الهدایة على نوعین: أوّلا «الهدایة التشریعیة» وهی تشمل إبانة الطریق والکشف عنه بجمیع العلائم، ثمّ هناک «الهدایة التکوینیة» التی هی فی واقعها إیصال إلى المطلوب أو الوصول إلى الهدف.
لقد اجتمعت الهدایتان معاً فی الآیات التی نبحثها، فالآیات تتحدّث أوّلا عن هدایة ثمود «وأمّا ثمود فهدیناهم» وهذه هی الهدایة التشریعیة التی استبانوا من خلالها الطریق.
ثم أضافت الآیة فی وصف حالهم بأنّهم استحبوا العمى على الهدى، وهذه هی الهدایة التکوینیة والتوصّل نحو الهدف.
وهکذا فإنّ الهدایة بمعناها الأوّل قد تمّت من خلال بعثة الرسل والأنبیاء، أمّا الهدایة بمعناها الثّانی والتی ترتبط بإرادة واختیار أىّ إنسان، فلم تتمّ بسبب غرور القوم وتکبّرهم وعلوهم، لأنّهم: (فاستحبّوا العمى على الهدى).
إنّ هذا ـ بحدّ ذاته ـ دلیل على مبدأ «حریة الإرادة الإنسانیة» وعدم الجبر.
ولکن ـ برغم صراحة ووضوح الآیات ـ نرى أنّ بعض المفسّرین کالفخر الرازی یصرّون على إنکار دلالة الآیة، وذکروا کلاماً لا یلیق بمنزلة الباحث المحقق، وذلک بسبب میولهم نحو عقیدة الجبر(1)!!