إنّ القتال لا یعتبر فی الإسلام قیمة من القیم، بل یعتبر ضد القیم من جهة کونه باعثاً على الخراب والتدمیر، وإزهاق الأنفس، وإهدار القوى والإمکانیات التی یمکن أن تسخّر لخدمة الإنسان وسعادته ورفاهه، ولذلک جُعل فی بعض الآیات القرآنیة فی مصاف العقوبات الإلهیة، فنرى الآیة 65 من سورة الأنعام تقول: (قل هو القادر على أن یبعث علیکم عذاباً من فوقکم أو من تحت أرجلکم أو یلبسکم شیعاً ویذیق بعضکم بأس بعض).
فقد اعتبر القتال هنا بمثابة الصاعقة والزلزلة والإبتلاءات الأرضیة والسماویة، ولذلک فإنّ الإسلام یمتنع عن القتال والحرب ما استطاع إلى ذلک سبیلاً.
أمّا إذا تعرّض وجود الأمّة للخطر، أو أنّ أهدافه المقدّسة السامیة أصبحت مهددة بالسقوط، فإنّ القتال هنا یعتبر قیمة سامیة، ویکتسب عنوان الجهاد فی سبیل الله، ولذلک توجد فی الإسلام أنواع من الجهاد: الجهاد الابتدائی، المحرر للاُمم، والجهاد الدفاعی، والجهاد من أجل إخماد نار الفتنة والشرک والوثنیة، وقد أوردنا تفصیلها فی موضع آخر(1).
بناءً على هذا فإنّ الجهاد الإسلامی على خلاف ما یدّعیه أعداء الإسلام من أنّه یعنی فرض العقیدة على الآخرین، بل إنّ العقیدة المفروضة لا قیمة لها فی الإسلام، لکن الجهاد یتعلق بالموارد التی یشن فیها العدو الحرب ضد الأمّة الإسلامیة، أو عندما یسلبها الحریات التی منحها الله إیّاها، أو أنّه یرید أن یهدر حقوقها ویصادرها، أو أنّ ظالماً قد أخذ بأنفاس مظلوم فیجب على المسلمین حینئذ أن یهبوا لنصرة المظلوم، حتى وإن أدّى الأمر إلى قتال القوم الظالمین.
وقد عکست الآیات السابقة هذا المعنى فی عبارة لطیفة وجیزة، حینما تقول: (ذلک بأنّ الّذین کفروا اتّبعوا الباطل وأنّ الّذین آ منوا اتّبعوا الحقّ من ربّهم) وعلى هذا فإنّ الحرب هی حرب بین الحق والباطل، لا أنّها وسیلة لتکوین الدولة، ومحاولة توسیع رقعتها، والإغارة على أموال الآخرین، والتسلّط وإعمال القوة والإرهاب.
ولهذا السبب ـ أیضاً ـ قرأنا فی الروایة التی أوردناها فی تفسیر هذه الآیات أنّ نار الحرب لن تخمد فی المجتمع الإنسانی إلاّ بعد القضاء على الدجّالین، وتطهیر الأرض من دنسهم.
وهنا نکتة تستحق الإنتباه، وهی أنّ الإسلام قد أکّد على مسألة التعایش السلمی مع أتباع الأدیان السماویة الاُخرى، وقد وردت فی الآیات والرّوایات والفقه الإسلامی بحوث مفصلة فی هذا الباب تحت عنوان (أحکام أهل الذمّة) فإذا کان الإسلام یؤیّد فرض العقیدة والإکراه علیها، ویتوسّل بالقوة والسیف من أجل تحقیق أهدافه، فأی معنى إذن لقانون أهل الذمّة والتعایش السلمی؟
1. التّفسیر الأمثل، ذیل الآیة 193 من سورة البقرة.
