اُحذّرکم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة فصّلت / الآیة 13 ـ 16 أوّلا: ما هی وسیلة فناء قوم عاد؟

بعد البحث المهم الذی تضمّنته الآیات السابقة حول التوحید ومعرفة الخالق جلّ وعلاه تنذر الآیات ـ التی بین أیدینا ـ المعارضین والمعاندین الذین تجاهلوا کلّ هذه الدلائل الواضحة والآیات البینات، وتحذّرهم أنّ نتیجة الإعراض، نزول العذاب بهم، یقول تعالى: (فإن أعرضوا فقل أنذرتکم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)(1).

علیکم أن تخافوا هذه الصاعقة الممیتة المحرقة التی إذا نزلت بساحتکم تفنیکم وتحلّ بدارکم الدمار.

لاحظنا فی بدایة هذه السورة المبارکة أنّ بعض زعماء الشرک فی مکّة مثل «الولید بن المغیرة» وبروایة اُخرى «عتبة بن ربیعة» جاءوا إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) للتحقیق حول القرآن ودعوة الرّسول وطرحوا علیه بعض الأسئلة، وفی سیاق إجابة رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)لهم، تلا علیهم الآیات الاُولى من هذه السورة، وعندما وصل النّبی فی تلاوته إلى الآیات أعلاه وهدّدهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، ارتعشت أجسادهم واُصیبوا بالخوف بحیث إنّهم لم یکونوا قادرین على الاستمرار فی الکلام، لذلک عادوا إلى قومهم وذکروا لهم تأثّرهم العمیق واضطرابهم ووجلهم من هذه الکلمات.

«الصاعقة» کما یقول الراغب فی المفردات، تعنی الصوت المهیب فی السماء، ویشتمل على النّار أو الموت أو العذاب. (ولهذا السبب تطلق الصاعقة على الموت أحیاناً، وعلى النّار فی أحیان اُخرى).

والصاعقة ـ وفقاً للتحقیقات العلمیة الراهنة ـ هی شرارة کهربائیة عظیمة تحدث بین مجموعة من الغیوم التی تحمل الشحنات الکهربائیة الموجبة، وبین الأرض التی تکون شحنتها «سالبة» وتصیب عادة قمم الجبال والأشجار وأىّ شیء مرتفع، وفی الصحاری المسطحة تصیب الإنسان والأنعام، کما أنّ حرارتها شدیدة للغایة بحیث إنّها تحیل أىّ شیء تصیبه إلى رماد، وتحدث صوتاً مهیباً وهزّة أرضیة قویة فی المکان الذی تضربه.

الله تبارک وتعالى ـ کما تنص على ذلک آیات القرآن ـ عاقب بعض الأقوام الأشقیاء من الاُمم السابقة بالصاعقة.

والطریف هنا أنّ عالم الیوم برغم التقدّم الهائل فی العلوم، بقی عاجزاً عن اکتشاف وسیلة لمنع الصاعقة.

وسیبقى هذا السؤال: لماذا ذکرهنا قوم عاد وثمود من بین جمیع الأقوام السابقة؟

السبب یعود إلى أنّ العرب کانوا على اطّلاع بخبر اُولئک الأقوام، وکانوا قد شاهدوا بأعینهم آثار مدنهم المدّمرة، إضافة إلى أنّهم کانوا یعرفون أخطار الصواعق، لأنّهم یعیشون فی الصحراء والبادیة.

یواصل الحدیث القرآنی سیاقه بالقول: (إذ جاءتهم الرّسل من بین أیدیهم ومن خلفهم ألاّ تعبدوا إلاّ الله).

إنّ استخدام تعبیر (من بین أیدیهم ومن خلفهم) هو إشارة إلى ما ذکرناه أعلاه من أنّ الأنبیاء قد استخدموا جمیع الوسائل والأسالیب لهدایتهم، وحاولوا طرق کلّ الأبواب حتى ینفذوا إلى قلوبهم المظلمة.

وقد یکون التعبیر إشارة إلى الأنبیاء الذین بعثوا خلال أزمنة مختلفة إلى هؤلاء الأقوام، وطرحوا علیهم نداء التوحید.

لکن لنرى ماذا کان جوابهم حیال هذه الجهود العظیمة الواسعة لرسل الله تعالى؟

یقول تعالى: (قالوا لو شاء ربّنا لأنزل ملائکة) لإبلاغ رسالته بدلا من إرسال الناس.

والآن وما دام الأمر کذلک: (فإنّا بما أرسلتم به کافرون). وما جئتم به  لا  نعتبره من الله!

إنّ مفهوم هذا الکلام لا یعنی إیمان هؤلاء بأنّ هؤلاء رسل الله حقّاً، وأنّهم  لا یؤمنون بهم، وإنّما مفهوم الکلام رفض هؤلاء دعوة الرسل فی أنّهم مبلّغوا رسالات الله من الأساس، حیث حملوهم على الکذب والادّعاء. (ذلک فإنّ جملة (بما أرسلتم به )هی للإستهزاء أو السخریة، أو أن یکون المقصود بها هو: طبقاً لإدّعائکم بأنّکم رسل الله تبلغون عنه).

إنّها نفس الذریعة التی ینقلها القرآن مراراً على لسان منکری النبوات ورسالات الله ومکذبی الرسل، من الذین کانوا یتوقعون أن یکون الأنبیاء دائماً ملائکة، وکأنّما البشر لا یستحقون مثل هذا المقام.

مثال ذلک قولهم فی الآیة 7 من سورة الفرقان: (وقالوا مال هذا الرّسول یأکل الطّعام ویمشی فی الأسواق لولا اُنزل إلیه ملک فیکون معه نذیر).

إنّ قائد البشر یجب أن یکون من صنف البشر، کی یعرف مشاکل الإنسان واحتیاجاته ویحس آلامهم ویتفاعل مع قضایاهم، وکی یستطیع أن یکون القدوة والاُسوة، لذلک یصرّح القرآن فی الآیة 9 من سورة «الأنعام» بقوله تعالى: (ولو جعلناه ملکاً لجعلناه رجل).

بعد المجمل الذی بیّنته الآیات أعلاه، تعود الآیات الآن ـ کما هو اُسلوب القرآن الکریم ـ إلى تفصیل ما اُوجز من خبر قوم عاد وثمود، فتقول: (فأما عاد فاستکبروا فی الأرض بغیر الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوّة).

إنّ هؤلاء القوم کانوا یعیشون فی أرض «الأحقاف» من (حضرموت) جنوب الجزیرة العربیة، وکانوا یتّصفون بوضع استثنائی فرید من حیث القوّة الجسمانیة والمالیة والتمدّن المادی، فکانوا یبنون القصور الجمیلة والقلاع المحکمة، خاصة فی الأماکن المرتفعة حیث یرمز ذلک إلى قدرتهم ویکون وسیلة لإستعلائهم.

لقد کانوا رجالا مقاتلین أشدّاء، فاُصیبوا بالغرور بسبب قدراتهم الظاهریة ومجدهم المادی، حتى ظنّوا أنّهم أفضل من الجمیع، وأنّ قوّتهم لا تقهر، ولذلک قاموا بتکذیب الرسل والإنکار علیهم، وتکالبوا على نبیّهم «هود».

لکن القرآن یردّ على هؤلاء ودعواهم بالقول: (أو لم یروا أنّ الله الّذی خلقهم هو أشدّ منهم قوّة).

ألیس الذی خلقهم خلق السماوات والأرض؟

بل هل یمکن المقایسة بین هاتین القدرتین، فأین القدرة المحدودة الفانیة من القدرة المطلقة اللامتناهیة الأزلیة؟!

ما للتراب وربّ الأرباب(2)؟!

تضیف الآیة فی النهایة قوله تعالى: (وکانوا بآیاتنا یجحدون).

نعم، إنّ الإنسان الضعیف المحدود سوف یطغى بمجرّد أن یشعر بقلیل من القدرة والقوّة، وأحیاناً بدافع من جهله، فیتوهم أنّه یصارع الله جلّ وعلا!!

لکن ما أسهل أن یبدل الله عوامل حیاته إلى موت ودمار، کما تخبرنا الآیة عن مآل قوم عاد: (فأرسلنا علیهم ریحاً صرصراً فی أیّام نحسات لنذیقهم عذاب الخزی فی الحیوة الدّنی).

إنّ هذه الریح الصرصر، وکما تصرّح بذلک آیات اُخرى، کانت تقتلعهم من الأرض بقوّة ثمّ ترطمهم بها، بحیث أصبحوا کأعجاز النخل الخاویة. (یلاحظ الوصف فی سورة «القمر» الآیة 19ـ20 وسورة الحاقة الآیة 6 فما بعد).

لقد استمرت هذه الریح سبع لیال وثمانیة أیّام، وحطّمت کیانهم وکل وسائل عیشهم، نکالا بما رکبوا من حماقة وعلو وغرور، ولم یبق منهم سوى أطلال تلک القصور العظیمة، وآثار تلک الحیاة المرفّهة.

هذا فی الدنیا، وهناک فی الآخرة: (ولعذاب الآخرة أخزى).

إنّ العذاب الدنیوی هو فی الواقع کالشرارة فی مقابل بحر لجّی من النّار فی عذاب الآخرة.

والأنکى من ذلک أن لیس هناک من ینصرهم: (وهم لا ینصرون).

فبعد عمر من الجد والعمل فی سبیل التظاهر بالعظمة والعلو، یصیبهم الله تعالى بعذاب أذلّهم فی هذه الدنیا، وفی العالم الآخر ینتظرهم ما هم أشدّ وأصعب!

«صرصر»: على وزن (دفتر) مشتقّة فی الأصل من کلمة «صُرّ» على وزن «شرّ» وتعنی الغلق بإحکام، لذا تستعمل کلمة «صرّه» للکیس الذی یحتوی على المال وهو مغلق بشکل جیّد، ثمّ اُطلقت على الریاح الباردة جداً، أو التی فیها صوت عال، أو الریاح المسمومة القاتلة، وقد تکون الریاح العجیبة التی شملت قوم «عاد» تحمل کلّ هذه الصفات جمیعاً.

(أیّام نحسات) تعنی الأیام المشؤومة التی اعتبرها البعض بأنّها الأیّام الملیئة بالتراب والغبار، أو الأیّام الباردة جداً، وهذه المعانی یمکن أن تکون مرادة من الآیات التی نحن بصددها.

لقد أشار أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام) فی خطب نهج البلاغة إلى قصة عاد، کی تکون درساً أخلاقیاً تربویاً یتعظ منه الآخرون. یقول(علیه السلام): «واتعظوا فیها بالذین قالوا: من أشدّ منّا قوّة؟ حملوا إلى قبورهم، فلا یدعون رکباناً، وأنزلوا الأجداث فلا یدعون ضیفاناً، وجعل لهم من الصفیح أجنان، ومن التراب أکفان، ومن الرفات جیران»(3).


1. «الفاء» فی (فإن اعرضو) هی «فاء التفریع» کما قیل، بناءاً على ذلک فإنّ هذا الإنذار الحاسم یعتبر فرعاً ونتیجة للإعراض عن الآیات التوحیدیة السابقة.
2. إنّ هذا التعبیر یشبه فی الواقع جملة: «الله أکبر» حیث تقوم بتعریف الله (جلّ وعل) بأنّه أعظم وأکبر من جمیع الموجودات، ذلک أنّنا نعلم أن لا قیاس بین الإثنین (التراب ورب الأرباب) ولکن الله یتحدّث إلینا بلساننا، لذلک نرى أمثال هذه الألفاظ والتعابیر فی کلامه تعالى
3. نهج البلاغة، الخطبة 111.
سورة فصّلت / الآیة 13 ـ 16 أوّلا: ما هی وسیلة فناء قوم عاد؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma