الفرار من الجهاد ممنوع!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سورة الأنفال / الآیة 15 ـ 18 سورة الأنفال / الآیة 19

کما ذکرنا فی تفسیر الآیات السابقة، فإنّ الحدیث عن معرکة بدر وألطاف الله الکثیرة على المسلمین الأوائل کان من أجل أن یتّخذ منه المسلمون العبرة والدرس فی المستقبل، لذلک فإنّ هذه الآیات توجّه خطابها للمؤمنین وتأمرهم أمراً عاماً بالقتال: (یا أیّها الّذین آمنوا إذا لقیتم الذین کفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار ).

و(لقیتم) من مادة (اللقاء) بمعنى الاجتماع والمواجهة، وتأتی فی أکثر الأحیان بمعنى المواجهة فی میدان الحرب.

و(الزّحف) فی الأصل بمعنى الحرکة إلى أمر ما بحیث تسحب الأقدام على الأرض کحرکة الطفل قبل قدرته على المشی، أو الإبل المرهقة التی تخطّ أقدامها على الأرض أثناء سیرها، ویطلق على الجیش الجرار الذی یشاهد من بعید وکأنّه یحفر الأرض أثناء مسیره.

واستخدام کلمة (زحف) ـ فی الآیة آنفاً ـ تشیر إلى أنّه بالرغم من أنّ عدوکم قوی وکثیر، وأنتم قلیلون، فلا ینبغی لکم الفرار من ساحة الحرب، وکما کان عدوکم کثیراً فی میدان بدر فثبتّم وانتصرتم.

فالفرار من الحرب یعدّ فی الإسلام من کبائر الذنوب، إلاّ أنّ ذلک مرتبط ـ کما تبیّن بعض الآیات ـ بکون الأعداء ضِعفی عدد المسلمین، وسنبحث هذا الأمر بعون الله فی الآیتین 65 و66 من هذه السورة. ولذلک تذکر الآیة بعدها جزاء من یفر من میدان الحرب مع الإشارة لمن یستثنون منهم فتقول: (ومن یُولّهم یومئذ دُبره إلاّ متحرّفاً لقتال أو متحیّزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ).

وکما نرى فقد استثنت الآیة صورتین من مسألة الفرار، ظاهرهما أنّهما من صور الفرار، غیر أنّهما فی الحقیقة والواقع صورتان للقتال والجهاد.

الصورة الاُولى: عُبّر عنها بـ (متحرّفاً لقتال ) و«متحرف» من مادة (التحرّف) أی الإبتعاد جانباً من الوسط نحو الأطراف والجوانب، والمقصود بهذه الجملة هو أنّ المقاتلین یقومون بتکتیک قتالی إزاء الأعداء، فیفرون من أمامهم نحو الأطراف لیلحقهم الأعداء: ثمّ یغافلونهم فی توجیه ضربة قویة إلیهم واستخدام فن الهجوم والإنسحاب المتتابع وکما یقول العرب: (الحرب کرّ وفرّ). (1)

الصورة الثّانیة: أن یرى المقاتل نفسه وحیداً فی ساحة القتال، فینسحب للإلتحاق بإخوانه المقاتلین ولیهجم معهم من جدید على الأعداء.

وعلى کل حال، فلا ینبغی تفسیر هذا التحریم بشکل جافّ یتنافی وأسالیب الحروب وخدعها، والتی هی أساس کثیر من الإنتصارات.

وتختتم الآیة محل البحث بالقول: إنّ جزاء من یفرّ مضافاً إلى استحقاقه لغضب الله فانّ مصیره إلى النّار: (ومأواه جهنّم وبئس المصیر ).

والفعل «باء» مشتق من «البواء» ومعناه الرجوع وإتّخاذ المنزل، جذره فی الأصل یعنی تصفیة محل ما وتسطیحه، وحیث إنّ الإنسان إذا نزل فی محل عدّله وسطّحه، فقد جاءت هذه الکلمة هنا بهذا المعنى، وفی الآیة إشارة إلى أنّ غضب الله مستمر ودائم علیهم، فکأنّهم قد اتّخذوا منزلا عند غضب الله.

وکلمة «المأوى» فی الأصل معناها «الملجأ» وما نقرؤه فی الآیة، محل البحث (ومأواه جهنّم ) فهو إشارة إلى أنّ الفارین یطلبون ملجأ ومأوى من فرارهم لینقذوا أنفسهم من الهلکة، إلاّ أنّ ما یحصل هو خلاف ما یطلبون، إذ ستکون جهنم مأواهم، ولیس ذلک فی العالم الآخر فحسب، بل هو فی هذا العالم إذ سیحترقون فی جهنم الذلة والإنکسار والضیاع.

ولذا فقد جاء فی «عیون الأخبار» عن الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) فی جواب أحد أصحابه حین سأله عن فلسفة تحریم الفرار من الجهاد فقال: «وحرّم الله الفرار من الزحف لما فیه من الوهن فی الدین، والإستخفاف بالرسل والأئمّة العادلة علیهم السلام، وترک نصرتهم على الأعداء، والعقوبة على إنکار ما دعوا إلیه من الإقرار بالرّبوبیة وإظهار العدل وترک الجور وإماتة الفساد، لما فی ذلک من جرأة العدوّ على المسلمین، وما یکون من السبی والقتل وإبطال دین الله عزّ وجلّ وغیره من الفساد». (2)

ومن ضمن الإمتیازات الکثیرة التی کانت عند الإمام علی (علیه السلام)، وربّما یشیر إلى نفسه أحیاناً لیکون نبراساً للآخرین قوله «إنّی لم أفر من الزحف قطّ، ولم یبارزنی أحد إلاّ سقیت الأرض من دمه» (3) .

والعجیب أنّ بعض المفسّرین من أهل السنّة یصرّ على أنّ حکم الآیة السابقة یختص بمعرکة بدر، وأنّ التهدید والوعید من الفرار من الجهاد یتعلق بالمقاتلین فی بدر فحسب، مع أنّه لا یوجد دلیل فی الآیة على هذا التخصیص، بل لها مفهوم عام یشمل کل المقاتلین والمجاهدین.

وفی الرّوایات والآیات کثیر من القرائن ما یؤید هذا المعنى «ولهذا الحکم شروط طبعاً سنتناولها فی الآیات المقبلة من هذه السورة إن شاء الله».

ولئلا یصاب المسلمون بالغرور فی انتصارهم، ولئلا یعتمدوا على قواهم الجسمیّة فحسب، ولیذکروا الله فی قلوبهم دائماً، ولیتعلقوا به طلباً لألطافه، فإنّ الآیة التّالیة تقول: (فلم تقتلوهم ولکنّ الله قتلهم وما رمیت إذ رمیت ولکنّ الله رمى ).

لقد ورد فی الرّوایات والتفاسیر أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) قال لعلی یوم بدر: أعطنی حفنة من تراب الأرض وحصاها، فناوله علی ذلک، فرمى النّبی جهة المشرکین بذلک التراب وقال: (فلم تقتلوهم ولکنّ الله قتلهم وما رمیت إذ رمیت ولکنّ الله رمى ). (4)

 

قالوا: کان لهذا الفعل أثر معجز إذ وقع ذلک التراب على وجوه المشرکین وعیونهم فملأهم رعباً.

لاشک أنّ الظاهر یشیر إلى أنّ النّبی وأصحابه هم الذین أدّوا هذا الدور فی معرکة بدر، لکن القرآن یقول: إنکم لم تفعلوا ذلک أوّلا، لأنّ القدرات الروحیة والجسمیة والإیمانیة التی هی أصل تلک النتائج کلها من عطاء الله وقد تحرکتم بقوة الله وفی سبیل الله. وثانیاً قد حصلت فی ساحة بدر معاجز کثیرة أشرنا إلیها سابقاً، وقد بعثت فی نفوس المجاهدین القوّة، وإنهارت بها قوى المشرکین ومعنویاتهم، وکان کل ذلک بألطاف الله سبحانه.

وفی الحقیقة فإنّ الآیة محل البحث تشیر إلى لطیفة فی مذهب «لا جبر ولا تفویض بل أمر بین أمرین» (5) لأنّها فی الوقت الذی تخبر عن قتل المسلمین للکافرین، وتقول إنّ النّبی رمى التراب بوجوه المشرکین... تسلب منهم کل هذه الاُمور (فتأمل بدقّة).

ولا شک فی عدم وجود تناقض فی مثل هذه العبارة، بل الهدف هو القول بأنّ هذا الفعل کان منکم ومن الله أیضاً، لأنّه کان بإرادتکم والله منحکم القوة والمدد.

وبناء على ذلک فإنّ الذین اعتقدوا بمذهب الجبر مستدلین بهذه الآیة فإنّ الردّ علیهم موجود فی الآیة ذاتها.

والذین قالوا بوحدة الوجود مستدلین بهذه الآیة فإنّ الردّ علیهم موجود فی الآیة بأسلوب لطیف، لأنّه إذا کان المراد بأنّ الخالق والمخلوق واحد، فلا ینبغی أن ینسب الفعل إلیهم تارةً وینفی عنهم تارةً اُخرى، لأنّ النسبة ونفیها دلیل على التعدد، وإذا تجردت الأفکار عن الحکم المسبق والتعصب المقیت لرأینا أن الآیة لا ترتبط بأىِّ من المذاهب الضّالة، بل هی تشیر إلى المذهب الوسط «أمر بین أمرین» فحسب.

وهذه الإشارة لأجل هدف تربوی، وهو إزالة الغرور وآثاره، إذ یقع ذلک عادة فی الأفراد بعد الإنتصارات.

وتشیر الآیة فی ختامها إلى لطیفة مهمّة اُخرى، وهی أنّ ساحة بدر کانت ساحة امتحان واختبار، إذ تقول: (ولیبلی المؤمنون منه بلاءً حسناً ).

والبلاء معناه الاختبار فی الأصل، غایة ما فی الأمر تارة یکون بالنعم فیسمى بلاءً حسناً، وتارةً بالمصائب والعقاب فیسمّى بلاءً سیئاً، کما تشیر إلى ذلک الآیة 168 من سورة الأعراف فی شأن بنی إسرائیل (وبلوناهم بالحسنات والسّیّئات ).

لقد شاء الله أن یذیق المؤمنین فی أوّل مواجهة مسلحة بینهم وبین أعدائهم طعم النصر، وأن یجعلهم متفائلین للمستقبل، وهذه الموهبة الإلهیّة کانت اختباراً لهم جمیعاً، إلاّ أنّه لا ینبغی لهم أن یغتروا بهذا الإنتصار أبداً، فتکون النتیجة سلبیة، وذلک بأن یروا عدوهم حقیراً وینسوا بناء ذواتهم ویغفلوا عن الإعتماد على الله.

لهذا فإنّ الآیة تختتم بهذه الجملة (إنّ الله سمیع علیم ).

أی إنّ الله سمعَ صوت استغاثة النّبی والمؤمنین، واطلع على صدق نیّاتهم، فأنزل ألطافه علیهم جمیعاً ونصرهم على عدوّهم، وأنّ الله یعامل عباده بهذه المعاملة حتى فی المستقبل، فیطلع على میزان صدق نیاتهم وإخلاصهم واستقامتهم، فالمؤمنون المخلصون ینتصرون أخیراً، والمراؤن المدّعون ینهزمون ویفشلون.

وفی الآیة التالیة یقول سبحانه تعمیماً لهذا الموضوع وأنّ مصیر المؤمنین والکفّار هو ماسمعتم، فیقول: (ذلکم ) (6) ثمّ یعقب القرآن مبیناً العلّة (وأنّ الله موهن کید الکافرین ).


1. جواهرالکلام، ج 21، ص 189; منتهى المطلب، ج 2، ص 944.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 2، ص 138; ووسائل الشیعة، ج 15، ص 87.
3. المصدر السابق، ص 139.
4. بحارالانوار، ج 18، ص 72.
5. اصول الکافی، ج 1، ص 160.
6. فی الحقیقة أنّ هذا الکلمة إشارة إلى جملة مقدرة هی «ذلکم الذی سمعتم هو حال المؤمنین والکافرین...».
سورة الأنفال / الآیة 15 ـ 18 سورة الأنفال / الآیة 19
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma