1ـ تحریف التاریخ

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
مقیاس الفخر والفضل: 2ـ ما هو مقام الرضوان؟

کما قرأنا آنفاً فی شأن نزول الآیات محل البحث، وطبقاً لروایة وردت فی کثیر من کتب أهل السنّة الشهیرة، أنّها نزلت فی علی (علیه السلام) وبیان فضائله، على أنّ مفهوم الآیات عام واسع «وقد قلنا مراراً بأن أسباب النّزول لا تحدّد مفاهیم الآی».

إلاّ أنّ بعض مفسّری أهل السنّة لم یرغب فی أن تثبت للإمام علی (علیه السلام) فضائل بارزة مع اعتقادهم بأنّه رابع خلفاء المسلمین! وکأنّهم خافوا إن أذعنوا لما یجدونه عند علی (علیه السلام)من الفضائل أن یقف الشیعة أمامهم متسائلین: لم قدّمتم على علی غیره؟ فلذلک أغمضوا النظر عن کثیر من مناقبه وفضائله، وسعوا جاهدین لأن یقدحوا فی سند الروایة التی تذکر فضل علی (علیه السلام) على غیره أو فی دلالتها.

ویا للأسف ما زال هذا التعصب المقیت ممتداً إلى عصرنا الحاضر، حتى أنّ بعض علمائهم المثقفین لم یسلموا من هذا الداء الوبیل والتعصب دون دلیل!

ولا أنسى المحاورة التی جرت بینی وبین بعض علماء أهل السنة، إذ أظهر کلاماً عجیباً عند ذکرنا لمثل هذه الأحادیث، فقال: فی عقیدتی أنّ الشیعة یستطیعون أن یثبتوا جمیع معتقدات مذهبهم «أصولها وفروعها» من مصادرنا وکتبنا، لأنّ فی کتبنا أحادیث کافیة لصالح آراء الشیعة وصحة مذهبهم.

إلاّ أنّه من أجل أن یریح نفسه من جمیع هذه الکتب، قال: أعتقد أن أسلافنا کانوا حسنی الظن، وقد أوردوا کل ما سمعوه فی کتبهم، فلیس لنا أن نأخذ کل ما أوردوه ببساطة!! «طبعاً کان حدیثه یشمل الکتب الصحاح والمسانید المعتبرة وما هو عندهم فی المرتبة الاُولى».

فقلت له: لیس هذا هو الاُسلوب فی التحقیق، حیث یعتقد إنسان ما بمذهب معین، لأنّ آباءه کانوا علیه وورثه عن سلفه، فما وجده من حدیث ینسجم ومذهبه قال: إنّه صحیح، وما لم ینسجم حکم علیه بعدم الصحة، لأنّ السلف الصالح کان حسن الظن، حتى لو کان الحدیث معتبراً.

فما أحسن أن نختار اُسلوباً آخر للتحقیق بدل ذلک، وهو أن نتجرّد من عقیدتنا الموروثة ثمّ ننتخب الأحادیث الصحیحة دون تعصب.

ونسأل الآن: لماذا سکتوا عن الأحادیث الشهیرة التی تذکر فضل علی وعلو مقامه، بل نسوها وربّما طعنوا فیها، فکأن مثل هذه الأحادیث لا وجود لها أصلا؟

ومع الإلتفات إلى ما ذکرناه آنفاً، ننقل کلاماً لصاحب تفسیر «المنار» المعروف، إذ أهمل شأن نزول الآیات محل البحث المذکور آنفاً، ونقل روایة لا تنطبق ومحتوى الآیات أصلا، وینبغی أن نعدّها حدیثاً مخالفاً للقرآن، فقال عنها: إنّها معتبرة!

وهی ما نُقَل عن النعمان بن بشیر إذ یقول: کنت جالساً فی عدة من أصحاب النّبی إلى جوار منبره، فقال بعضهم: لا أرى عملاً بعد الإسلام أفضل من سقایة الحاج وإروائهم، وقال الآخر: إنّ عمارة المسجد الحرام أفضل من کل عمل، فقال الثالث: الجهاد فی سبیل الله أفضل ممّا قلتما.

فنهاهم عمر عن الکلام وقال: لا ترفعوا أصواتکم عند منبر رسول الله ـ وکان ذلک الیوم یوم الجمعة ـ ولکنّی سأسأل رسول الله بعد الفراغ من الصلاة ـ صلاة الجمعة ـ فی ما اختلفتم فیه.

وبعد أن أتمّ صلاته جاء إلى رسول الله فسأله عن ذلک، فنزلت الآیات محل البحث (1) .

إلاّ أنّ هذه الرّوایة لا تنسجم والآیات محل البحث من عدّة جهات، ونحن نعرف أن کلّ روایة مخالفة للقرآن ینبغی أن تطرح جانباً ویُعرضَ عنها; لأنّه:

أوّلا: لم یکن فی الآیات محل البحث قیاس ما بین الجهاد وسقایة الحاج وعمارة المسجد الحرام، بل القیاس ما بین سقایة الحاج وعمارة المسجد الحرام من جهة، والإیمان بالله والیوم الآخر والجهاد من جهة اُخرى، وهذا یدل على أنّ من کان یقوم بمثل السقایة والعمارة فی زمان الجاهلیة کان یقیس عمله بالإیمان والجهاد. فالقرآن یصرّح بأنّ سقایة الحاج وعمارة المسجد الحرام لا یستویان ـ کل منهما ـ مع الإیمان بالله والجهاد فی سبیله ولیس القیاس بین الجهاد وعمران المسجد وسقایه الحاج (لاحظ بدقة).

ثانیاً: إنّ جملة (والله لا یهدی القوم الظالمین ) تدل على أنّ أعمال الطائفة الاُولى کانت معروفة بالظلم، وإنّما یفهم ذلک فیما لو کانت هذه الأعمال صادرة فی حال الشرک، لإنّ القرآن یقول (إنّ الشرک لظلم عظیم ) (2) .

ولو کان القیاس بین الإیمان وسقایة الحاج المقرونة بالإیمان والجهاد، لکانت جملة (والله لا یهدی القوم الظالمین ) لغواً ـ والعیاذ بالله ـ لأنّها حینئذ لا مفهوم لها هنا.

ثالثاً: إنّ الآیة الثّانیة ـ محل البحث ـ التی تقول (الذین آمنوا وهاجروا وجاهدوا فی سبیل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة ) مفهومها أنّ اُولئک أفضل وأعظم درجة ممن لم یؤمنوا ولم یهاجروا ولم یجاهدوا فی سبیل الله، وهذا المعنى لا ینسجم وکلام النعمان ـ آنف الذکر ـ لأنّ المتکلمین وفقاً لحدیثه کلهم مؤمنون ولعلهم أسهموا فی الهجرة والجهاد.

رابعاً: کان الکلام فی الآیات المتقدمة عن إقدام المشرکین على عمارة المساجد وعدم جواز ذلک: (ما کان للمشرکین أن یعمروا مساجد الله ) والآیات محل البحث تعقب على الموضوع ذاته، ویدل هذا الأمر على أنّ موضوع الآیات هو عمارة المسجد الحرام وسقایة الحاج حال الشرک، وهذا لا ینسجم وروایة النعمان.

والشیء الوحید الذی یمکن أن یُستدلَ علیه هو عبارة (أعظم درجة ) حیث تدل على أنّ الطرفین المقیسین کل منهما حسن بنفسه، وإن کان أحدهما أعظم من الآخر.

إلاّ أنّ الجواب على ذلک واضح، لأنّ أفعل التفضیل غالباً تستعمل فی الموازنة بین أمرین، أحدهما واجد للفضیلة والآخر غیر واجد، کأن یقال مثلا: الوصول متأخراً خیر من عدم الوصول، فمفهوم هذا الکلام لا یعنی أن عدم الوصول شیء حسن، لکن الوصول بتأخیر أحسن.

أو أنّنا نقرأ فی القرآن (والصلح خیر ) أی من الحرب ]سورة النساء الآیة 128 [ فهذا لا یعنی أنّ الحرب شیء حسن.

أو نقرأ مثلاً (ولعبد مؤمن خیر من مشرک ) ]سورة البقرة الآیة 221 [ ترى هل المشرک حسن وفیه خیر؟!

أو نقرأ فی سورة التوبة ذاتها الآیة 108 (لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل یوم أحقّ أن تقوم فیه ) أی أحق من مسجد ضرار الذی بناه المنافقون للعبادة، مع أنّنا نعرف أنّ العبادة فی مسجد ضرار لیست بحق أبداً، فنظیر هذه التعابیر فی القرآن واللغة العربیة، بل فی سائر اللغات کثیر.

من مجموع ما ذکرناه نستنتج أن روایة النعمان بن بشیر لأنّها مخالفة لمحتوى القرآن ینبغی أن تطرح وتنبذ جانباً، وأن نأخذ بما ینسجم وظاهر الآی، وهو ما قدمناه بین یدی تفسیر هذه الآیات، على أنّه سبب لنزولها، وأنّه لفضیلة کبرى لإمام الإسلام العظیم علی (علیه السلام).

نسأل الله أن یثبت أقدامنا على متابعة الحق وأهله من الأئمّة الصالحین، وأن یجنبنا التعصب، ویفتح أبصارنا وأسماعنا وأفکارنا لقبول الحق.


1. تفسیر المنار، ج 10، ص 215، ذیل الآیة مورد البحث.
2. لقمان، 13.
مقیاس الفخر والفضل: 2ـ ما هو مقام الرضوان؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma