بحوث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
الزهد والإدخار للآخرةسورة الأحقاف / الآیة 21 ـ 25

تقول هذه الآیة: إنّ الکفار یعرضون على النّار فی القیامة، وقد ورد نظیر هذا فی الآیة 46 من سورة المؤمن حول عذاب الفراعنة فی البرزخ، إذ تقول: (النّار یعرضون علیها غدواً وعشی) فی حین أنّنا نقرأ فی بعض آیات القرآن الاُخرى أنّ جهنّم تعرض على الکافرین: (وعرضنا جهنّم یومئذ للکافرین عرض)(1).

لذلک قال بعض المفسّرین: إنّ فی القیامة نوعین من العرض: فقبل الحساب تعرض جهنّم على المجرمین لیملأ وجودهم الخوف والهلع، وهذا بحدِّ ذاته عقاب وعذاب نفسی، وبعد الحساب وإلقائهم فی جهنّم یعرضونهم على عذاب الله(2).

وقال البعض: إنّ فی العبارة نوع قلب، وإنّ المراد من عرض الکفّار على النّار هو عرض النّار على الکافرین، إذ لا عقل ولا إدراک للنار حتى یعرض علیها الکافرون، فی حین أنّ العرض یتم فی الموارد التی یکون المعروض علیه فیها ذا شعور وإدراک.

لکن یمکن أن یرد على هذا الجواب بأنّ بعض الآیات ذکرت وجود إدراک وشعور لدى النّار، حتى أنّ الله سبحانه یخاطبها وتجیب، فیقول سبحانه: (هل امتلأت) فتقول: (هل من مزید)(3).

والحق أنّ حقیقة العرض هی رفع الموانع بین شیئین حتى یتقابلا ویکونا وجهاً لوجه، وکذا الحال بالنسبة إلى الکافرین والنّار، فإنّ الحواجز ترفع من بینهما، فیمکن القول فی هذه الصورة: إنّ الکافرین یعرضون على النّار، کما تعرض علیهم، وکلا التعبیرین صحیح.

وعلى أیة حال، فلا حاجة لأن نعتبر العرض بمعنى الدخول فی النّار کما ذکره «الطبرسی» فی مجمع البیان، بل إنّ هذا العرض بحدِّ ذاته نوع من العذاب الألیم المرعب، حیث یرى الکافرون بأعینهم کلّ أقسام جهنّم من الخارج قبل أن یردوها، ولیشاهدوا مصیرهم المشؤوم ویتعذّبوا ویتألموا له.

إنّ جملة: (أذهبتم طیّباتکم) تعنی التمتع بلذائذ الدنیا، والتعبیر بـ «أذهبتم» لأنّ هذه اللذائذ والنعم تفنى بالتمتع بها واستهلاکها.

ومن المسلّم أنّ التمتع بمواهب الله ونعمه فی هذه الدنیا لیس أمراً مذموماً قبیحاً، بل المذموم هو الغرق فی اللذات المادیة، ونسیان ذکر الله والقیامة، أو التمتع بها بصورة غیر مشروعة والتلوث بالمعاصی عن طریقها، وغصب حقوق الآخرین فیما یتعلق بها.

وممّا یلفت الإنتباه أنّ هذا التعبیر لم یرد إلاّ فی هذه الآیة من القرآن الکریم، وهو إشارة إلى أنّ الإنسان یعزب أحیاناً عن لذات الدنیا ویعرض عنها، أو أنّه لا یأخذ منها إلاّ ما یقوّم به صلبه، ویتقوّى به على القیام بالواجبات الإلهیّة، وکأنّه فی هذه الصورة قد ادخر هذه الطیبات لآخرته.

غیر أنّ الکثیرین یتکالبون على هذه التمتعات الدنیویة کالحیوانات ولا یحدّهم شیء فی الإلتذاذ بهذه الطیبات وافنائها جمیعاً، ولا یکتفون بعدم ادخار شیء لآخرتهم، بل یحملون معهم أحمالاً من الأوزار، ولهؤلاء یقول القرآن: (أذهبتم طیّباتکم فی حیاتکم الدنی).

وقد نقل فی بعض کتب اللغة أنّ المراد من الجملة: أنفقتم طیبات ما رُزقتم فی شهواتکم وفی ملاذ الدنیا، ولم تنفقوها فی مرضاة الله(4).

للطیبات معنى واسع یشمل کلّ مواهب الدنیا، ومع أنّ بعض المفسّرین قد فسّرها بقوّة الشباب فقط، إلاّ أنّ الحق هو أنّ الشباب یمکن أن یکون مصداقاً لا غیر.

إنّ التعبیر ب(عذاب الهون) بمثابة ردّ فعل لإستکبار هؤلاء فی الأرض، لأنّ العقوبة الإلهیة تتناسب تماماً مع نوع الذنب والمعصیة، فاُولئک الذین تکبّروا على خلق الله، بل وحتى على أنبیائه، ولم یخضعوا لأی تشریع إلهی، یجب أن یلاقوا جزاءهم بذلة وحقارة ومهانة.

لقد ذکر فی ذیل هذه الآیة ذنبان لأصحاب الجحیم، الأوّل: الإستکبار، والثّانی: الفسق. ویمکن أن یکون الأوّل إشارة إلى عدم إیمانهم بآیات الله وبعث الأنبیاء والقیامة، والثّانی إشارة إلى أنواع الذنوب والمعاصی، فأحدهما یتحدّث عن ترک أصول الدین، والآخر عن تضییع فروع الدین(5).

إنّ التعبیر بـ (غیر الحق) لا یعنی أنّ الإستکبار نوعان: حق، وغیر حق، بل إنّ هذه التعابیر تقال عادةً للتأکید، ونظائرها کثیر.

زهد الأئمة العظماء، لقد وردت فی مختلف مصادر الحدیث والتّفسیر روایات کثیرة عن زهد أئمّة الإسلام العظماء، واستندوا فیه بالخصوص إلى الآیة مورد البحث، ومن جملتها:

جاء فی حدیث أنّ عمر أتى یوماً رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی مشربة اُم إبراهیم ـ وهو موضع قرب المدینة ـ وکان مضطجعاً على حصیر من الخوص، وجزء من بدنه الشریف على التراب، وکانت تحت رأسه وسادة من لیف النخل، فسلّم وجلس، وقال: أنت نبیّ الله وأفضل خلقه، هذا کسرى وقیصر ینامان على أسرّة الذهب وفرش الدیباج والحریر، وأنت على هذا الحال؟! فقال(صلى الله علیه وآله): «اُولئک قوم عجلت طیّباتهم وهی وشیکة الإنقطاع، وإنّما أخرت لنا طیباتنا»(6).

ونقرأ فی حدیث آخر عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه اُتی یوماً بحلوى، فامتنع من تناولها، فقالوا: أتراها حراماً؟ قال: «لا، ولکنی أخشى أن تتوق نفسی فأطلبه، ثمّ تلا هذه الآیة: (أذهبتم طیّباتکم فی حیاتکم الدنیا...)(7).

وجاء فی حدیث آخر: «أنّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) إشتهى کبداً مشویة على خبزة لینة، فأقام حولاً یشتهیها، وذُکر ذلک للحسن(علیه السلام) وهو صائم یوماً من الأیّام فصنعها له، فلما أراد أن یفطر قرّبها إلیه، فوقف سائل بالباب، فقال: یا بنی احملها إلیه، لا تقرأ صحیفتنا غداً: (أذهبتم طیّباتکم فی حیاتکم الدنیا واستمتعتم به)(8).


1. الکهف، 100.
2. تفسیر المیزان، ج 18، ص 223، ذیل الآیات مورد البحث.
3. ق، 30.
4. مجمع البحرین، مادة ذهب.
5. تفسیر المیزان، ج 18، ص 224.
6. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 88 .
7. تفسیر البرهان، ج 4، ص 175، ذیل الآیة مورد البحث، وبحارالانوار، ج 34، ص 353.
8. سفینة البحار، ج 2، مادة کبد.
الزهد والإدخار للآخرةسورة الأحقاف / الآیة 21 ـ 25
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma