إن تتولّوا سیمنح الله الرسالة قوماً آخرین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة محمّد / الآیة 36 ـ 38

قلنا: إنّ سورة محمّد هی سورة الجهاد، فبأمر الجهاد بدأت، وبه تنتهی، والآیات مورد البحث ـ وهی آخر آیات هذه السورة ـ تتناول مسألة اُخرى من مسائل حیاة البشر فی هذا المیدان، فتطرح کون الحیاة الدنیا لا قیمة لها لزیادة ترغیب المسلمین ودعوتهم إلى طاعة الله سبحانه عموماً، والى أمر الجهاد بالخصوص، لأنّ حبّ الدنیا والإنشداد إلیها أحد العوامل المهمّة التی تعیق المسلمین عن الجهاد، فتقول: (إنّما الحیاة الدنیا لعب ولهو).

«اللعب» یقال للأعمال التی تتصف بنوع من الخیال للوصول إلى هدف خیالی، و«اللهو» یقال لکلّ عمل یشتغل الإنسان به فیصرفه عن المسائل الأساسیة.

والحق أنّ الدنیا لعب ولهو لیس إلاّ، فلا یحصل منها أنس وارتیاح، ولیس لها دوام وبقاء، وإنّ ما هی لحظات کلمح البصر، ولذّات زائلة تحفّها الآلام والمتاعب.

ثمّ تضیف الآیة: (وإن تؤمنوا وتتقوا یؤتکم أجورکم ولا یسألکم أموالکم)(1) فلا الله یسألکم أجراً مقابل الهدایة والرشاد وکلّ تلک الهبات العظیمة فی الدنیا والآخرة، ولا رسوله، فإنّ الله تعالى غنی عن العالمین، ولا یحتاج رسوله إلى غیر الله.

وإذا کان الشیء الزهید من أموالکم یؤخذ کزکاة وخمس وحقوق شرعیة أخرى، فإنّه یعود علیکم ویصرف فیکم، لحمایة یتاماکم ومساکینکم وضعفائکم وأبناء السبیل منکم، وللدفاع عن أمن بلادکم واستقلالها، ولاستقرار النظام والأمن، ولتأمین احتیاجاتکم، وعمران دیارکم.

بناءً على هذا، فحتى هذا المقدار الیسیر هو من أجلکم ومنفعتکم، فإنّ الله ورسوله فی غنى عنکم، وبذلک فلا منافاة بین مفهوم هذه الآیة وآیات الزکاة والإنفاق وأمثالها.

ثمّة احتمالات اُخرى عدیدة فی تفسیر جملة: (ولا یسألکم أموالکم) ولرفع ما یبدو فی الظاهر تناقضاً:

فقال البعض: إنّه تعالى لا یسألکم شیئاً من أموالکم مقابل الهدایة والثواب.

وقال آخرون: إنّه تعالى لا یسألکم کلّ أموالکم، بل یرید قسماً منها فقط.

وقال جماعة: إنّ هذه الجملة إشارة إلى أنّ أموال الجمیع من الله سبحانه، وإن کانت ودائع بأیدینا أیّاماً قلیلة.

لکن أفضلها جمیعاً هو التّفسیر الأول.

وعلى أیة حال، فلا ینبغی نسیان أنّ جانباً من الجهاد هو الجهاد بالأموال، ومن الطبیعی أنّ کلّ جهاد للعدو وقتال ضده یحتاج إلى أموال ومیزانیات یجب أن تجمع وتهیّأ من قبل المسلمین الزاهدین فی الدنیا وغیر المتعلّقین بها، والآیات مورد البحث تهییء ـ فی الحقیقة ـ الأرضیة الفکریة والثقافیة لهذه المسألة.

ولتبیان تعلّق أغلب الناس بأموالهم وثرواتهم الشخصیة تضیف الآیة التالیة: (إن یسألکموها فیحفکم تبخلوا ویخرج أضغانکم).

«یحفکم» من مادة «إحفاء»، أی: الإصرار والإلحاح فی المطالبة والسؤال، وهی فی الأصل من حفأ، وهو المشی حافیاً، وهذا التعبیر کنایة عن الأعمال التی یتابعها الإنسان إلى أبعد الحدود، ومن هنا کان إحفاء الشارب یعنی تقصیره ما أمکن.

و«الأضغان» جمع «ضغن»، وهو بمعنى الحقد الشدید، وقد أشرنا إلیه سابقاً.

وخلاصة القول: فإنّ الآیة تبیّن التعلّق الشدید لکثیر من الناس بالاُمور المالیة، وهی فی

الحقیقة نوع من اللوم ولتوبیخ لهؤلاء، وفی نفس الوقت ترغیب فی ترک هذا الإرتباط، وتشویق إلى هذا المعنى، فإنّ تعلّقهم بلغ حدّاً أنّ الله سبحانه إذا سألهم شیئاً من أموالهم فإنّهم یغضبون ویحقدون علیه!

وبذلک فإنّ الآیة ترید أن توقظ أرواح البشر الغاطّة فی نومها العمیق بسوط التقریع والملامة والعتاب، لیرفعوا عن أعناقهم قیود الذل والعبودیة للأموال، ویصبحوا فی حال یضحّون عندها بکلّ ما لدیهم فی سبیل الله، ویقدّمون ما عندهم بین یدیه، ولا یرجون فی مقابل ما یعطون إلاّ الإیمان به وتقواه ورضاه عنهم.

والآیة الأخیرة ـ من الآیات مورد البحث، وهی آخر آیة من سورة محمّد ـ تأکید آخر على ما مرّ فی الآیات السابقة حول المسائل المادیة وتعلّق الناس بها، ومسألة الإنفاق فی سبیل الله، فتقول: (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فی سبیل الله فمنکم من یبخل).

وهنا یأتی سؤال، وهو: إنّ الآیات السابقة قد ذکرت أنّ الله لا یسألکم أموالکم، فکیف أمرت هذه الآیة بالإنفاق فی سبیل الله؟

غیر أنّ تتمة الآیة تجیب عن هذا السؤال عن طریقین، فتقول أولاً: (ومن یبخل فإنّما یبخل عن نفسه)(2) لأنّ ثمرة الإنفاق تعود علیکم أنفسکم فی الدنیا والآخرة، حیث یقلّ التفاوت الطبقی، وعندها سیعم الأمن والهدوء فی المجتمع، وتحل المحبّة والصفاء محل العداوة والحقد، هذا ثوابکم الدنیوی.

وأمّا فی الآخرة، فستمنحون مقابل کلّ درهم أو دینار تنفقونه الهبات والنعم العظیمة التی لم تخطر على قلب بشر، وعلى هذا فإنّ من یبخل یبخل عن نفسه!

وبتعبیر آخر: فإنّ الإنفاق هنا یعنی أکثر ما یعنی الإنفاق فی أمر الجهاد، والتعبیر ب(فی سبیل الله) یلائم هذا المعنى أیضاً، ومن الواضح أنّ أی نوع من المساهمة فی تقدّم أمر الجهاد سیضمن وجود المجتمع واستقلاله وشرفه.

والجواب الآخر هو: (والله الغنی وأنتم الفقراء) فهو غنی عن إنفاقکم فی سبیله، وغنی عن طاعتکم، وإنّما أنتم الفقراء إلى لطفه ورحمته وثوابه وکرمه فی الدنیا والآخرة.

إنّ الموجودات الممکنة ـ وما سوى الله سبحانه ـ متسربلة فی الفقر جمیعاً، والغنی بذاته هو الله سبحانه لا غیر، فإنّها فقیرة إلیه دائماً، حتى فی أصل وجودها، وتستمد العون من منبع الفیض الأزلی کلّ لحظة، فإذا انقطعت عنها رعایته ولطفه لحظة، فسینتهی وجودها، وتخرّ أبدانها جثثاً هامدة!

وتحذر الجملة الأخیر جمیع المسلمین أن اعرفوا قدر هذه النعمة الجلیلة، والموهبة العظیمة، حیث جعلکم سبحانه حماة دینه القویم وأنصار دینه وأتباع رسوله وأصحابه، فحذار أن تقصّروا فی تعظیم هذه النعمة وإکبارها، إذ: (وإن تتولّوا یستبدل قوماً غیرکم ثمّ لا یکونوا أمثالکم).

أجل، إنّ هذا الحمل لن یسقط على الأرض أبداً، وهذه الرسالة العظیمة لا یمکن أن یتوقّف مسیرها، فإن أنتم لم تستمروا فی موقفکم فی الذب عن دین الله، واستصغرتم شأن هذه الرسالة العظیمة، فإنّ الله سبحانه سوف یأتی بقوم یتحمّلون أعباء هذه الرسالة.. اُولئک قوم یفوقونکم مرّات فی الإیثار والتضحیة وبذل الأنفس والأموال والإنفاق فی سبیل الله!

وقد جاء نظیر هذا التهدید فی الآیة 54 من سورة المائدة، حیث تقول: (یا أیّها الذین آمنوا من یرتدّ منکم عن دینه فسوف یأتی الله بقوم یحبّهم ویحبّونه أذلّة على المؤمنین أعزّة على الکافرین یجاهدون فی سبیل الله ولا یخافون لومة لائم).

والطریف أنّ أکثر المفسّرین قد نقلوا فی ذیل الآیة ـ مورد البحث ـ أنّ جماعة من أصحاب رسول الله(صلى الله علیه وآله) سألوه بعد نزول هذه الآیة: من هؤلاء الذین ذکرهم الله فی کتابه؟ وکان «سلمان» جالساً قریباً من النّبی(صلى الله علیه وآله)، فضرب النّبی(صلى الله علیه وآله) بیده على فخذ سلمان ـ وفی روایة على کتفه ـ وقال: «هذا وقومه، والذی نفسی بیده لو کان الإیمان منوطاً بالثریا لتناوله رجال من فارس».

لقد أورد هذا الحدیث وأمثاله محدّثو السنّة المعروفون فی کتبهم المعروفة، کالبیهقی والترمذی، وعلیه اتفاق مفسّری الشیعة والسنّة المشهورین، کصاحب تفسیر القرطبی، وروح البیان، ومجمع البیان، والفخر الرازی، والمراغی، وأبی الفتوح الرازی وأمثالهم.

وورد فی تفسیر الدر المنثور عدة أحادیث فی هذا الباب فی ذیل الآیة مورد البحث(3).

وروی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام)، یکمل الحدیث السابق، إذ یقول: «والله أبدل بهم خیراً منهم الموالی»(4).

إذا نظرنا إلى تاریخ الإسلام والعلوم الإسلامیة بدقّة، وبنظرة بعیدة عن التعصّب، ولاحظنا سهم المسلمین غیر العرب والإیرانیین خاصة ـ فی میادین الجهاد ومحاربة العدو من جهة، وتنقیح العلوم الإسلامیة وتدوینها من جهة أخرى، فسنطلع على حقیقة هذا الحدیث، وتفصیل هذا الکلام طویل.

اللّهمَّ! ثبّت أقدامنا فی طریق الجهاد والإیثار والتضحیة فی سبیل دینک القویم.

اللّهمَّ! لا تسلبنا ما منحتنا من الفخر العظیم إذ جعلتنا دعاةً لدینک الحنیف.

إلهنا! زد فی قوّتنا وإیماننا، وتضحیاتنا وإخلاصنا فی هذا الوقت الذی هبّت فیه عواصف الشرق والغرب الهوجاء لمحو آثار دینک.

آمین یا رب العالمین.

نهایة سورة محمّد


1. جملة (لا یسألکم) مجزومة، ومعطوفة على جزاء الجملة الشرطیة، أی: یؤتکم.
2. «البخل» یتعدّى مرة بعن، وأخر بعلى، وعلى الأوّل یعنی المنع، وعلى الثّانی یعنی الإضرار.
3. تفسیر الدرّالمنثور، ج 6، ص 67.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 108.

 

سورة محمّد / الآیة 36 ـ 38
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma