آتینا بنی إسرائیل کلّ ذلک، ولکن...

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الجاثیة / الآیة 16 ـ 20سورة الجاثیة / الآیة 21 ـ 23

متابعة للبحوث التی وردت فی الآیات السابقة حول نعم الله المختلفة وشکرها والعمل الصالح، تتناول هذه الآیات نموذجاً من حیاة بعض الأقوام الماضین الذین غمرتهم نعم الله سبحانه، إلاّ أنّهم کفروا بها ولم یرعوها حق رعایتها.

تقول الآیة الأولى: (ولقد آتینا بنی إسرائیل الکتاب والحکم والنّبوّة ورزقناهم من الطّیّبات وفضّلناهم على العالمین).

تبیّن هذه الآیة فی مجموعها خمس نعم أنعم الله بها على بنی إسرائیل، وبالإضافة إلى النعمة الاُخرى التی سیأتی ذکرها فی الآیة التالیة تشکل ست نعم عظیمة.

النعمة الأولى هی الکتاب السماوی، أی التوراة التی کانت مبینة للمعارف الدینیة والحلال والحرام، وطریق الهدایة والسعادة.

والثانیة مقام الحکومة والقضاء، لأنا نعلم أنّهم کانوا یمتلکون حکومة قویة مترامیة الأطراف، فلم یکن داود وسلیمان وحدهما حاکمین وحسب، بل إنّ کثیراً من بنی إسرائیل قد تسلموا زمام الاُمور فی زمانهم وعصورهم.

«الحکم» فی التعبیرات القرآنیة یعنی عادة القضاء والحکومة، لکن لما کان مقام القضاء یشکل جزءً من برنامج الحکومة دائماً، ولایمکن للقاضی أن یؤدّی واجبه من دون حمایة الدولة وقوّتها، فإنّه یدل دلالة التزامیة على مسألة التصدی وتسلم زمام الاُمور.

ونقرأ فی الآیة 44 من سورة المائدة فی شأن التوراة: (یحکم بها النّبیّون الّذین أسلمو).

أمّا النعمة الثالثة فقد کانت نعمة مقام النبوّة، حیث اصطفى الله سبحانه أنبیاء کثیرین من بنی إسرائیل.

وقد ورد فی روایة أنّ عدد أنبیاء بنی إسرائیل بلغ ألف نبی(1)، وفی روایة أخرى: إنّ عدد أنبیاء بنی إسرائیل أربعة آلاف نبی(2).

وکل هذه کانت مواهب ونعماً من الله سبحانه.

وتتحدث الآیة فی الفقرة الرابعة حدیثاً جامعاً شاملاً عن المواهب المادیة، فتقول: (ورزقناهم من الطّیّبات).

النعمة الخامسة، هی تفوقهم وقوّتهم التی لا ینازعهم فیها أحد، کما توضح الآیة ذلک فی ختامها فتضیف: (وفضّلناهم على العالمین).

لاشک أنّ المراد من «العالمین» هنا هم سکان ذلک العصر، لأنّ الآیة 110 من سورة آل عمران تقول بصراحة: (کنتم خیر اُمّة اُخرجت للنّاس).

وکذلک نعلم أنّ الرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) هو أشرف الأنبیاء وسیدهم، وبناء على هذا فإنّ أمته أیضاً تکون خیر الأمم، کما ورد ذلک فی الآیة 89 من سورة النحل: (ویوم نبعث فی کلّ أمّة شهیداً علیهم من أنفسهم وجئنا بک شهیداً على هؤلاء).

وتشیر الآیة التالیة إلى الموهبة السادسة التی منحها الله سبحانه لهؤلاء المنکرین للجمیل، فتقول: (وآتیناهم بینات من الأمر).

«البینات» یمکن أن تکون إشارة إلى المعجزات الواضحة التی أعطاها الله سبحانه موسى بن عمران(علیه السلام) وسائر أنبیاء بنی إسرائیل، أو أنّها إشارة إلى الدلائل والبراهین المنطقیة الواضحة، والقوانین والأحکام المتقنة الدقیقة.

وقد احتمل بعض المفسّرین أن یکون هذا التعبیر إشارة إلى العلامات الواضحة التی تتعلق بنبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)، والتی علمها هؤلاء، وکان باستطاعتهم أن یعرفوا نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)من خلالها کمعرفتهم بأبنائهم: (الّذین آتیناهم الکتاب یعرفونه کما یعرفون أبناءهم)(3).

لکن لا مانع من أن تکون کلّ هذه المعانی مجتمعة فی الآیة.

وعلى أیة حال، فمع وجود هذه المواهب والنعم العظیمة، والدلائل البیّنة الواضحة لا یبقى مجال للاختلاف، إلاّ أنّ الکافرین بالنعم هؤلاء ما لبثوا أن اختلفوا، کما یصور القرآن الکریم ذلک فی تتمة هذه الآیة إذ یقول: (فما اختلفوا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغیاً بینهم).

نعم، لقد رفع هؤلاء رایة الطغیان، وأنشبت کلّ جماعة أظفارها فی جسد جماعة أخرى، واتخذوا حتى عوامل الوحدة والاُلفة والإنسجام سبباً للاختلاف والتباغض والشحناء، وتنازعوا أمرهم بینهم فذهبت ریحهم وضعفت قوتهم، وأفل نجم عظمتهم، فزالت دولتهم، وأصبحوا مشردین فی بقاع الأرض ضربت علیهم الذلة أینما ثقفوا.

وقال البعض: إنّ المراد هو الاختلاف الذی وقع بینهم بعد علمهم واطلاعهم الکافی على صفات نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله).

ویهددهم القرآن الکریم فی نهایة الآیة بقوله: (إنّ ربّک یقضی بینهم یوم القیامة فیما کانوا فیه یختلفون) وبهذا فقد فقدوا قوتهم وعظمتهم فی هذه الدنیا بکفرانهم النعمة، واختلافهم فیما بینهم، واشتروا لأنفسهم عذاب الآخرة.

بعد بیان المواهب التی منّ الله تعالى بها على بنی إسرائیل، وکفرانها من قبلهم، ورد الحدیث عن موهبة عظیمة أهداها الله سبحانه لنبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) والمسلمین، فقالت الآیة: (ثمّ جعلناک على شریعة من الأمر).

«الشریعة» تعنی الطریق التی تستحدث للوصول إلى الماء الموجود عند ضفاف الأنهر التی یکون مستوى الماء فیها أخفض من الساحل، ثمّ أطلقت على کلّ طریق یوصل الإنسان إلى هدفه ومقصوده.

إنّ استعمال هذا التعبیر فی مورد دین الحق، بسبب أنّه یوصل الإنسان إلى مصدر الوحی ورضى الله سبحانه، والسعادة الخالدة التی هی بمثابة الماء للحیاة المعنویة.

لقد استعملت هذه الکلمة مرّة واحدة فی القرآن الکریم، وفی شأن الإسلام فقط.

والمراد من «الأمر» هنا هو دین الحق الذی مرّت الإشارة إلیه فی الآیة السابقة أیضاً، حیث قالت: (بینات من الأمر).

ولما کان هذا المسیر مسیر النجاة والنصر، فإنّ الله سبحانه یأمر النّبی(صلى الله علیه وآله) بعد ذلک أنّ (فاتبعه).

وکذلک لما کانت النقطة المقابلة لیس إلاّ اتباع أهواء الجاهلین ورغباتهم، فإنّ الآیة تضیف فی النهایة: (ولا تتّبع أهواء الّذین لا یعلمون).

فی الحقیقة، لا یوجد إلاّ طریقان: طریق الأنبیاء والوحی، وطریق أهواء الجاهلین ومیولهم، فإذا ولّى الإنسان دبره للأوّل فسیقع فی الثّانی، وإذا توجه الإنسان إلى ذلک السبیل فسینفصل عن خط الأنبیاء ویبتعد عنهم، وبذلک فإنّ القرآن أبطل کلّ البرامج الإصلاحیة التی لا تستمد تعلیماتها من مصدر الوحی الإلهی.

والجدیر بالإنتباه أنّ بعض المفسّرین قالوا: إنّ رؤساء قریش أتوا النّبی(صلى الله علیه وآله) وقالوا: ارجع إلى دین آبائک، فإنّهم کانوا أفضل منک وأسلم. وکان النّبی(صلى الله علیه وآله)  لا یزال فی مکّة، فنزلت الآیة أعلاه(4) وأجابتهم بأنّ طریق الوصول إلى الحق هو الوحی السماوی الذی نزل علیک، لا ما یملیه هوى هؤلاء الجاهلین ورغبتهم.

لقد کان القادة المخلصون یواجهون دائماً وساوس الجاهلین هذه عندما یأتون بدین جدید ویطرحون أفکاراً بنّاءة طاهرة، فقد کان الجهال یطرحون علیهم: أأنتم أعلم أم الآباء السابقون والعظماء الذین جاؤوا قبلکم؟ وکانوا یصرون على الاستمرار فی ذلک الطریق، وإذا کان مثل هذا الإقتراح یمکن أن ینزل إلى حیز التطبیق والواقع العملی، فلیس بوسع الإنسان أن یخطو خطوة فی طریق التکامل.

وتعتبر الآیة التالیة تبیاناً لعلة النهی عن الإستسلام أمام مقترحات المشرکین وقبول طلباتهم، فتقول: (إنّهم لن یغنوا عنک من الله شیئ) فإذا ما اتبعت دینهم الباطل وأحاط بک عذاب الله تعالى فإنّهم عاجزون عن أن یهبّوا لنجدتک وإنقاذک، ولو أنّ الله سبحانه سلب منک نعمة فإنّهم غیر قادرین على إرجاعها إلیک.

ومع أنّ الخطاب فی هذه الآیات موجه إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) إلاّ أنّ المراد منه جمیع المؤمنین.

ثمّ تضیف الآیة: (وإنّ الظّالمین بعضهم أولیاء بعض) فکلهم من جنس واحد، ویسلکون نفس المسیر، ونسجهم واحد، وکلهم ضعفاء عاجزون.

لکن لا تذهب بک الظنون بأنّک وحید، ومن معک قلیل ولا ناصر لکم ولا معین، بل: (والله ولىّ المتّقین).

صحیح أنّ جمع هؤلاء عظیم فی الظاهر، وفی أیدیهم الأموال الطائلة والإمکانیات الهائلة، لکن کلّ ذلک لا یعتبر إلاّ ذرة عدیمة القیمة إزاء قدرة الله التی لا تقهر، وخزائنه التی لا تفنى.

وکتأکید لما مرّ، ودعوة إلى اتباع دین الله القویم، تقول آخر آیة من هذه الآیات: (هذا بصائر للنّاس وهدىً ورحمة لقوم یوقنون).

«البصائر» جمع بصیرة، وهی النظر، ومع أنّ هذه اللفظة أکثر ما تستعمل فی وجهات النظر الفکریة والنظریات العقلیة، إلاّ أنّها تطلق على کلّ الاُمور التی هی أساس فهم المعانی وإدراکها.

والطریف أنّها تقول: إنّ هذا القرآن والشریعة بصائر، أی عین البصیرة، ثمّ إنّها لیست بصیرة، بل بصائر، ولا تقتصر على بعد واحد، بل تعطی الإنسان الأفکار والنظریات الصحیحة فی کافة مجالات حیاته.

وقد ورد نظیر هذا التعبیر فی آیات اُخرى من القرآن الکریم، کالآیة 104 من سورة الأنعام، حیث تقول: (قد جاءکم بصائر من ربّکم).

وقد طرحت هنا فی هذه الآیة ثلاثة مواضیع: البصائر والهدى والرحمة، وهی حسب التسلسل علة ومعلول لبعضها البعض، فإنّ الآیات الواضحة والشریعة المبصّرة تدفع الإنسان نحو الهدایة، والهدایة بدورها أساس رحمة الله.

والجمیل فی الأمر أنّ الآیة تذکر أنّ البصائر لعامة الناس، أمّا الهدى والرحمة فخصت الموقنین بهما، ویجب أن یکون الأمر کذلک، لأنّ آیات القرآن لیست مقصورة على قوم بالخصوص، بل یشترک فیها کلّ البشر الذین دخلوا فی کلمة (الناس) فی کلّ زمان ومکان، غیر أنّ من الطبیعی أن یکون الهدى فرع الیقین، وأن تکون الرحمة ولیدته، فلا تشمل الجمیع حینئذ.

وعلى أیة حال، فإنّ ما تقوله الآیة من أنّ القرآن عین البصیرة، وعین الهدایة والرحمة، تعبیر جمیل یعبر عن عظمة هذا الکتاب السماوی وتأثیره وعمقه بالنسبة لاُولئک السالکین طریقه، والباحثین عن الحقیقة.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 113.
2. بحار الأنوار، ج 11، ص 31، الطبعة الجدیدة.
3. البقرة، 146.
4. التفسیر الکبیر، ج 27، ص 265.
سورة الجاثیة / الآیة 16 ـ 20سورة الجاثیة / الآیة 21 ـ 23
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma