الکلُّ جاث فی محکمة العدل الإلهی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الجاثیة / الآیة 26 ـ 31 سورة الجاثیة / الآیة 32 ـ 37

هذه الآیات فی الحقیقة جواب آخر على کلام الدهریین، الذین کانوا ینکرون المبدأ والمعاد، وقد أشیر إلى کلامهم، فی الآیات السابقة، فتقول الآیة أوّلاً: (قل الله یحییکم ثمّ یمیتکم ثمّ یجمعکم إلى یوم القیامة لا ریب فیه).

لم یکن هؤلاء یعتقدون بالله ولا بالیوم الآخر، ومحتوى هذه الآیة استدلال علیهما معاً، حیث أکّدت على مسألة الحیاة الأولى، وبتعبیر آخر، فإنّ هؤلاء لا یستطیعون أن ینکروا أصل وجود الحیاة الأولى، ونشأة الموجودات الحیة من موجودات میتة، وهذا یشکل من جهة دلیلاً على وجود عقل وعلم کلی شامل، إذ هل یمکن أن توجد الحیاة على هذه الهیئة المدهشة، والتنظیم الدقیق، والأسرار العجیبة المعقدة، والصور المتعددة، والتی أذهلت عقول کلّ العلماء، من دون أن یکون لها خالق قادر عالم؟

ولهذا نرى آیات القرآن المختلفة تؤکّد على مسألة الحیاة کأحد آیات التوحید وأدلته البینة.

ومن جهة أخرى، تقول لهم: کیف یکون القادر على إنشاء الحیاة الأولى عاجزاً عن إعادتها ثانیاً؟

أمّا التعبیر بـ (لا ریب فیه) حول القیامة، والذی یخبر عن حتمیة وقوعها وحدوثها، لا عن إمکانها، فهو إشارة إلى قانون العدل الإلهی، حیث لم یصل کلّ صاحب حق الى حقّه فی هذه الحیاة الدنیا، ولم یلاق کلّ المعتدین والظالمین جزاءهم، ولولا محکمة القیامة العادلة، فان العدالة الإلهیة لا مفهوم لها حینئذ.

ولما کان کثیر من الناس لا یتأمل هذه الدلائل ولا یدقق النظر فیها، فإنّ الآیة تضیف فی النهایة: (ولکنّ أکثر النّاس لا یعلمون).

إنّ أحد أسماء یوم القیامة المار ذکره فی هذه الآیة هو: (یوم الجمع) لأنّ جمیع الخلق من الأولین والآخرین، وعلى اختلاف طبقات البشر وأصنافهم یجمعون فی ذلک الیوم فی مکان واحد، وقد ورد هذا التعبیر فی عدّة آیات اُخرى من القرآن الکریم أیضاً، ومن جملتها الشورى، 7، والتغابن، 9.

أمّا الآیة التالیة فهی دلیل آخر على مسألة المعاد، وقد قرأنا الشبهة المطروحة حوله فی آیات القرآن الاُخرى، فتقول: (ولله ملک السّماوات والأرض) فلما کان مالکاً لتمام عالم الوجود الواسع وحاکماً علیه، فمن المسلّم أن یکون قادراً على إحیاء الموتى، ومع وجود تلک القدرة المطلقة لا تکون عملیة الإحیاء بالأمر العسیر.

لقد جعل الله سبحانه هذا العالم مزرعة للآخرة، ومتجراً وافر الربح إلى ذلک العالم، ولذلک یقول سبحانه فی نهایة الآیة: (ویوم تقوم السّاعة یومئذ یخسر المبطلون) لأنّهم فقدوا رأس مالهم ـ وهو العمر ـ ولم یتّجروا فیه، ولم یشتروا متاعاً إلاّ الحسرة والندم.

إنّ الحیاة والعقل والذکاء ومواهب الحیاة الاُخرى هی رأس مال الإنسان فی سوق التجارة هذا، لکن اتباع الباطل یبادلونه بمتاع فان سریع الزوال، ولذلک فإنّهم حین یأتون یوم القیامة، یوم لا ینفع إلاّ القلب السلیم والإیمان والعمل الصالح سیرون خسارتهم الباهظة باُم أعینهم، ولات ساعة مندم.

