ادع الله وحده رغماً على الکافرین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 13 ـ 15  سورة غافر (المؤمن) / الآیة 16 ـ 17

هذه الآیات المتضمّنة للنصیحة والتهدید والإنذار، استدلال على المسائل المطروحة فی الآیات السابقة، فهی استدلال على التوحید والرّبوبیة ونفی الشرک وعبادة الأصنام.

تقول الآیة أوّلا: (هو الّذی یریکم آیاته).

فهی نفس الآیات والعلائم الآفاقیة والأنفسیة التی تملأ عالم الوجود، وتستوعب بإشراقتها أرکانه، وتضع بصماتها وآثارها العجیبة على جدران الوجود وجمیع أرجاءه.

ثم توضّح واحدة من هذه الآیات: (وینزّل لکم من السّماء رزق).

قطرات المطر تهب الحیاة، ونور الشمس یحیی الکائنات، والهواء سرّ الوجود والحیاة ; حیاة جمیع الکائنات، حیوانات، نباتات، اُناس... کلّها تنزل من السماء، وتشکّل هذه الأثافی الثلاث فیما بینها قوام الحیاة، حیث تتفرع الأشیاء الاُخرى من أصولها.

بعض المفسّرین أطلق على السماء اسم «عالم الغیب» وعلى الأرض اسم «عالم الشهود» ونزول الرزق من السماء إلى الأرض هو بمعنى الظهور من عالم الغیب إلى عالم الشهود.

ولکن هذا التّفسیر فضلا عن منافاته لظاهر الآیة، لم نعثر له على دلیل وشاهد، صحیح أنّ الوحی والآیات، وهما غذاء الروح، ینزلان من سماء الغیب، وأنّ المطر والشمس والنور التی تعتبر غذاء الجسد تنزل من السماء الظاهریة، وهما متناسقان مع بعضهما، ولکن ینبغی

أن لا نتصوّر أنّ عبارة (آیاته) التی نحن بصددهاتشیر إلى مفهوم أوسع، أو تشیر بالخصوص إلى الآیات التشریعیة، لأنّ عبارة (یریکم آیاته) وردت مراراً فی القرآن الکریم، وهی عادةً ما تطلق على الآیات الدالة على التوحید فی عالم الوجود.

مثلا، فی أواخر هذه السورة (المؤمن) وبعد ذکر النعم الإلهیّة، من قبیل الزواحف والفلک تقول: (ویریکم آیاته فأىّ آیات الله تنکرون)(1).

إنّ تعبیر «یریکم» ینسجم فی العادة مع الآیات التکوینیة، بینما جرت العادة فی الآیات التشریعیة على استخدام تعابیر مثل (أوحى) و(یأتیکم).

من هنا یتبیّن أنّ اعتبار هذه الآیات بمعنى الآیات التشریعیة، أو أنّها أعم من التشریعیة والتکوینیة، کما یذهب بعض کبار المفسّرین القدماء والمحدثین إلى ذلک، لا یستند إلى دلیل، ولا تقوم علیه حجّة.

ولکن من الضروری أن نلتفت إلى أنّ القرآن یختار الإشارة إلى آیة الرزق من بین آیات الله المبثوثة فی السماء والأرض وفی وجود الإنسان، ذلک لأنّ الرزق هو أکثر ما یشغل البال والفکر، واحیاناً نرى الإنسان یستنجد بالأصنام من أجل زیادة الرزق، وإنقاذه من وضعه المتردّی، لذا یأتی القرآن لیؤکّد أنّ جمیع الأرزاق هی بید الله ولا تستطیع الأصنام أو غیرها أن تفعل أىّ شیء.

وأخیراً تضیف الآیة الکریمة: برغم جمیع هذه الآیات البینات التی تسود هذا العالم الواسع، وتغمر الوجود بضیائها، إلاّ أنّ العیون العمیاء والقلوب المحجوبة لا تکاد ترى شیئاً، وإنّما یتذکّر ـ فقط ـ من ینیب إلى خالقه ویغسل قلبه وروحه من الذنوب: (وما یتذکّر إلاّ من ینیب).

الآیة التی بعدها ترتب نتیجة على ما سبق فتقول: (فادعوا الله مخلصین له الدّین)إنهضوا واضربوا الأصنام وحطموها بفؤوس الإیمان، وامحوا آثارها من ذاکرة الفکر والثقافة والمجتمع.

ومن الطبیعی أنّ وقفتکم الرّبانیة هذه ستؤذی الکافرین والمعاندین، لکن علیکم أن لا تسمحوا للخوف أن یتسرّب إلى قلوبکم، وأخلصوا نیّاتکم: (ولو کره الکافرون).

ففی المجتمع الذی یشکّل فیه عبدة الأصنام الغالبیة، یکون طریق أهل التوحید موحشاً فی بادیء الأمر، مثل شروق الشمس فی لحظات الصباح الاُولى وسط عالم الظلام والخفافیش، لکن علیکم أن لا ترکنوا إلى ردود الأفعال غیر المدروسة، تقدّموا بحزم وإصرار، وارفعوا رایة التوحید والإخلاص، وانشروها فی کلّ مکان.

تصف الآیة التی تلیها خالق الکون ومالک الحیاة والموت، وبعض الصفات المهمّة، فتقول: (رفیع الدّرجات) فهو تعالى یرفع درجات العباد الصالحین کما فی قوله تعالى: (یرفع الله الّذین آمنوا منکم والّذین أوتوا العلم درجات)(2).

وحتى بین النّبیین فقد فضّل الله بعضهم على بعض بسبب اجتیازهم للإمتحان والاختبار أکثر من غیرهم، فأخلصوا لله تعالى بمراتب أعلى وأفضل: (تلک الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض)(3).

لقد استخلف الله الإنسان فی هذه الأرض، وجعل منه خلیفته، وفضّل البعض على البعض الآخر وفقاً لاختلاف الخصائص والقابلیات لدى الإنسان: (وهو الّذی جعلکم خلائف الأرض ورفع بعضکم فوق بعض درجات)(4).

فإذا کانت الآیة السابقة قد دعت إلى الإخلاص فی الدین، فإنّ الآیة التی بین أیدینا تقول: إنّ الله تبارک وتعالى سوف یرفع درجاتکم بمقدار إخلاصکم، فهو رفیع الدرجات.

إنّ صحة کلّ هذه المعانی منوطة بتفسیر (رفیع) بالرافع، إلاّ أنّ البعض ذهب إلى أنّ (رفیع) فی الآیة بمعنى (المرتفع) وبناء على هذا المعنى فإنّ (رفیع الدّرجات) تشیر إلى الصفات العالیة الرفیعة لله تعالى، فهو رفیع فی علمه، وفی قدرته، وفی جمیع أوصافه الکمالیة والجمالیة، هو تعالى رفیع فی أوصافه بحیث إنّ عقل الإنسان برغم قابلیته واستعداده لا یستطیع أن یدرکها.

وبحکم أنّ اللغة تعطی صلاحیة متساویة للمعنیین الآنفین لکلمة (رفیع) فإنّ التّفسیرین واردان، ولکن بما أنّ الآیة تتحدّث عن إعطاء الأجر لعباد الله الصالحین، والذی هو الدرجات الرفیعة، لذا فإنّ المعنى الأوّل أظهر.

لکن لا مانع من الجمع بین التّفسیرین، لأنّنا نعتقد جواز استخدام اللفظ لأکثر من معنى، خصوصاً فی إطار الآیات التی تشتمل ألفاظها على معانی کبیرة وواسعة.

تضیف الآیة بعد ذلک قوله تعالى: (ذو العرش).

فکل عالم الوجود تحت حکومته وفی قبضته، ولا منازع له فی حکومته، وهذا بحدّ ذاته دلیل على أنّ تحدید درجات العباد حسب أفضلیتهم إنّما یتمّ بقدرته تعالى.

وبما إنّنا تحدّثنا بالتفصیل عن «العرش» فلا حاجة هنا للتکرار.

وفی وصف ثالث تضیف الآیة أنّه هو تعالى الذی: (یلقی الرّوح من أمره على من یشاء من عباده) وهذه الروح هی نفس القرآن ومقام النبوّة والوحی، حیث تحیی هذه الاُمور القلوب، وتکون فی الانسان کالروح لجسد الإنسان.

إنّ قدرته من جانب، ودرجاته الرفیعة من جانب آخر، تقتضی أن یعلن عزّوجلّ عن برنامجه وتکالیفه عن طریق الوحی، وهل ثمّة تعبیر أجمل من الروح، هذه الروح التی هی سرّ الحیاة والحرکة والنشاط والتقدّم.

لقد ذکر المفسّرون احتمالات متعدّدة لمعنى الروح، لکن من خلال القرائن الموجودة فی الآیة، وممّا تفیده الآیة 2 من سورة «النحل» التی تقول: (ینزّل الملائکة بالرّوح من أمره على من یشاء من عباده أن أنذروا أنّه لا إله إلاّ أنا فاتّقون) وکذلک ممّا تفیده آیة 52 من سورة «الشورى» التی تخاطب الرّسول(صلى الله علیه وآله) وتوضّح له نزول القرآن والإیمان والروح بقوله تعالى: (وکذلک أوحینا إلیک روحاً من أمرنا ما کنت تدری ما الکتاب ولا الإیمان) من کلّ ذلک یتبیّن أنّ المقصود بالروح فی الآیة التی نحن بصددها، هو الوحی والقرآن والتکلیف الإلهی.

تفید عبارة (من أمره) أنّ ملک الوحی المکلّف بإبلاغ هذه الروح، إنّما یتحدّث ویتکلّم بأمر الله لا من عند نفسه.

أمّا قوله تعالى: (على من یشاء من عباده) فلا تعنی أنّ هبة الوحی تعطى لأىّ کان، لأنّ مشیئته تعالى هی عین حکمته، وکل من یجده مؤهّلا لهذا المنصب یخصّه بهذا الأمر، کما نقرأ فی الآیة 124 من سورة الأنعام حیث قوله تعالى: (الله أعلم حیث یجعل رسالته).

وعندما نجد بعض الرّوایات المرویة عن أهل البیت(علیهم السلام) تُفسّر الروح فی الآیة أعلاه بـ «روح القدس» وتخصّها بالنبی(صلى الله علیه وآله) والأئمّة المعصومین من أهل البیت(علیهم السلام)، فإنّ ذلک لا یتعارض مع ما قلناه، لأنّ «روح القدس» هی نفس الروح العلویة المقدّسة والمنصب

المعنوی العظیم الذی یتجسّد کاملا فی الأنبیاء والأئمّة المعصومین(علیهم السلام)، وکثیراً ما یتجلّى جزء منها فی الأشخاص الآخرین الذی متى ما ساعدتهم فیوضات روح القدس فإنّه سیقومون بأعمال مهمّة، وتنطق لسانهم بالحکمة. (لمزید من التوضیح یمکن مراجعة تفسیر الآیة 87 من سورة البقرة).

والملفت للنظر هنا أنّ الآیات السابقة کانت تتحدّث عن رزق الأجساد من مطر ونور وهواء، فیما تتحدّث هذه الآیات عن الرزق «الروحی» والمعنوی المتمثل فی نزول الوحی.

والآن لنرى ما هو الهدف من إنزال روح القدس على الأنبیاء(علیهم السلام)، ولماذا یسلک الأنبیاء هذه الطرق الطویلة الملیئة بالعقبات والصعاب.

الإجابة یقدّمها القرآن فی نهایة الآیة بقوله: (لینذر یوم التّلاق).

إنّه الیوم الذی یلتقی فیه العباد بخالقهم...

إنّه الیوم الذی یلتقی فیه السابقون باللاحقین...

إنّه الیوم الذی یجمع على ساحة القیامة بین رموز الحق وقادته، ورموز الباطل وزعامته وأنصاره...

إنّه یوم لقاء المستضعفین بالمستکبرین...

إنّه یوم التقاء الظالم والمظلوم...

هو یوم التقاء الإنسان والملائکة...

وأخیراً، یوم التلاق، هو یوم التقاء الإنسان مع أعماله وأقواله فی محکمة العدل الإلهی.

إذاً، هدف بعثة الأنبیاء ونزول الکتب السماویة هو تحذیر الإنسان من یوم التلاقی الکبیر... إنّه لاسم عجیب (یوم التلاق) الذی انتخبته الآیة اسماً لیوم القیامة!


1. المؤمن، 81 .
2. المجادلة، 11.
3. البقرة، 253.
4. الأنعام، 165.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 13 ـ 15  سورة غافر (المؤمن) / الآیة 16 ـ 17
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma