یجب الحزم فی ساحة الحرب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة محمّد / الآیة 4 ـ 6 1ـ مقام الشهداء السامی

کما قلنا سابقاً، فإنّ الآیات السابقة کانت مقدمة لتهیئة المسلمین من أجل إصدار أمر حربی مهم ذکر فی الآیات مورد البحث، فتقول الآیة: (فإذا لقیتم الّذین کفروا فضرب الرّقاب)(1).

من البدیهی أن «ضرب الرقاب» کنایة عن القتل، وعلى هذا فلا ضرورة لأن یبذل المقاتلون قصارى جهدهم لأداء هذا الأمر بالخصوص، فإنّ الهدف هو دحر العدو والقضاء علیه، ولما کان ضرب الرقاب أوضح مصداق له، فقد أکّدت الآیة علیه.

وعلى أیة حال، فإنّ هذا الحکم مرتبط بساحة القتال، لأنّ «لقیتم» ـ من مادة اللقاء ـ تعنی الحرب والقتال فی مثل هذه الموارد، وفی نفس هذه الآیة قرائن عدیدة تشهد لهذا المعنى کمسألة أسر الأسرى، ولفظة الحرب، والشهادة فی سبیل الله، والتی وردت فی ذیل الآیة.

وخلاصة القول: إنّ اللقاء یستعمل ـ أحیاناً ـ بمعنى اللقاء بأی شکل کان، وأحیاناً بمعنى المواجهة والمجابهة فی میدان الحرب، واستعمل فی القرآن المجید بکلا المعنیین، والآیة مورد البحث ناظرة إلى المعنى الثّانی.

ومن هنا یتّضح أنّ اُولئک الذین حوّروا هذه الآیة وفسّروها بأنّ الإسلام یقول: حیثما وجدتم کافراً فاقتلوه، لم یریدوا إلاّ الإساءة إلى الإسلام، واتخاذ الآیة بمعناها المحرّف حربة ضد الدین الحنیف، ومحاولة منهم لتشویه صورة الإسلام الناصعة، وإلاّ فإنّ الآیة صریحة فی اللقاء فی ساحة الحرب ومیدان القتال.

من البدیهی أنّ الإنسان إذا واجه عدواً شرساً فی میدان القتال، ولم یقابله بحزم ولم یکل له الضربات القاصمة ولم یذقه حرّ سیفه لیهلکه، فإنّه هو الذی سیهلک، وهذا القانون منطقی تماماً.

ثمّ تضیف الآیة: (حتّى إذا اثخنتموهم فشدّوا الوثاق).

«أثخنتموهم» من مادة ثخن، بمعنى الغلظة والصلابة، ولهذا تطلق على النصر والغلبة الواضحة، والسیطرة الکاملة على العدو.

وبالرغم من أنّ أغلب المفسّرین فسّروا هذه الجملة بکثرة القتل فی العدو وشدّته، إلاّ أنّ هذا المعنى لا یوجد فی أصلها اللغوی، کما قلنا، ولکن لمّا کان دفع خطر العدو غیر ممکن أحیاناً إلاّ بکثرة القتل فیه، فیمکن أن تکون مسألة القتل أحد مصادیق هذه الجملة فی مثل هذه الظروف، لا أنّها معناها الأصلی(2).

وعلى کلّ حال، فإنّ الآیة المذکورة تبیّن تعلیماً عسکریاً دقیقاً، وهو أنّه یجب أن لا یُقدَم على أسر الأسرى قبل تحطیم صفوف العدو والقضاء على آخر حصن لمقاومته، لأنّ الإقدام على الأسر قد یکون سبباً فی تزلزل وضع المسلمین فی الحرب، وسیعیق المسلمین الإهتمام بأمر الأسرى ونقلهم إلى خلف الجبهات عن أداء واجبهم الأساسی.

وعبارة (فشدّوا الوثاق) وبملاحظة أنّ الوثاق هو الحبل، أو کلّ ما یربط به، یشیر الى إتقان العمل فی شدّ وثاق الأسرى، لئلا یستغل الأسیر فرصة یفر فیها، ثمّ یوجّه ضربةً إلى الإسلام والمسلمین.

وتبیّن الجملة التالیة حکم أسرى الحرب الذی یجب أن یقام بحقّهم بعد انتهاء الحرب، فتقول: (فإمّا منّا بعد وإمّا فداء) وعلى هذا لا یمکن قتل الأسیر الحربی بعد انتهاء الحرب، بل إنّ ولی أمر المسلمین ـ طبقاً للمصلحة التی یراها ـ یطلق سراحهم مقابل عوض أحیاناً، وبلا عوض أحیاناً أخرى، وهذا العوض ـ فی الحقیقة ـ نوع من الغرامة الحربیة التی یجب أن یدفعها العدو.

طبعاً یوجد حکم ثالث فی الإسلام فیما یتعلق بهذا الموضوع، وهو استعباد الأسرى، إلاّ أنّه لیس أمراً واجباً، بل هو راجع إلى ولی أمر المسلمین ینفّذه عندما یراه ضرورة فی ظروف خاصة، ولعلّه لم یرد فی القرآن بصراحة لهذا السبب، بل بیّنته الرّوایات الإسلامیة فقط.

یقول فقیهنا المعروف «الفاضل المقداد» فی «کنز العرفان»: إنّ ما روی عن مذهب أهل البیت(علیهم السلام) أنّ الأسیر لو أسر بعد انتهاء الحرب فإنّ إمام المسلمین مخیّر بین ثلاث: إمّا إطلاقه دون شرط، أو تحریره مقابل أخذ الفدیة، أو جعله عبداً،  ولا یجوز قتله بأی وجه.

ویقول فی موضع آخر من کلامه: إنّ مسألة الرق استفیدت من الروایات، لا من متن الآیة(3).

وقد وردت هذه المسألة فی سائر الکتب الفقهیة أیض(4).

وسنشیر إلى هذا المطلب فی بحث الرق الذی سیأتی فی ذیل هذه الآیات.

ثمّ تضیف الآیة بعد ذلک: (حتّى تضع الحرب أوزاره)(5) فلا تکفوا عن القتال حتى تحطّموا قوى العدو ویصبح عاجزاً عن مواجهتکم، وعندها سیخمد لهیب الحرب.

«الأوزار» جمع «وزر»، وهو الحمل الثقیل، ویطلق أحیاناً على المعاصی، لأنّها تثقل کاهل صاحبها.

والطریف أنّ هذه الأوزار نسبت إلى الحرب فی الآیة، إذ تقول: (حتّى تضع الحرب أوزاره) وهذه الأحمال الثقیلة کنایة عن أنواع الأسلحة والمشاکل الملقاة على عاتق المقاتلین، والتی یواجهونها، وهی بعهدتهم ما کانت الحرب قائمة.

لکن متى تنتهی الحرب بین الإسلام والکفر؟

سؤال أجاب عنه المفسّرون إجابات مختلفة:

فالبعض ـ کابن عباس ـ قال: حتى لا تبقى وثنیة على وجه البسیطة، وحتى یقتلع دین الشرک وتجتث جذوره.

وقال البعض الآخر: إنّ الحرب بین الإسلام والکفر قائمة حتى ینتصر المسلمون على الدجال، وهذا القول یستند إلى حدیث روی عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «والجهاد ماض مذ بعثنی الله إلى أن یقاتل آخر أمّتی الدجال»(6).

البحث حول «الدجّال» بحث واسع، لکن القدر المعلوم أنّ الدجّال رجل خدّاع، أو رجال خدّاعون ینشطون فی آخر الزمان من أجل إضلال الناس عن أصل التوحید والحق والعدالة، وسیقضی علیهم المهدی (عج) بقدرته العظیمة، وعلى هذا فإنّ الحرب قائمة بین الحق والباطل ما عاش الدجّالون على وجه الأرض.

إنّ للإسلام نوعین من المحاربة مع الکفر: أحدهما الحروب المرحلیة کالغزوات التی غزاها النّبی (صلى الله علیه وآله) حیث کانت السیوف تغمد بعد انتهاء کل غزوة. والآخر هو الحرب المستمرة ضد الشرک والکفر، والظلم والفساد، وهذا النوع مستمر حتى زمن اتساع حکومة العدل العالمیة، وظهورها على الأرض جمیعاً على ید المهدی(عج).

ثمّ تضیف الآیة: (ذلک ولو یشاء الله لانتصر منهم)(7) بالصواعق السماویة، والزلازل، والعواصف، والإبتلاءات الاُخرى، لکن باب الإختبار ومیدانه سیغلق فی هذه الصورة: (ولکن لیبلو بعضکم ببعض).

هذه المسألة هی فلسفة الحرب، والنکتة الأساسیة فی صراع الحق والباطل، ففی هذه الحروب ستتمیز صفوف المؤمنین الحقیقیین والعاملین من أجل دینهم عن المتکلمین فی المجالس المتخاذلین فی ساعة العسرة، وبذلک ستتفتح براعم الاستعدادات، وتحیا قوّة الإستقامة والرجولة، ویتحقق الهدف الأصلی للحیاة الدنیا، وهو الإبتلاء وتنمیة قوّة الإیمان والقیم الإنسانیة الاُخرى.

إذا کان المؤمنون یتقوقعون على ذواتهم وینشغلون بالحیاة الیومیة الرتیبة، وفی کل مرة تطغى فیها جماعة من المشرکین والظالمین یدحضهم الله سبحانه بالقوى الغیبیة، ویدمّرهم بالطرق الإعجازیة، فإنّ المجتمع سیکون خاملاً ضعیفاً عاجزاً، لیس له من الإسلام والإیمان إلاّ اسمه.

وخلاصة القول: إنّ الله سبحانه غنی عن سعینا وجهادنا من أجل تثبیت دعائم دینه، بل نحن الذین نتربّى فی میدان جهاد الأعداء، ونحن الذین نحتاج إلى هذا الجهاد المقدّس.

وقد ذکر هذا المعنى فی آیات القرآن الاُخرى بصیغ أخرى، فنقرأ فی الآیة 142 من سورة آل عمران: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا یعلم الله الّذین جاهدوا منکم ویعلم الصّابرین).

وجاء فی الآیة التی سبقتها: (ولیمحص الله الّذین آ منوا ویمحق الکافرین).

وتحدّثت آخر جملة من الآیة مورد البحث عن الشهداء الذین قدّموا أرواحهم هدیة لدینهم فی هذه الحروب، ولهم فضل کبیر على المجتمع الإسلامی، فقالت: (والّذین قتلوا فی سبیل الله فلن یضلّ أعمالهم).

فلن تذهب جهودهم وآلامهم وتضحیاتهم سدى، بل کلها محفوظة عند الله سبحانه، فستبقى آثار تضحیاتهم فی هذه الدنیا، وکلّ نداء (لا إله إلاّ الله) یطرق سمع البشر یمثل ثمرة جهود أولئک الشهداء، وکلّ سجدة یسجدها مسلم بین یدی الله هی من برکات تضحیاتهم، فبمساعیهم تحطّمت قیود المذلّة والعبودیة، وعزّة المسلمین ورفعتهم رهینة ما بذلوه من الأرواح والتضحیات.

هذه هی أحدى مواهب الله فی شأن الشهداء.

وهناک ثلاث مواهب اُخرى أضیفت فی الآیات التالیة:

تقول الآیة أوّلاً: (سیهدیهم) إلى المقامات السامیة، والفوز العظیم، ورضوان الله تعالى.

والاُخرى: (یصلح بالهم) فیهبهم هدوء الروح، واطمئنان الخاطر، والنشاط المعنوی والروحی، والإنسجام مع صفاء ملائکة الله ومعنویاتهم، حیث یجعلهم جلساءهم وندماءهم فی مجالس أنسهم ولذّتهم، ویدعوهم إلى ضیافته فی جوار رحمته.

والموهبة الأخیرة هی: (ویدخلهم الجنّة عرّفها لهم).

قال بعض المفسّرین: إنّه تعالى لم یبیّن لهم الصفات الکلیة للجنّات العلى وروضة الرضوان وحسب، بل عرف لهم صفات قصورهم فی الجنّة وعلاماتها، بحیث أنّهم عندما یردون الجنّة یتوجّهون إلى قصورهم مباشرة(8).

وفسر البعض «عرّفها» بأنّها من مادة «عرف» ـ على زنة فکر ـ، وهو العطر الطیب الرائحة، أی إنّ الله سبحانه سیدخلهم الجنّة التی عطّرها جمیعاً استقبالاً لضیوفه.

إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل یبدو هو الأنسب.

وقال البعض: إذا ضممنا هذه الآیات إلى آیة: (ولا تحسبنّ الّذین قتلوا فی سبیل الله أموات)(9)، سیتّضح أنّ المراد من إصلاح البال إحیاؤهم حیاة یصلحون بها للحضور عند ربّهم بانکشاف الغطاء(10).


1. «ضرب» مصدر مفعول مطلق لفعل مقدر، والتقدیر: اضربوا ضرب الرقاب، کما صرّحت الآیة 12 من سورة الأنفال بذلک إذ قالت: (فاضربوا فوق الأعناق).
2. ینقل صاحب لسان العرب عن ابن الأعرابی أنّ: «أثخن»: إذا غلب وقهر.
3. کنز العرفان، ج 1، ص 365.
4. الشرائع، کتاب الجهاد وشرح اللمعة، أحکام الغنیمة.
5. «حتى» غایة ل(فضرب الرقاب). واحتملت احتمالات اُخرى لا تستحق الإهتمام.
6. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 97.
7. «ذلک» خبر لمبتدأ محذوف، والتقدیر: الأمر کذلک.
8. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 98.
9. آل عمران، 169.
10. تفسیر المیزان، ج 18، ص 244.
سورة محمّد / الآیة 4 ـ 6 1ـ مقام الشهداء السامی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma