فیها ما تشتهیه الأنفس وتلذ الأعین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الزّخرف / الآیة 70 ـ 73 سورة الزّخرف / الآیة 74 ـ 80

تبیّن هذه الآیات جزاء عباد الله المخلصین، والمؤمنین الصالحین الذین مرّ وصفهم فی الآیات السابقة، وتبشرهم بالجنّة الخالدة مع ذکر سبع نعم من نعمها النفیسة الغالیة.

تقول أوّلاً: (ادخلوا الجنّة) وبذلک فإنّ مضیفهم الحقیقی هو الله تعالى الذی یدعو ضیوفه ویقول لهم: أدخلوا الجنّة.

ثمّ أشارت إلى أول نعمة من تلک النعم، فقالت: (أنتم وأزواجکم) ومن الواضح أنّ کون المؤمنین الرحماء إلى جانب زوجاتهم المؤمنات یمنحهما معاً اللذة والسرور، فإذا کانا شریکین فی همّ الدنیا، فإنّهما سیکونان شریکین فی سرور الآخرة ونشوتها.

وقد فسّر بعضهم «الأزواج» هنا بالمتساوین فی الدرجة والأصدقاء والأقارب، فلو صحَّ فوجودهم نعمة عظیمة، إلاّ أنّ ظاهر الآیة هو المعنى الأوّل.

ثمّ تضیف: (تحبرون).

«تحبرون» من مادة حِبْر ـ وزن فکر ـ أی الأثر المطلوب، وتطلق أحیاناً على الزینة وآثار الفرح التی تظهر على الوجه، وإذا قیل للعلماء أحبار، فلآثارهم التی تبقى بین المجتمعات

البشریة، کما یقول أمیر المؤمنین علی(علیه السلام): «العلماء باقون ما بقی الدهر، أعیانهم مفقودة، وأمثالهم فی القلوب موجودة»(1).

وتقول فی بیان النعمة الثالثة: (یطاف علیهم بصحاف من ذهب وأکواب) فهم یُضافون ویُخدمون بأفضل الأوانی، وألذّ الأطعمة، فی منتهى الهدوء والإطمئنان والصفاء.

«الصحاف» جمع صحفة، وهی فی الأصل من مادة صحف، أی التوسع، وتعنی هنا الأوانی الکبیرة الواسعة والأکواب جمع کوب، وهی أقداح الماء التی لا عروة لها.

ومع أنّ الکلام فی الآیة عن الصحاف الذهبیة، دون طعامهم وشرابهم، إلاّ أنّ من البدیهی أنّ الذین یخدمونهم لا یطوفون علیهم بصحاف خالیة مطلقاً.

وتشیر فی الرابعة والخامسة إلى نعمتین اُخریین جمعت فیهما کلّ نعم العالم المادیة والمعنویة، فتقول: (وفیها ما تشتهیه الأنفس وتلذّ الأعین)، وعلى قول المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان: لو أنّ جمیع الخلائق قد اجتمعت لوصف أنواع نعم الجنّة، فسوف لا یقدرون أن یضیفوا شیئاً على ما جاء فی هذه الجملة أبداً.

وأی تعبیر أجمل من هذا التعبیر وأجمع منه؟ فهو تعبیر بسعة عالم الوجود، وبسعة ما یخطر فی أذهاننا الیوم وما لا یخطر، تعبیر لیس فوقه تعبیر.

والطریف أن مسألة شهیة النفس قد بیّنت منفصلة عن لذة العین، وهذا الفصل عمیق المعنى: فهل هو من قبیل ذکر الخاص بعد العام، من جهة أن للذّة النظر أهمیة خاصّة تفوق اللذات الاُخرى؟ أم هو من جهة أن جملة: (ما تشتهیه الأنفس) تبیّن لذات الذوق والشم والسمع واللمس، أمّا جملة: (تلذّ الأعین) فهی تبیان للذة العین والنظر؟

ویعتقد البعض أنّ جملة: (ما تشتهیه الأنفس) إشارة إلى کلّ اللذات الجسمیة، فی حین أنّ جملة: (تلذّ الأعین) مبینة للذات الروحیة، وأی لذة فی الجنّة أسمى من أن ینظر الإنسان بعین القلب إلى جمال الله الذی لا یشبهه جمال، فإنّ لحظة من تلک اللحظات تفوق کل نعم الجنّة المادیة.

ومن البدیهی أنّ شوق الحبیب کلما زاد، کانت لذة الالقاء أعظم.

سؤال: وهنا یطرح سؤال، وهو: هل أنّ سعة عمومیة مفهوم هذه الآیة، دلیل على أنّهم یطلبون من الله هناک أن یمنحهم اُموراً کانت حراماً فی الدنیا؟

والجواب: إنّ طرح هذا السؤال ناتج عن عدم الإلتفات إلى نکتة، وهی أنّ المحرمات والقبائح کالغذاء المضر لروح الإنسان، ومن المسلّم أنّ الروح السالمة الصحیحة لا تشتهی مثل هذا الغذاء، وتلک التی تمیل أحیاناً إلى السموم والأغذیة المضرة هی الأرواح المریضة.

إنّنا نرى بعض المرضى یمیلون حتى فی حالة المرض إلى تناول التراب أو أشیاء اُخرى من هذا القبیل، إلاّ أنّهم بمجرّد أن یزول عنهم المرض تزول عنهم هذه الشهیة الکاذبة.

نعم، إنّ أصحاب الجنّة سوف لا یمیلون أبداً إلى مثل هذه الأعمال، لأن میل الروح وانجذابها إلیها من خصائص أرواح أصحاب الجحیم المریضة.

إنّ هذا السؤال یشبه ما ورد فی الحدیث من أنّ أعرابیاً أتى النّبی(صلى الله علیه وآله)وقال: هل فی الجنّة إبل؟ فإنّی أحبّها حبّاً جمّاً، فالتفت إلیه النّبی(صلى الله علیه وآله) الذی کان یعلم أن فی الجنّة نعماً سینسى معها الأعرابی الابل، وأجابه بعبارة قصیرة فقال: «یا أعرابی، إن أدخلک الله الجنّة أصبت فیها ما اشتهت نفسک ولذت عینک»(2).

وبتعبیر آخر: فهناک العالم الذی ینسجم فیه الإنسان مع الحقائق تماماً.

وعلى کل حال، لما کانت قیمة النعمة فی کونها خالدة، فقد طمأنت الآیة أصحاب النعیم من هذه الجهة عندما ذکرت الصفة السادسة فقالت: (وأنتم فیها خالدون) لئلاّیکدر التفکیر فی زوال هذه النعمة صفو عیشهم ولذّتهم، فیقلقوا من المستقبل وما یخبئه.

وهنا، من أجل أن یتّضح أن کل نعم الجنّة هذه تعطى جزاءً لا اعتباطاً وعبثاً، تضیف الآیة: (وتلک الجنّة الّتی أورثتموها بما کنتم تعملون).

والطریف فی الأمر أنّ الآیة تطرح مجازاة الأعمال وکون الجنّة فی مقابلها من جهة، ومن جهة اُخرى تجعلها إرثاً، وهو یستعمل عادة فی الموارد التی تصل فیها النعمة إلى الإنسان من دون أن یبذل جهداً أو سعیاً فی تحصیلها، وهذه إشارة إلى أنّ أعمالکم هی أساس خلاصکم ونجاتکم، إلاّ أن ما تحصلون علیه إذا ما قورن بأعمالکم فهو کالشیء المجانی المعطى من قبل الله تعالى، وکالهبة حصلتم علیها بفضله.

ویعتبر البعض هذا التعبیر إشارة إلى ما قلناه سابقاً من أنّ لکل إنسان منزلاً فی الجنّة ومحلاً فی الجحیم، فیرث أصحاب الجنّة منازل أصحاب النّار، ویرث أصحاب النّار أمکنة أصحاب الجنّة!

إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل یبدو هو الأنسب.

والکلام فی النعمة السابعة والأخیرة فی ثمار الجنّة التی هی من أفضل نعم الله، فتقول الآیة: (لکم فیها فاکهة کثیرة منها تأکلون).

لقد کانت الصحاف والأکواب بیاناً لأنواع الأطعمة والأشربة فی الواقع، أمّا الفواکه فلها حسابها الخاص، وقد اُشیر إلیه فی آخر آیة من هذه الآیات.

والجمیل أنّها تبیّن بتعبیر (منها) حقیقة أنّ فاکهة الجنّة کثیرة جدّاً بحیث لا تتناولون إلاّ جزءاً منها، وعلى هذا فإنّها لا تفنى، وأشجارها مثمرة دائماً.

وجاء فی الحدیث: «لا ینزع رجل فی الجنّة ثمرة من ثمرها إلاّ نبت مثلها مکانها»(3).

کانت هذه بعض نعم الجنّة التی تبعث الحیاة فی النفوس، وهی بانتظار ذوی الإیمان القوی البیّن، والأعمال الصالحة النبیلة.


1. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 147.
2. تفسیر روح البیان، ج 8، ص 391.
3. تفسیر روح البیان، ج 8، ص 392.
سورة الزّخرف / الآیة 70 ـ 73 سورة الزّخرف / الآیة 74 ـ 80
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma