یظهر من کلمات أهل اللغة أنّه یستعمل فی معان کثیرة متقاربة المعنى منها: «ضدّ النصح» و «عدم الخلوص» و «الخیانة» و «الخدعة» وأصله من الغشش، وهو المشرب الکدر، ثمّ إستعمل فی غیره، ویعبّر عنه بالفارسیة بـ (فریب، خیانت، تقلّب، ناخالصى) إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الغشّ على أقسام:
1 ـ منها ما إذا شوب جنس بغیر جنس، کشوب اللبن بالماء والحنطة بالتراب.
2 ـ شوب الجیّد بالردیء کما فی الحنطة والارز والدهن والفواکه والتمر.
3 ـ جعل الجیّد أعلاه والردیء أسفله بحیث لا یرى، کما هو المعمول فی أکثر صنادیق الفواکه فی أیّامنا (مع الأسف).
4 ـ جعل شیء فی مکان یکتسب ثقلا کالحریر فی مکان مرطوب بارد، فهذا غشّ بحسب الکمیّة على عکس ما سبق فانّه من ناحیة الکیفیة.
5 ـ إخفاء العیب الموجود فی الحیوان أو المتاع الذی لا یکون ظاهراً للناظر.
6 ـ جعل المتاع فی الضوء الشدید أو الظلمة إذا کان یرى فیهما بخلاف ما هو علیه، کبیع السابرین فی الظلال، وبیع بعض الفواکه تحت الضوء الغالب.
7 ـ إذا باع شیئاً بعنوان أنّه ذهب، فبان مموّهاً فالغشّ واقع فی جنس المتاع.
8 ـ وقد یکون منه المدح الشدید من المتاع بحیث یبدو فی نظره بخلاف ما هو علیه من الأوصاف، إلى غیر ذلک من الأقسام المتصوّرة أحیاناً.
ومن ناحیة اُخرى یمکن تقسیمه بما لا یعلم إلاّ من قبله کشوب اللبن بالماء فی بعض مراحله، وما یعلم بعد الدقّة والتأمّل، وأمّا ما هو ظاهر عند أوّل النظر فالظاهر أنّه لیس من الغشّ، وأمّا غیره حرام، ویدلّ علیه مضافاً إلى إطلاقات الحرمة التصریح به فی روایة سعد الأسکاف(1).
ومن ناحیة ثالثة یمکن تقسیمه بما یکون الغاشّ عالماً والمغشوش له جاهلا مطلقاً، أو جاهلا بمرتبة منه، وإن کان عالماً بمرتبة اُخرى، والظاهر إعتبار علم الغاشّ وجهل المغشوش له على کلّ حال، فلو کان الأمر بالعکس أو کلاهما عالمین أو جاهلین لم یکن من الغشّ أبداً.
والظاهر حرمة جمیع ما مرّ من أقسامه ممّا یسمّى غشّاً عرفاً، کما أنّ الظاهر کون حرمته بذاته لا بالعناوین العارضیة کما توهّمه بعض أهل التحقیق. فقال: «مجرّد شوب اللبن بالماء مثلا لیس حراماً، وکذا عرضه للبیع وکذا الإنشاء فالحرام أخذ الثمن فی مقابله»(2).
وفیه: إنّ ظاهر الأدلّة حرمة الغشّ تکلیفاً الحاصل من هذه المقدّمات، وعدم حرمة کلّ واحد لا ینافی حرمة المجموع من حیث المجموع، وهذا نظیر الحکایة المعروفة فیمن کان بصدد تحدید اللعب بالآلات من طریق التفرقة بین مقدّماته!
ثمّ إنّ ما هو المتعارف من تزیین الأمتعة بجعلها فی غلاف، أو زجاجة، أو محلّ خاص، وغیر ذلک من وسائل التزیین، لا یعدّ غشّاً ما لم یکن سبباً لإظهار الخلاف، ومصداقاً للخدعة والخیانة وإن أوجب توفّر الدواعی إلیها، فانّه لا شکّ فی أنّ الماء الذی هو أبسط الأشیاء إذا کان فی آنیة البلّور وفی صحائف جیّدة مع تشریفات اُخرى، تطلّعت النفوس إلیه، مع أنّه لیس غشّاً وکذلک غیره من أشباهه.
1. وسائل الشیعة، ج 12، ص 209، الباب 86، من أبواب ما یکتسب به، ح 8، (وقد تقدّم أن نقلناها بعینها).
2. وهو المحقّق الأیروانی(قدس سره) حکاه فی مصباح الفقاهة (ج 1، ص 299) عنه.
