من المسائل الأساسیة التی أکدت علیها آیات القرآن المختلفة، ومنها الآیة مورد البحث، هی أن یحذر المؤمنون من أن تحبط أعمالهم کالکفّار، وبتعبیر آخر: فإنّ نفس العمل شیء، والحفاظ علیه شیء أهمّ، فإنّ العمل الصالح السالم المفید، هو العمل الذی یکون منذ البدایة سالماً من العیوب وأن یحافظ علیه من الخلل والعیب حتى نهایة العمر.
والعوامل التی تؤدّی إلى إحباط أعمال الإنسان، أو تهددها بذلک الخطر کثیرة، ومن جملتها:
1ـ المن والأذى کما یقول القرآن الکریم: (یا أیّها الذین آمنوا لا تبطلوا صدقاتکم بالمن والأذى کالذی ینفق ماله رئاء الناس ولا یؤمن بالله والیوم الآخر)(1). فهنا ذکر عاملان لبطلان العمل: أحدهما المنّ والأذى، والآخر الریاء والکفر، فالأوّل یأتی بعد العمل والثّانی قرینه، وهما کالنّار یحرقان الأعمال الصالحة.
2ـ العجب عامل آخر فی إحباط آثار العمل، کما ورد ذلک فی الحدیث: «العجب یأکل الحسنات کما تأکل النّار الحطب»(2).
3ـ الحسد ـ أیضاً ـ أحد هذه الأسباب، والذی ورد فیه تعبیر شبیه بما ورد فی العجب، فقد روی عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «إیّاکم والحسد، فإنّ الحسد یأکل الحسنات کما تأکل النّار الحطب»(3).
وکما تذهب الحسنات السیئات (إنّ الحسنات یذهبن السّیّئات)(4)، فإنّ السیئات تمحو کلّ الحسنات أحیاناً.
4ـ المحافظة على الإیمان إلى آخر لحظات العمر، وهذا أهم شرط لبقاء آثار العمل، لأنّ القرآن یقول بصراحة: (ولقد أوحی إلیک والى الذین من قبلک لئن أشرکت لیحبطنّ عملک ولتکونن من الخاسرین)(5).
من هنا نعرف أهمیة ومشاکل وصعوبات مسألة المحافظة على الأعمال، ولذلک ورد فی حدیث عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال: «الإبقاء على العمل أشدّ من العمل»، قال ـ أی الراوی ـ : وما الإبقاء على العمل؟ قال: «یصل الرجل بصلة، وینفق نفقة لله وحده لا شریک له فکتب له سرّاً، ثمّ یذکرها فتمحى فتکتب له علانیة، ثمّ یذکرها فتمحى وتکتب له ریاءً»(6).
وقد أشارت الآیة ـ مورد البحث ـ إشارة خفیة إلى هذه الاُمور حیث تقول: (ولا تبطلوا أعمالکم)(7).