لستم بأقوى من قوم عاد أبداً

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الأحقاف / الآیة 26 ـ 28 سورة الأحقاف / الآیة 29 ـ 32

إنّ هذه الآیات بمثابة استنتاج للآیات السابقة التی کانت تتحدث عن عقاب قوم عاد الألیم، فتخاطب مشرکی مکّة وتقول: (ولقد مکّناهم فیما إن مکّناکم فیه)(1) فقد کانوا أقوى منکم من الناحیة الجسمیة، وأقدر منکم من ناحیة المال والثروة والإمکانات المادیة، فإذا کان بإمکان القوّة الجسمیة والمال والثروة والتطور المادی أن تنقذ أحداً من قبضة الجزاء الإلهی، فکان ینبغی على قوم عاد أن یصمدوا أمام العاصفة ولا یکونوا کالقشة فی مهب الریاح، تتقاذفهم کیف شاءت ولا یبقى من آثارهم إلاّ أطلال مساکنهم!

إنّ هذه الآیة شبیهة بما ورد فی سورة الفجر فی شأن قوم عاد: (ألم تر کیف فعل ربّک بعاد * إرم ذات العماد * التی لم یخلق مثلها فی البلاد)(2).

أو هی نظیر ما جاء فی الآیة 36 من سورة ق: (وکم أهلکنا قبلهم من قرن هم أشدّ منهم بطش).

وخلاصة القول: إنّ الذین کانوا أشدّ منکم وأقوى، عجزوا عن الوقوف أمام عاصفة العذاب الإلهی، فکیف بکم إذن؟

ثمّ تضیف الآیة: (وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة)(3) فقد کانوا أقویاء فی مجال إدراک الحقائق وتشخیصها أیضاً، وکانوا یدرکون الاُمور جیداً، وکانوا یستغلون هذه المواهب الإلهیّة من أجل تأمین حاجاتهم ومآربهم المادیة على أحسن وجه، لکن: (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شیء إذ کانوا یجحدون بآیات الله)(4) وأخیراً: (وحاق بهم ما کانوا به یستهزئون).

نعم، لقد کان أولئک مجهزین بالوسائل المادیة، وبوسائل إدراک الحقیقة، إلاّ أنّهم لما کانوا یتعاملون مع آیات الله بمنطق الإستکبار والعناد، وکانوا یتلقون کلام الأنبیاء بالسخریة والاستهزاء، لم ینفذ نور الحق إلى قلوبهم، وهذا الکبر والغرور والعداء للحق هو الذی أدى إلى أن لا یستفیدوا ولا یستخدموا وسائل الهدایة والمعرفة کالعین والأذن والعقل، لیجدوا طریق النجاة ویسلکوه، فکانت عاقبتهم أن ابتلوا بذلک المصیر المشؤوم الذی أشارت إلیه الآیات السابقة.

فإذا کان اُولئک القوم قد عجزوا عن القیام بأی عمل مع کلّ تلک القدرات والإمکانیات التی کانوا یمتلکونها، وأصبحت جثثهم الهامدة کالریشة فی مهب الریاح تتقاذفهم من کلّ جانب بکلّ مذلة واحتقار، فأولى لکم أن تعتبروا إذ أنتم أضعف منهم وأعجز.

ولیس عسیراً على الله تعالى أن یأخذکم بأشد العذاب نتیجة أعمالکم وجرائمکم، وأن یجعل عوامل حیاتکم أسباب فنائکم، وهذا خطاب لمشرکی مکّة، ولکلّ البشر المغرورین الظالمین العتاة على مر التاریخ، وفی کلّ الأعصار والأمصار.

وحقاً فإنّ الأمر کما یقول القرآن الکریم، فلسنا أوّل من وطأ الأرض، فقد کان قبلنا أقوام کثیرون یعیشون فیها، ولدیهم الکثیر من الإمکانیات والقدرات، فکم هو جمیل أن نجعل تأریخ اُولئک مرآة لأنفسنا لنعتبر به، ولنرى من خلاله مستقبلنا ومصیرنا.

ثمّ تخاطب الآیة مشرکی مکّة من أجل التأکید على هذا المعنى، ولزیادة الموعظة والنصیحة، فتقول: (ولقد أهلکنا ما حولکم من القرى).

اُولئک الأقوام الذین لا تبعد أوطانهم کثیراً عنکم، وکان مستقرهم فی أطراف جزیرة العرب، فقوم عاد کانوا یعیشون فی أرض الأحقاف فی جنوب الجزیرة، وقوم ثمود فی أرض یقال لها «حجر» فی شمالها، وقوم سبأ الذین لاقوا ذلک المصیر المؤلم فی أرض الیمن، وقوم شعیب فی أرض مدین فی طریقکم الشام، وکان قوم لوط یعیشون فی هذه المنطقة، وابتلوا بأنواع العذاب لکثرة معاصیهم وکفرهم.

لقد کان کلّ قوم من اُولئک عبرة، وکان کلّ منهم شاهداً ناطقاً معبراً، یسأل: کیف لا یستیقظ هؤلاء ولا یعون مع کلّ وسائل التوعیة هذه؟!

ثمّ تضیف الآیة بعد ذلک: (وصرفنا الآیات لعلهم یرجعون) فتارة أریناهم المعجزات وخوارق العادات، واُخرى أنعمنا علیهم، وثالثة بلوناهم بالبلاء والمصائب، ورابعة عن طریق وصف الصالحین المحسنین، وأخرى بوصف المجرمین، وأخرى وعظناهم بعذاب الإستئصال الذی أهلکنا به الآخرین، إلاّ أنّ الکبر والغرور والعجب لم یدع لهؤلاء سبیلاً إلى الهدایة.

وتوبخ الآیة الأخیرة من هذه الآیات هؤلاء العصاة، وتذمهم بهذا البیان: (فلولا نصرهم الذین اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة)(5).

حقّاً، إذا کانت هذه الآلة على حق، فلماذا لا تعین أتباعها وعبادها وتنصرهم فی تلک الظروف الحساسة، ولا تنقذهم من قبضة العذاب المهول المرعب؟ إنّ هذا بنفسه دلیل محکم على بطلان عقیدتهم حیث کانوا یظنّون أنّ هذه الآلهة المخترعة هی ملجأهم وحماهم فی یوم تعاستهم وشقائهم.

ثمّ تضیف: (بل ضلوا عنهم) فإنّ هذه الموجودات التی لا قیمة لها ولا أهمیّة، والتی لیست مبدأ لأی أثر، ولا تأتی بأی فائدة، وهی عند العسر صماء عمیاء، فکیف تستحق الألوهیة وتکون أهلاً لها؟

وأخیراً تقول الآیة: (وذلک إفکهم وما کانوا یفترون) فإنّ هذا الهلاک والشقاء، وهذا العذاب الألیم، واختفاء الآلهة وقت الشدّة والعسر، کان نتیجةً لأکاذیب اُولئک وأوهامهم وافتراءاتهم(6).


1. «إن» فی جملة (إن مکّناکم فیه) نافیة ولدینا شواهد متعددة من آیات القرآن الکریم وردت فی المتن. إلاّ أنّ البعض اعتبرها شرطیة، أو زائدة ولا نرى ذلک صواباً.
2. الفجر، 6 ـ 8 .
3. یجدر الإنتباه إلى أنّ (الأبصار والأفئدة) وردت بصیغة الجمع، فی حین أنّ السمع قد ورد بصیغة المفرد، ویمکن أن یکون هذا الاختلاف بسبب أنّ للسمع معنى المصدر، والمصدر یستعمل دائماً بصیغة المفرد، أو لوحدة المسموعات أمام تفاوت المرئیات والمدرکات.
4. من فی (من شیء) زائدة وللتأکید، أی لم ینفعهم أی شیء.
5. المفعول الأوّل لـ (اتخذو) محذوف، و(آلهة) مفعولها الثانی، و(قربان) حال، والتقدیر: اتخذوهم آلهة من دون الله حال کونهم متقرباً بهم، ویحتمل أیضاً أن تکون (قرباناً) مفعولاً لأجله. وقد احتملت احتمالات اُخرى فی ترکیب الآیة، لکنّها لا تستحق الإهتمام.
6. بناءً على هذا فإنّ للآیة محذوفاً، والتقدیر: وذلک نتیجة إفکهم. ویحتمل أیضاً أن لا تحتاج الآیة إلى محذوف، وفی هذه الحالة یصبح المعنى: کان هذا کذبهم وافتراءهم، غیر أنّ المعنى الأوّل یبدو هو الأنسب.
سورة الأحقاف / الآیة 26 ـ 28 سورة الأحقاف / الآیة 29 ـ 32
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma