کیف تزعمون أنّ الملائکة بنات الله؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الزّخرف / الآیة 15 ـ 19 سورة الزّخرف / الآیة 20 ـ 22

بعد تثبیت دعائم التوحید بوسیلة ذکر آیات الله سبحانه فی نظام الوجود، وذکر نعمه ومواهبه، تتناول هذه الآیات ما یقابل ذلک، أی محاربة الشرک وعبادة غیر الله تعالى، فتطرّقت أوّلاً إلى أحد فروعها، أی عبادة الملائکة فقالت: (وجعلوا له من عباده جزء)فظنّوا أنّ الملائکة بنات الله سبحانه، وأنّها آلهتهم، وکانت هذه الخرافة القبیحة رائجة بین الکثیرین من عبدة الأوثان.

إنّ التعبیر بـ «الجزء» یبیّن من جانب أنّ هؤلاء کانوا یعتبرون الملائکة أولاد الله تعالى، لأنّ الولد جزء من وجود الأب والأمّ، وینفصل عنهما کنطفة تتکوّن وتتلقّح، وإذا ما تلقّحت تَکَوّن الولد من تلک اللحظة. ویبیّن من جانب آخر قبولهم عبادتها، لأنّهم کانوا یظنّون الملائکة جزءاً من الآلهة فی مقابل الله سبحانه.

ثمّ إنّ هذا التعبیر استدلال واضح على بطلان اعتقاد المشرکین الخرافی، لأنّ الملائکة إن کانت أولاداً لله سبحانه، فإنّ ذلک یستلزم أن یکون لله جزء، ونتیجة ذلک أنّ ذات الله مرکبة سبحانه، فی حین أنّ الأدلّة العقلیّة والنقلیّة شاهدة على بساطة وجوده وأحدیّته، لأنّ الجزء مختصّ بالموجودات الممکنة.

ثمّ تضیف: (إنّ الإنسان لکفور مبین) فمع کل هذه النعم الإلهیّة التی أحاطت بوجوده، والتی مرّ ذکر خمس منها فی الآیات السابقة، فإنّه بدل أن یطأطیء رأسه إعظاماً لخالقه، وإجلالاً لولی نعمته، سلک سبیل الکفر واتّجه إلى مخلوقات الله لیعبدها!

فی الآیة التی بعدها یستثمر القرآن الثوابت الفکریّة لدى هؤلاء من أجل إدانة هذا التفکیر الخرافی، لأنّهم کانوا یرجّحون جنس الرجل على المرأة، وکانوا یعدّون البنت عاراً ـ عادةً ـ یقول تعالى: (أم اتّخذ ممّایخلق بنات وأصفاکم بالبنین)؟ فإذا کان مقام البنت أدنى فی اعتقادکم، فکیف ترجّحون أنفسکم وتعلونها على الله، فتجعلون نصیبه بنتاً، ونصیبکم ولداً؟

صحیح أنّ المرأة والرجل متساویان فی القیم الإنسانیّة السامیة عند الله سبحانه، إلاّ أنّ الاستدلال باعتقادات المخاطب یترک أحیاناً فی فکره أثراً یدفعه إلى إعادة النظر فیما یعتقد.

وتتابع الآیة التالیة هذا البحث ببیان آخر، فتقول: (وإذا بشّر أحدهم بما ضرب للرّحمن مثلاً ظلّ وجهه مسودّاً وهو کظیم).

والمراد من (بما ضرب للرّحمن مثل) هم الملائکة الذین کانوا یعتبرونهم بنات الله، وکانوا یعتقدون فی الوقت نفسه أنّها آلهتهم، وأنّها شبیهة به ـ سبحانه ـ ومثله.

إنّ لفظة (کظیم) من مادّة «کظْم»، وتعنی الحلقوم، وجاءت أیضاً بمعنى غلق فم قربة الماء بعد امتلائها، ولذلک فإنّ هذه الکلمة استعملت للتعبیر عمّن امتلأ قلبه غضباً أو غمّاً وحزناً، وهذا التعبیر یحکی جیّداً عن خرافة تفکیر المشرکین البله فی عصر الجاهلیّة فیما یتعلق بولادة البنت، وکیف أنّهم کانوا یحزنون ویغتمّون عند سماعهم بولادة بنت لهم، إلاّ أنّهم فی الوقت نفسه کانوا یعتقدون بأنّ الملائکة بنات الله سبحانه!

وتضیف فی الآیة الکریمة: (أو من ینشّؤ فی الحلیة وهو فی الخصام غیر مبین)(1).

لقد ذکر القرآن هنا صفتین من صفات النساء غالباً، تنبعثان من ینبوع عاطفتهنّ، إحداهما: تعلّق النساء الشدید بأدوات الزینة.

والاُخرى: عدم إمتلاکهنّ القدرة الکافیة على إثبات مرادهنّ أثناء المخاصمة والجدال لحیائهنّ وخجلهنّ.

لا شکّ أنّ بعض النسوة لیس لدیهنّ هذا التعلّق الشدید بالزینة، ولا شکّ أیضاً أنّ التعلّق بالزینة ومحبّتها فی حدود الإعتدال لا یعد عیباً فی النساء، بل أکّد علیها الإسلام، إلاّ أنّ المراد هو أکثریّة النساء اللاتی تعوّدن على الاِفراط فی الزینة فی أغلب المجتمعات البشریّة، وکأنّهن یولدن بین أحضان الزینة ویتربّین فی حجرها.

وکذلک لا یوجد أدنى شکّ فی أنّ بعض النسوة ارتقین أعلى الدرجات فی قوّة المنطق والبیان، لکن لا یمکن إنکار ضعف النساء عند المخاصمة والبحث والجدال، إذا ما قورنت بقدرة الرجال، وذلک بسبب خجلهنّ وحیائهنّ.

والهدف بیان هذه الحقیقة، وهی: کیف تظنّون وتعتقدون بأنّ البنات أولاد الله سبحانه، وأنّکم مصطفون بالبنین؟

وتذکر الآیة الأخیرة ـ من هذه الآیات ـ هذا المطلب بصراحة أکثر، فتقول: (وجعلوا الملائکة الّذین هم عباد الرّحمن إناث).

أجل... إنّهم عباد الله، مطیعون لأمره، ومسلمون لإرادته، کما ورد ذلک فی الآیتین 26 و27 من سورة الأنبیاء: (بل عباد مکرمون * لا یسبقونه بالقول وهم بأمره یعملون).

إنّ التعبیر بکلمة (عباد) فی الواقع ردّ على ظنّ هؤلاء، لأنّ الملائکة لو کانت مؤنّثاً لوجب أن یقول: (عبدات)، لکن ینبغی الإنتباه إلى أنّ العباد تطلق على جمع المذکّر وعلى الموجودات التی تخرج عن إطار المذکر والمؤنث کالملائکة، ویشبه ذلک استعمال ضمائر المفرد المذکّر فی حقّ الله سبحانه، فی حین أنّه تعالى فوق کلّ هذه التقسیمات.

وجدیر بالذکر أنّ کلمة (عباد) قد أضیفت إلى (الرحمن) فی هذه الجملة، ویمکن أن یکون هذا التعبیر إشارة إلى أن أغلب الملائکة منفذون لرحمة الله، ومدبرون لقوانین عالم الوجود وأنظمته، وکل ذلک رحمة.

لکن لماذا وجدت هذه الخرافة بین عرب الجاهلیّة؟ ولماذا بقیت ترسباتها إلى الآن فی أذهان جماعة من الناس؟ حتى أنّهم یرسمون الملائکة ویصورونها على هیئة المرأة والبنت، بل حتى إذا أرادوا أن یرسموا ما یسمى بملک الحریة فإنّهم یرسمونه على هیئة امرأة جمیلة طویلة الشعر!

یمکن أن یکون هذا الوهم نابعاً من أنّ الملائکة مستورون عن الأنظار، والنساء

مستورات کذلک، ویلاحظ هذا المعنى فی بعض موارد المؤنث المجازی فی لغة العرب، حیث یعتبرون الشمس مؤنثاً مجازیّاً والقمر مذکراً، لأنّ قرص الشمس مغطى عادة بأمواج نورها فلا سبیل للنظر إلیه، بخلاف قرص القمر.

أو أن لطافة الملائکة ورقتها قد سببت أن یعتبروها کالنساء، حیث إنّ النساء اکثر رقّة ولطافة إذا قیست بالرجال.

والعجیب أنّه بعد کل هذه المحاربة الإسلامیة لهذا التفکیر الخرافی وإبطاله، فإنّهم إذا ما أرادوا أن یصفوا امرأة فإنّهم یقولون: إنّها ملک، أمّا فی شأن الرجال فقلما یستعمل هذا التعبیر، وکذلک قد یختارون کلمة الملک والملاک اسماً للنساء!

ثمّ تجیبهم الآیة بصیغة الاستفهام الإنکاری فتقول: (أشهدوا خلقهم)؟ وتضیف فی النهایة: (ستکتب شهادتهم ویسألون).

لقد ورد ما قرأناه فی هذه الآیات بصورة اُخرى فی سورة النحل الآیات 57 ـ 59 أیضاً، وقد أوردنا هناک بحثاً مفصّلاً حول عقائد عرب الجاهلیّة فیما یتعلق بمسألة الوأد، وعقیدتهم فی جنس المرأة، وکذلک حول دور الإسلام فی إحیاء شخصیّة المرأة ومقامها السامی.


1. «ینشؤّ» من مادة «الإنشاء»، أی إیجاد الشیء، وهنا بمعنى تربیة الشیء وتنمیته، و«الحلیة» تعنی الزینة، و«الخصام» هو المجادلة والنزاع على شیء ما.
سورة الزّخرف / الآیة 15 ـ 19 سورة الزّخرف / الآیة 20 ـ 22
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma