الدرس الثّانی الذی یمکن أخذه من هذه الآیات، هو أنّ الله سبحانه وتعالى أمر نبیّه (صلى الله علیه وآله)فی هذه الآیات أن لا یصلی فی مسجد الضرار، بل یصلی فی المسجد التی وضعت قواعده واُسسه على أساس التقوى.
إنّ النفی والإثبات یتجلى فی الإسلام من شعاره الأصلی (لا إله إلاّ الله) إلى اُموره الصغیرة والکبیرة الاُخرى، یبیّن هذه الحقیقة، وهی ضرورة وجود الإثبات إلى جانب النفی دائماً على أرض الواقع العملی، فإنّا إذا نهینا الناس عن الذهاب إلى مراکز الفساد، فیجب أن نبنی ونوفر لهم فی المقابل المراکز النقیة الصالحة لإشباع روح الحیاة الجماعیة فی الفرد وإرضائها... إذا منعنا وسائل اللهو المنحرفة، فیجب توفیر وسائل لهو سالمة وهادفة...
إذا حاربنا الثقافة الاستعماریة، فیجب أن تهیىء الثقافة الصحیحة والمراکز السلیمة والمدارس الصالحة للتربیة والتعلیم... إذا شجبنا الإنحلال الخلقی والسقوط الاجتماعی، فیجب أن نوفر وسائل الزواج البسیطة ونضعها تحت تصرف الشباب.
الأشخاص الذین صبّوا کل اهتماماتهم فی جانب النفی، دون الاهتمام بالجانب الإیجابی والإثباتی، علیهم أن یتیقنوا بأن نفیهم لوحده لا یثمر شیئاً، لأنّ سنّة الحیاة أن تشبع کل الغرائز والأحاسیس عن الطریق الصحیح، ولأنّ قانون الإسلام المسلّم به أن کل (لا) یجب أن تصحبها (إلا) لیتولد منها التوحید الذی یهب الحیاة.
وهذا هو الدرس الذی نساه الکثیر من المسلمین مع الأسف رغم تقصیرهم هذا یشکون من عدم تقدم وتطور البرامج الإسلامیة! هذا فی الوقت الذی لا ینحصر برنامج الإسلام بالنفی کما یتخیل هؤلاء، فإنّهم إذا قرنوا النفی بالإثبات فإنّ تقدمهم سیکون حتمیاً.