«یخسر» من الخسران، وهو فقدان رأس المال، وینسب أحیاناً إلى نفس الإنسان ـ کما یقول الراغب فی المفردات ـ فیقال: خسر فلان، وأحیاناً إلى تجارته فیقال: خسرت تجارته.

إلاّ أنّ أبناء الدنیا لا یستعملون هذا التعبیر إلاّ فی موارد المال والمقام والمواهب المادیة، مع أنّ الأهم من الخسارة المادیة هو فقدان رأس مال العقل والإیمان والثواب.

أمّا «المبطل» ـ من مادة «إبطال» ـ فلها فی اللغة معان مختلفة، کإبطال الشیء، والکذب، والاستهزاء والمزاح، وطرح أمر باطل وذکره، وکلّ هذه المعانی یمکن أن تقبل فی مورد الآیة.

الأشخاص الذین أبطلوا الحق، والذین نشروا عقیدة الباطل وأهدافه، والذین کذبوا أنبیاء الله، وسخروا من کلامهم، سیرون خسرانهم المبین فی ذلک الیوم.

وتجسّد الآیة التالیة مشهد القیامة بتعبیر بلیغ مؤثر جدّاً، فتقول: (وترى کلّ أمة جاثیة).

یستفاد من بعض کلمات المفسّرین أنّ أصحاب الدعوى فی الماضی کانوا یجلسون على هذه الهیئة فی مجلس القضاء لیمیزوا عن الآخرین، وسیجثو الجمیع یوم القیامة فی تلک المحکمة الکبرى لتتم محاکمتهم.

ویمکن أیضاً أن یکون هذا التعبیر علامة على استعدادهم لتقبل أی أمر أو حکم یصدر بحقّهم، لأنّ من کان على أهبة الإستعداد یجثو على الرکب.

أو أنّه إشارة إلى ضعف هؤلاء وعجزهم وخوفهم واضطرابهم الذی سیعانونه، وجمع کلّ هذه المعانی فی مفهوم الآیة ممکن أیضاً.

وللجاثیة معان اُخرى، من جملتها الجمع الکثیر المتراکم، أو جماعة جماعة، ویمکن أن تکون إشارة إلى تراکم البشر وازدحامهم فی محکمة العدل الإلهی، أو جلوس کلّ أمة وفئة على حدة وبمعزل عن الاُمم الاُخرى. إلاّ أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب والأشهر.

ثمّ تبیّن الآیة ثانی مشاهد القیامة، فتقول: (کلّ اُمّة تدعى إلى کتابها الیوم تجزون ما کنتم تعملون) فإنّ هذا الکتاب صحیفة أعمال سجلت فیها کلّ الحسنات والسیئات، والقبائح والأفعال الجمیلة، وأقوال الإنسان وأعماله، وعلى حدّ تعبیر القرآن الکریم: (لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلاّ أحصاه)(1).

وتعبیر (کلّ اُمّة تدعى إلى کتابه) یوحی بأنّ لکلّ اُمة کتاباً یتعلق بأفرادها جمیعاً، إضافة إلى صحیفة الأعمال الخاصّة بکلّ فرد، ولا یبدو هذا الأمر عجیباً إذا علمنا أنّ للإنسان نوعین من الأعمال: الأعمال الفردیة، والأعمال الجماعیة، ولذلک فإن وجود نوعین من صحائف الأعمال یبدو طبیعیاً جدّاً من هذه الناحیة(2).

والتعبیر بـ «تدعى» یوحی بأنّ هؤلاء یدعون إلى قراءة ما فی کتبهم، وهذا المعنى نظیر ما ورد فی الآیة 14 من سورة الإسراء: (اقرأ کتابک کفى بنفسک الیوم علیک حسیب).

ثمّ یأتیهم الخطاب من قبل الله مرّة اُخرى، فیقول مؤکّداً: (هذا کتابنا ینطق علیکم بالحقّ) فقد کنتم تفعلون کلّ ما یحلو لکم، ولم تکونوا تصدّقون مطلقاً أنّ کلّ أعمالکم هذه تسجل فی مکان ما، ولکن (إنّا کنّا نستنسخ ما کنتم تعملون).

«نستنسخ» من مادة «إستنساخ»، وهی فی الأصل مأخوذة من النسخ، وهو إزالة الشیء بشیء آخر، فیقال مثلاً: نسخت الشمس الظل. ثمّ استعملت فی کتابة کتاب عن کتاب آخر من دون أن یمحى الکتاب الأوّل.

وهنا یبدو سؤال، وهو: إذا کان الله سبحانه قد أمر باستنساخ أعمال ابن آدم،ذلک یستلزم أن یکون هناک کتاب قبل النسخ تکتب فیه تلک الأعمال؟ ولذلک فإنّ البعض یعتقد أنّ صحائف أعمال کلّ البشر قد کتبت فی اللوح المحفوظ، والملائکة الموکلون بحفظ أعمال الإنسان یستنسخونها من ذلک اللوح المحفوظ.

إلاّ أنّ هذا المعنى لا یتلاءم کثیراً مع الآیة مورد البحث، بل الملائم أحد معنیین هما: إمّا أن یکون الإستنساخ هنا بمعنى أصل الکتابة ـ کما قاله بعض المفسّرین ـ، أو أنّ نفس أعمال الإنسان کالکتاب التکوینی تنسخ عنه الملائکة الحفظة وتصوره، ولذلک فقد ورد فی آیات اُخر من القرآن الکریم التعبیر بالکتابة بدل الإستنساخ، کما نقرأ ذلک فی الآیة 12 من سورة یس: (إنّا نحن نحیی الموتى ونکتب ما قدّموا وآثارهم)(3).

وقد ورد تفصیل أوسع حول أنواع الکتب التی تسجل فیها الأعمال ـ صحیفة الأعمال الشخصیة، وصحیفة أعمال الاُمم، والکتاب الجامع العام لکلّ أفراد البشر ـ فی ذیل الآیة 12 من سورة یس.

وتبیّن الآیة التالیة الجلسة الختامیة للمحکمة وإصدار قرار الحکم، حیث تنال کلّ فئة جزاء أعمالها، فتقول: (فأمّا الّذین آ منوا وعملوا الصّالحات فیدخلهم ربّهم فی رحمته).

إن ذکر «فاء التفریع» هنا دلیل على أنّ نتیجة حفظ الأعمال والمحاسبة وتلک المحکمة الإلهیة العادلة، هی دخول المؤمنین فی رحمة الله سبحانه.

وطبقاً لهذه الآیة، فإنّ الإیمان ـ وحده ـ غیر کاف لأنّ یجعل المؤمنین یتنعمون بهذه الموهبة العظیمة والعطیة الجزیلة، بل إنّ العمل الصالح شرط لذلک أیضاً.

والتعبیر بـ «ربّهم» یحکی عن لطف الله الخاص، یکتمل بتعبیر «الرحمة» بدل «الجنّة».

وتبلغ بهم نهایة الآیة أوج الکمال حینما تقول: (ذلک هو الفوز المبین).

إنّ لـ «رحمة الله» معنى واسعاً یشمل الدنیا والآخرة، وقد أطلقت فی آیات القرآن الکریم على معان کثیرة، فتارة تطلق على مسألة الهدایة، واُخرى على الإنقاذ من قبضة الأعداء، وثالثة على المطر الغزیر المبارک، ورابعة على نعم اُخرى کنعمة النور والظلمة، وأطلقت فی موارد کثیرة على الجنّة ومواهب الله سبحانه فی القیامة.

جملة (ذلک هو الفوز المبین) تکررت مرّة اُخرى فی الآیة 16 من سورة الأنعام، غایة ما هناک أنّ الفوز المبین قیل هناک لاُولئک الذین ینجون من عذاب الله عزَّ وجلّ: (من یصرف عنه یومئذ فقد رحمه وذلک الفوز المبین) أمّا هنا فقد قیلت فیمن دخل الجنّة وفی رحمة الله، وکلاهما فی الواقع فوز عظیم: النجاة من العذاب، والدخول فی مستقر رحمة الله سبحانه.

سؤال: وهنا قد یرد هذا السؤال، وهو: هل أنّ المؤمنین الذین لیس لهم عمل صالح لا  یدخلون الجنّة؟

والجواب: إنّهم یدخلونها لکن بعد أن یروا جزاءهم فی جهنم حتى یطهروا، فإنّ الذین یردون مستقر رحمة الله هذا بعد الحساب مباشرة هم أصحاب العمل الصالح مضافاً إلى إیمانهم، وحسب.

کلمة «الفوز» ـ کما یقول الراغب فی مفرداته ـ تعنی الظفر المقترن بالسلامة، وقد استعملت فی 19 مورداً من آیات القرآن المجید، فوصف الفوز مرّة بالمبین، واُخرى بالکبیر، أمّا فی غالب الآیات فقد وصف بالعظیم. وهو مستعمل عادة فی شأن الجنّة، إلاّ أنّه استعمل فی بعض الموارد فی شأن التوفیق لطاعة الله ومغفرة الذنوب وأمثال ذلک.

وتذکر الآیة الآتیة مصیر من یقع فی الطرف المقابل لاُولئک السابقین، فتقول: (وأمّا الّذین کفروا أفلم تکن آیاتی تتلى علیکم فاستکبرتم وکنتم قوماً مجرمین).

وممّا یلفت النظر أنّ الکلام فی هذه الآیة عن الکفر فقط، وأمّا أعمال السوء التی هی عامل الدخول فی عذاب الله وسببه فلم یجر لها ذکر، وذلک لأنّ الکفر وحده کاف لأنّ یدخل صاحبه العذاب، أو لأنّ التعبیر بالمجرمین فی ذیل الآیة کاف لبیان هذا المعنى.

والنکتة الاُخرى هنا أنّه لم یرد کلام عن عقوبات الجحیم، بل الکلام عن التوبیخ الإلهی لهم وتقریعهم، وهو یعتبر أشد العذاب وأکبره، وتهون معه الجحیم وکلّ عذابها.

وهنا نکتة تستحق الإنتباه، وهی: أنّه یستفاد من هذه الآیة أنّ الله سبحانه لن یعذب أحداً من دون أن یبعث الأنبیاء ویرسل الرسل وینزل آیاته ـ أو کما یصطلح علیه تأکید أحکام العقل بأحکام الشرع ـ وهذا منتهى لطفه ورحمته سبحانه.

وآخر ملاحظة هی أنّ أکبر مشاکل هؤلاء القوم هو استکبارهم على آیات الله من جهة، وتمادیهم فی المعصیة والإجرام من جهة اُخرى، وهذا یستفاد من جملة (وکنتم قوماً مجرمین).


1. الکهف، 49.
2. احتمل بعض المفسّرین أن یکون المراد من الکتاب فی الآیة أعلاه، هو الکتاب السماوی الذی أنزل على تلک الاُمة. إلاّ أنّ ظاهر الآیة یدل على أنّه صحیفة الأعمال، خاصة بملاحظة الآیة التالیة، وأکثر المفسّرین على ذلک أیضاً.
3. ورد فی روایة عن أمیر المؤمنین علی (علیه السلام): «إن لله ملائکة ینزلون کلّ یوم یکتبون فیه أعمال بنی آدم». ویقول الشیخ الطوسی فی تفسیر التبیان، ج 9، ص 260، ذیل الآیة مورد البحث بعد نقل هذه الروایة: ومعنى نستنسخ نستکتب الحفظة ما یستحقونه من ثواب وعقاب، ونلقی ما عداه ممّا أثبته الحفظة، لأنّهم یثبتونه جمیعاً.
سورة الجاثیة / الآیة 26 ـ 31 سورة الجاثیة / الآیة 32 ـ 37
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma