقهم ویسجدون له: (الساجدون ).

7ـ وهم یدعون الناس لعمل الخیر: (الآمرون بالمعروف ).

8ـ ولم یقتنعوا بهذه الدّعوة للخیر، بل حاربوا کل منکر وفساد: (والناهون عن المنکر ).

9ـ وبعد أدائهم وظیفة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، یقومون بأداء آخر وأهم واجب اجتماعی، أی حفظ الحدود الإلهیة وإجراء قوانین الله، وإقامة الحق والعدالة: (والحافظون لحدود الله ).

وبعد ذکر هذه الصفات التسع فإنّ الله یرغّب ـ مرّة اُخرى ـ أمثال هؤلاء المؤمنین المخلصین الذین هم ثمرة منهج الإیمان والعمل، ویقول للنّبی (صلى الله علیه وآله): (وبشّر المؤمنین ).

ولما لم یذکر متعلق البشارة، وبتعبیر آخر: إنّ البشارة لما جاءت مطلقة فإنّها تعطی مفهوماً أوسع یدخل ضمنه کل خیر وسعادة، أی بشّر هؤلاء بکل خیر وسعادة وفخر.

وینبغی الإلتفات إلى أن الصفات الست الاُولى ترتبط بجانب جهاد النفس وتربیتها، والصفة السّابعة والثّامنة ترتبطان بالواجبات الاجتماعیة الحساسة، وتشیران إلى تطهیر محیط المجتمع من السلبیات، والصفة الأخیرة تتحدث عن المسؤولیات المختلفة المتعددة المرتبطة بتشکیل الحکومة الصالحة، والمشارکة الجدیة فی المسائل السیاسیة الإیجابیة.


1. ( فاستبشروا ) مأخوذة من مادة «البشارة»، والتی أخذت فی الأصل من «البشرة»، أی وجه الإنسان، وهی إشارة إِلى آثار الفرحة والسرور التی تبدو بوضوح على وجه الإِنسان.
2. تفسیر الدرّالمنثور، ج 3، ص 280; وتفسیر المیزان، ج 9، ص 405.
3. تفسیر المیزان، ذیل الآیة مورد البحث; ومستدرک الوسائل، ج 7، ص 507.
4. تفسیر نورالثقلین، وکثیر من التفاسیر الاُخرى، ذیل الآیة مورد البحث; ومستدرک الوسائل، ج 16، ص 54.
5. تفسیر المیزان، وتفسیر المنار، ذیل الآیة مورد البحث; ووسائل الشیعة، ج 15، ص 17.
سورة التّوبة / الآیة 111 ـ 112 سورة التّوبة / الآیة 113 ـ 114
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma