وقد عرّف بتعاریف مختلفة فی اللغة ولسان الفقهاء لا یخلو جلّها أو کلّها عن إشکال وإبهام:

1 ـ ما عن القاموس: أنّه ما لطف مأخذه ودقّ.

2 ـ وفی لسان العرب: السحر الآخذة، وکلّ ما لطف مأخذه ودقّ.

3 ـ وفی مجمع البحرین: یسمّى سحراً لأنّه صرف جهته.

4 ـ وعن الأزهری: أصل السحر صرف الشیء عن حقیّته إلى غیرها.

5 ـ وفسّر بعضهم: بإظهار الباطل بصورة الحقّ.

6 ـ وبعضهم بالخدعة والتمویه.

7 ـ وبعضهم: کلام یتکلّم به أو یکتبه أو رقیّة، أو یعمل شیئاً یؤثّر فی بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غیر مباشرة.

8 ـ إنّه: صرف الشیء عن وجهه على سبیل الخدعة والتمویه (وکأنّه من ترکیب بعضها إلى بعض) ذکره فی مصباح الفقاهة(2).

والظاهر أنّ شیئاً من هذه التفسیرات لا تکون تفسیراً جامعاً مانعاً، فانّ مجرّد لطف المأخذ والدقّة، أو الأخذ بالعیون أو صرف الشیء عن وجهه، أو إظهار الباطل بصورة الحقّ لیس سحراً، کما فی الغشّ فی الکلام والأعیان الخارجیة.

وکذا مجرّد الخدعة والتمویة أو صرف الشیء عن وجهه على سبیل الخدعة الموجودة فی أنواع الغشّ والمکر، لا یختصّ بالسحر، بل یشمله وغیره.

والاُولى ملاحظة حال مصادیقها الواضحة وإستقرائها وإستخراج جامع بینها، فنقول (ومنه جلّ شأنه التوفیق والهدایة):

إستعملت هذه الکلمة فی کتاب الله العزیز کثیراً، وکذا فی السنّة، فمنه ما ورد فی قصّة سحرة فرعون، فقد أخذوا عصیّاً وحبالا ووضعوا فیها أشیاء (ویقال زیبق) فإذاً یخیّل إلیه من سحرهم أنّها تسعى، فأخذوا أعین الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظیم، فسحرهم کان أمراً مرکّباً من «الأخذ بالعیون» و «الإسترهاب» و «الإنتفاع ببعض خواص الأشیاء الخفیّة» وفی جانب آخر نرى السحر الذی أخذه أهل بابل من الملکین، فکانوا یأخذون ما یضرّهم ویفرّقون بین المرء وأهله ببعض الأسباب الخفیّة.

وفی جانب ثالث نرى الکفّار من جمیع الاُمم یتّهمون أنبیائهم بالسحر، لمّا رأوا الآیات الإلهیة کما قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آیَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَـذَا سِحْرٌ مُّبِینٌ)(3).

(وَإِنْ یَرَوْا آیَةً یُعْرِضُوا وَیَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ)(4).

حتّى انّهم کانوا یسندون تأثیر القرآن فی النفوس تأثیراً عمیقاً إلى السحر.

وهذه النسبة وان کانت کذباً وزوراً، ولکن کان منشأها مشاهدة الخوارق للعادات مع أسباب خفیة حسبوها خدعة وتمویهاً.

فیستفاد من جمیع ذلک وغیرها من أشباهها وما ذکره علماء اللغة والفقهاء أنّه یعتبر فی مفهوم السحر الاُمور التالیة:

أوّلا: أن یکون أمراً خارقاً للعادة فی الظاهر، فإنّ مجرّد التأثیر والخدعة غیر کاف لو کانت النتیجة أمراً عادیاً.

ثانیاً: أن یکون ناشئاً عن أسباب خفیّة ولو بالتوسّل بأسباب کیمیاویة من خواص الأدویة، أو الفیزیائیة کذلک.

ثالثاً: أن یکون فیه نوع خداع وتمویة.

رابعاً: أن یکون فیه الإضرار غالباً وان لم یکن کذلک دائماً، فمثل صرف القلب، والتفریق بین المرء وزوجه، أمر خارق للعادة بأسباب خفیّة، وفیه نوع خدیعة ویکون فیه إضرار، ویکون صاحبه من المفسدین.

وأمّا معجزة «الید البیضاء» التی کانوا ینسبونها إلى السحر، فقد کانت أمراً خارقاً للعادة بأسباب خفیّة یتوهّمون أنّ فیها نوع خدعة وان لم یکن فیه ضرر إلاّ بما یترتّب على تلک الخدعة المتوهّمة من (یُرِیدَانِ أَنْ یُخْرِجَاکُم مِّنْ أَرْضِکُمْ... وَیَذْهَبَا بِطَرِیقَتِکُمُ الْمُثْلَى) وإلاّ لم یکن نفس العمل ممّا فیه الضرر.

ومن هنا یظهر الفرق بین السحر والمعجزات، فإنّ السحر فیه الخدعة، والمعجزة عین الحقیقة، ویعرفان من آثارهما.

والفرق بینهما یظهر من اُمور:

1 ـ الساحر رجل خداع یعرف من سائر أعماله، وصاحب المعجزة لا ینفکّ عن الحقیقة، یعرف ذلک من حسن أعماله.

2 ـ السحر یکون من ناحیة القوّة البشریة المحدودة، ولذا یکون سحر الساحر دائماً محدوداً من حیث النوع والکیفیة والکمیة فی سحره، ولکن المعجزات لا حدّ لها، بل النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) قادر على أی شیء بقدرة الله تعالى وبإذنه.

3 ـ المعجزات مقرونة بالتحدّی ودعوى النبوّة أو الإمامة، وسائر الخوارق للعادات لیست کذلک، فإنّها لو ظهرت فی صورة الحقّ وادّعى صاحبها ذلک وتقوّل على الله بعض الأقاویل أخذ الله منه بالیمین وقطع منه الوتین کما یدلّ علیه حکم العقل.

إذا عرفت ذلک، وعرفت الاُصول المعتبرة فی معنى السحر، والفرق بینه وبین المعجزات، فلنعد إلى أقسام السحر:

1. وسائل الشیعه، ج 12، الباب 3، ص 577، من أبواب بقیّة الحدود، ح 2.
2. مصباح الفقاهة، ج 1، ص 285.
3. سورة النمل، الآیة 13.
4. سورة القمر، الآیة 2.