إذا کان نبیاً فلم لا یملک أسورة من ذهب؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الزّخرف / الآیة 51 ـ 56 سورة الزّخرف / الآیة 57 ـ 62

لقد ترک منطق موسى(علیه السلام) من جهة، ومعجزاته المختلفة من جهة اُخرى، والإبتلاءات والمصائب التی نزلت على رؤوس أهل مصر والتی رفعت ببرکة دعاء موسى(علیه السلام) من جهة ثالثة، أثراً عمیقاً فی ذلک المحیط، وزعزعت أفکار الناس واعتقادهم بفرعون، ووضعت کل نظامهم الاجتماعی والدینی موضع سؤال واستفسار.

هنا أراد فرعون بسفسطته ومغالطته أن یمنع نفوذ موسى(علیه السلام) عن التأثیر فی أفکار شعب مصر، فالتجأ إلى القیم الواهیة المنحطة التی کانت حاکمة فی ذلک المحیط، وقارن بینه وبین موسى(علیه السلام) من خلال هذه القیم لیبدو متفوقاً على موسى، کما یذکر ذلک القرآن الکریم حیث یقول: (ونادى فرعون فی قومه قال یا قوم ألیس لی ملک مصر وهذه الأنهار تجری من تحتی أفلا تبصرون)(1).

أمّا موسى فماذا یملک؟ لا شیء سوى عصا ولباس صوف! فلمن الشأن الرفیع والمکانة السامیة، له أم لی؟ أهو یقول الحق أم أنا؟ افتحوا عیونکم جیداً وتأمّلوا دقیقاً فی المسألة..

وبهذا فقد عظّم فرعون القیم المبتدعة السیئة، وجعل المال والمقام والجاه هی معاییر الإنسانیة، کما هو الحال بالنسبة إلى عبدة الأصنام فی عصر الجاهلیة فی موقفهم أمام نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله).

التعبیر بـ «نادى» یوحی بأن فرعون عقد مجلساً عظیماً لخبراء البلد ومستشاریه، وخاطبهم جمیعاً بصوت عال فقال ما قال، أو أنّه أمر أن یوزع نداؤه کرسالة فی جمیع أنحاء البلاد.

والتعبیر بالأنهار، المراد منه نهر النیل، بسبب أن هذا النهر العظیم کالبحر المترامی الأطراف، وکان یتشعب إلى فروع کثیرة تروی کل المناطق العامرة فی مصر.

وقال بعض المفسّرین: کان لنهر النیل 360 فرعاً، وکان أهمها: نهر الملک، ونهر طولون، ونهر دمیاط، ونهر تنیس.

أمّا لماذا یؤکّد فرعون على نهر النیل خاصّة؟ فذلک لأنّ کل عمران مصر وثروتها وقوتها وتطورها کان یستمد طاقته من النیل، من هنا فإنّ فرعون کان یُدِلّ به، ویفتخر به على موسى.

والتعبیر بـ (تجری من تحتی) لا یعنی أنّ نهر النیل یمر من تحت قصری، کما قال ذلک جمع من المفسّرین، لأنّ نهر النیل کان أعظم من أن یمرّ من تحت قصر فرعون ولو کان المراد أنّه یمرّ بمحاذاة قصره، فإنّ کثیراً من قصور مصر کانت على هذه الحال، وکان أغلب العمران على حافتی هذا الشط العظیم، بل المراد أنّ هذا النهر تحت أمری، ونظام تقسیمه على المزارع والمساکن حسب التعلیمات التی أریدها.

ثمّ یضیف: (أم أنا خیر من هذا الّذی هو مهین ولا یکاد یبین)(2) وبهذا یکون قد خص نفسه بافتخارین عظیمین ـ حکومة مصر، وملک النیل ـ، وذکر لموسى نقطتی ضعف: الفقر ولکنة اللسان.

هذا فی الوقت الذی لم یکن بموسى أیة لکنة فی اللسان، لأنّ الله تعالى قد استجاب دعاءه، ورفع عنه عقدة لسانه، لأنّه سأل ربّه عند البعثة أن: (واحلل عقدة من لسانی)(3)، ومن المسلّم أنّ دعاءه قد استجیب، والقرآن شاهد على ذلک أیضاً.

ولیس عیباً عدم امتلاک الثروة الکثیرة، والألبسة الفاخرة، والقصور المزینة، والتی تحصل عادة عن طریق ظلم المحرومین والجور علیهم، بل هو فخر وکرامة وسمو.

إنّ التعبیر بـ «مهین» لعله إشارة إلى الطبقات الاجتماعیّة فی ذلک الزمان، حیث کانوا یظنون أن الأشراف الأقویاء والأثریاء طبقة متعالیة، والکادحین الفقراء طبقة واطئة، أو أنّه إشارة إلى أصل موسى حیث کان من بنی إسرائیل، وکان الأقباط یرون أنهم ساداتهم وکبراؤهم.

ثمّ تشبث فرعون بذریعتین أخریین، فقال: (فلولا اُلقی علیه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائکة مقترنین)(4) فلو أنّ الله قد جعله رسوله فلماذا لم یعطه أساور من ذهب، ومعاونین له کباقی الرسل؟

یقال: إنّ الفراعنة کانوا یعتقدون أنّ الرؤساء یجب أن یزینوا أنفسهم بالأساور والقلائد الذهبیة، ولذلک فإنّهم یتعجبون من موسى إذ لم یکن معه مثل آلات الزینة هذه، بل کان قد لبس بدل ذلک ملابس الرعی الصوفیة، وهذا هو حال المجتمع الذی یکون معیار تقییم الشخصیة فی نظره الذهب والفضة وأدوات الزینة.

أمّا أنبیاء الله فإنّهم بطرحهم هذه المسائل ـ بالذات ـ جانباً کانوا یریدون أن یبطلوا هذه المقاییس الکاذبة، وأن یزرعوا محلها القیم الإنسانیة الأصیلة ـ أی العلم والتقوى والطهارة ـ لأنّ نظام القیم إذا لم یُصلح فی مجتمع فسوف لن یرى ذلک المجتمع وجه السعادة أبداً.

على أیة حال، فإنّ ذریعة فرعون هذه تشبه الذریعة التی نقلت عن مشرکی مکّة قبل عدّة آیات حیث کانوا یقولون: لِمَ لَم ینزل القرآن على عظیم من مکّة والطائف؟!

والحجّة الثانیة هی تلک الحجّة المعروفة التی کانت تطرحها کثیر من الاُمم الضالة العاصیة فی مواجهة الأنبیاء، فکانوا یقولون أحیاناً: لماذا أرسل الله بشراً ولیس ملکاً؟ وأحیاناً اُخرى: إذا کان إنساناً فلماذا لم یأت معه ملک؟

فی حین أنّ الرسل المبعوثین إلى البشر یجب أن یکونوا من جنسهم لیلمسوا حاجاتهم، ویحسوا بمشاکلهم ومسائلهم ویجیبوهم، ولیقدروا على أن یکونوا من الناحیة العملیة قدوة وأسوة لهم(5).

ویلزم أن نذکر هنا أن «الأسورة» جمع سوار، سواء کان من الذهب أم من الفضة.

وتشیر الآیة التالیة إلى نکتة لطیفة، وهی: إنّ فرعون لم یکن غافلاً عن واقع الأمر تماماً، وکان ملتفتاً إلى أن لا قیمة لهذه القیم والمعاییر، إلاّ أنّه: (فاستخفّ قومه فأطاعوه).

إنّ طریقة کل الحکومات الجبارة الفاسدة من أجل الإستمرار فی تحقیق أهدافها وأنانیاتها، هی الإبقاء على الناس فی مستوى مترد من الفکر والثقافة والوعی، وتسعى إلى ترکهم حمقى لا یعون ما حولهم باستخدام أنواع الوسائل، فتجعلهم غرقى فی حالة من الغفلة عن الوقائع والأحداث والحقائق، وتنصب لهم قیماً وموازین کاذبة منحطة بدلاً من الموازین الحقیقیة، کما تمارس عملیة غسل دماغ تام متواصل لهذه الشعوب، وذلک لأن یقظتها ووعیها، وتنامی رشدها الفکری یشکل أعظم خطر على الحکومات، ویعتبر أکبر عدو للحکومات المستبدة، فهذا الوعی بمثابة مارد یجب أن تحاربه بکل ما أوتیت من قوّة.

إنّ هذا الأسلوب الفرعونی ـ أی استخفاف العقول ـ حاکم على کل المجتمعات الفاسدة فی عصرنا الحاضر، بکل قوّة واستحکام، وإذا کان تحت تصرف فرعون وسائل محدودة توصله إلى نیل هدفه، فإنّ طواغیت الیوم یستخفون عقول الشعوب بواسطة وسائل الإتصال الجماعیة، الصحف والمطبوعات، شبکات الرادیو والتلفزیون، أنواع الأفلام، بل وحتى الریاضة فی قالب الانحراف، وابتداع أنواع الأسالیب المضحکة المستهجنة، لتغرق هذه الشعوب فی بحر الغفلة، فیطیعوهم ویستسلموا لهم، ولهذا کانت المسؤولیة الملقاة على عاتق علماء الدین والملتزمین به ـ والذین یحیون خط الأنبیاء الفکری والعقائدی ـ ثقیلة فی محاربة برامج استخفاف العقول، فهی من أهم واجباتهم.

والطریف أنّ الآیة المذکورة تنتهی بجملة: (إنّهم کانوا قوماً فاسقین)، إشارة إلى أنّ هؤلاء القوم الضالین لو لم یکونوا فاسقین ومتمردین على طاعة الله عزَّوجلّ وحکم العقل، لما کانوا یستسلمون لمثل هذه الدعایات والخزعبلات ویصغون إلیها، فهم قد هیؤوا أسباب ضلالهم بأیدیهم، ولذلک فإنّهم لیسوا معذورین فی هذا الضلال أبداً.

صحیح أنّ فرعون قد سرق عقول هؤلاء وحملهم على طاعته، إلاّ أنّهم قد أعانوه على هذه السرقة باتباعهم الأعمى له.

نعم، کان هؤلاء قوماً فاسقین یتبعون فاسقاً.

کانت هذه جنایات فرعون وآل فرعون ومغالطاتهم فی مواجهة رسول الله موسى(علیه السلام)، لکننا نرى الآن إلى أین وصلت عاقبة أمرهم بعد کل هذا الوعظ والإرشاد وإتمام الحجج من طرق مختلفة، إذ لم یسملوا للحق:

تقول الآیة: (فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعین) فقد اختار الله سبحانه لهؤلاء عقوبة الإغراق بالخصوص من بین کل العقوبات، وذلک لأنّ کلّ عزّتهم وشوکتهم وافتخارهم وقوّتهم کانت بنهر النیل العظیم وفروعه الکثیرة الکبیرة، والذی کان فرعون یؤکّد علیه من بین کل مصادر قوته، إذ قال: (ألیس لی ملک مصر وهذه الأنهار تجری من تحتی

نعم، یجب أن یکون مصدر حیاتهم وقوّتهم، سبب هلاکهم وفنائهم، ویکون قبراً لهم لیعتبر الآخرون!

«آسفونا» من مادة الأسف، وهو الحزن والغم، ویأتی بمعنى الغضب، بل إنّه یقال للحزن المقترن بالغضب أحیاناً ـ على قول الراغب فی مفرداته(6) ـ وقد یقال لکل منهما على الإنفراد. وحقیقته ثوران دم القلب، شهوة الإنتقام، فمتى کان ذلک على من دونه انتشر فصار غضباً، ومتى کان على من فوقه انقبض فصار حزناً، ولذلک سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال: «مخرجهما واحد واللفظ مختلف».

وفسّر بعضهم «آسفونا» بـ (آسفوا رسلن)، إلاّ أن هذا التّفسیر یبدو بعیداً، ولا ضرورة لمثل هذا الخلاف الظاهری.

وهنا نکتة تستحق الإنتباه، وهی أنّه لا معنى للحزن والغم بالنسبة إلى الله سبحانه، ولا الغضب بالمعنى المتعارف بیننا، بل إنّ غضب الله یعنی «إرادة العقاب»، ورضاه یعنی «إرادة الثواب».

وتقول الآیة الأخیرة کاستخلاص لنتیجة مجموع ما مر من کلام: (فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرین).

«السلف» فی اللغة یعنی کل شیء متقدم، ولذلک یقال للأجیال السابقة: سلف، وللأجیال الآتیة: خلف، ویسمّون المعاملات التی تتمّ قبل الشراء «سلفاً»، لأنّ ثمن المشتری یدفع من قبل.

والمثل یقال للکلام الدائر بین الناس کعبرة، ولما کانت قصة فرعون والفراعنة ومصیرهم المؤلم عبرة عظمى، فقد ذکرت فی هذه القصة کعبرة للأقوام الآخرین.


1. «الواو» فی جملة (وهذه الأنهار تجری من تحتی) یمکن أن تکون عاطفة على (ملک مصر) ویمکن أن تکون حالیة (تفسیر الکشاف). إلاّ أنّ الاحتمال الأوّل یبدو هو الأنسب.
2. اعتبر جماعة (أم) فی الجملة أعلاه منقطعة، وأنّها بمعنى (بل)، وذهب البعض أنّها متصلة ومتعلقة بجملة (أفلا تبصرون)، وتقدیر الجملة: (أفلا تبصرون أم تبصرون أنا خیر من هذ).
3. طه، 27.
4. جاءت کلمة «مقترنین» هنا بمعنى المتتابعین أو المتعاضدین، وقال البعض: إنّ الإقتران هنا بمعنى التقارن.
5. ورد فی التّفسیر الأمثل، ذیل الآیة 9 من سورة الأنعام بحث مفصل فی هذا الباب.
6. مفردات الراغب، مادة (أسف).
سورة الزّخرف / الآیة 51 ـ 56 سورة الزّخرف / الآیة 57 ـ 62
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma