لاینفع الإیمان عند نزول العذاب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 82 ـ 85 المغرورون بالعلم!

هذه الآیات هی آخر مجموعة من سورة المؤمن، ونستطیع أن نعتبرها نوعاً من الاستنتاج للبحوث السابقة، فبعد بیان کلّ الآیات الإلهیّة فی الآفاق والأنفس، وکل تلک المواعظ اللطیفة التی تحدّثت عن المعاد، ومحکمة البعث الکبیرة، هددت هذه الآیات الکافرین المستکبرین والمنکرین المعاندین تهدیداً شدیداً، وواجهتهم بالمنطق والإستدلال، وأوضحت لهم عاقبة أعمالهم.

فأوّلا تقول: (أفلم یسیروا فی الأرض فینظروا کیف کان عاقبة الّذین من قبلهم).

فإذا کان عندهم شک فی صحة التاریخ المدوّن على الأوراق، فهل عندهم شک فیما یلمسونه من الآثار الموجودة على سطح الأرض، من القصور الخربة للملوک، والعظام النخرة تحت التراب، أو المدن التی أصابها البلاء والعذاب وبقیت آثارها شاهدة على ما جرى علیها؟!

فاُولئک: (کانوا أکثر منهم وأشدّ قوّة وآثاراً فی الأرض). حیث یمکن معرفة عددهم وقوّتهم من آثارهم المتمثلة فی قبورهم وقصورهم ومدنهم.

عبارة: (آثاراً فی الأرض) ـ سبق تفسیرها فی الآیة 21 من نفس السورة ـ لعلها إشارة إلى تقدّمهم الزراعی ـ کما جاء فی الآیة 9 من سورة الروم ـ أو إشارة إلى البناء العظیم للأقوام السابقین فی قلب الجبال والسهول(1).

ومع هذه القوّة والعظمة التی کانوا یتمتعون بها، فإنّهم لم یستطیعوا مواجهة العذاب الإلهی: (فما أغنى عنهم ما کانوا یکسبون)(2).

بل إنّ کلّ قواهم وقدراتهم اُبیدت خلال لحظات قصیرة، حیث خربت القصور وهلکت الجیوش التی کان یلوذ بها الظالمون... وسقطوا کما تسقط أوراق الخریف، أو اُغرقوا فی خضم الأمواج العاتیة.

فإذا کان هذا هو مصیر اُولئک السابقین مع کلّ مالدیهم، فبأىّ مصیرـ یا ترى ـ یفکّر مشرکو مکّة وهم أقل من اُولئک؟!

الآیة التی بعدها تنتقل للحدیث عن تعاملهم مع الأنبیاء ومعاجز الرسل البیّنة، حیث یقول تعالى: (فلمّا جاءتهم رسلهم بالبیّنات فرحوا بما عندهم من العلم)(3) أی إنّهم فرحوا بما عندهم من المعلومات والأخبار، وصرفوا وجوههم عن الأنبیاء وأدلتهم.وکان هذا الأمر سبباً لأن ینزل بهم العذاب الالهی: (وحاق بهم ما کانوا به یستهزئون).

وذکر المفسّرون احتمالات عدیدة عن حقیقة العلم الذی کان عندهم، والذی اغترّوا به وشعروا معه بعدم الحاجة إلى تعلیمات الأنبیاء، والاحتمالات هذه هی:

أوّلا: لقد کانوا یظنون أنّ الشبهات الواهیة والسفسطة الفارغة هی العلم، ویعتمدون علیها. لقد ذکر القرآن الکریم أمثلة متعدّدة لهذا الاحتمال، کما فی قوله تعالى: (من یحیی العظام وهی رمیم)(4) والآیة حکایة على لسانهم.

وممّا حکاه القرآن عنهم أیضاً، قوله تعالى: (أئذا ضللنا فی الأرض أئنّا لفی خلق جدید)(5).

وقولهم فی الآیة 24 من سورة الجاثیة: (ما هی إلاّ حیاتنا الدّنیا نموت ونحیا وما یهلکنا إلاّ الدّهر).

وهناک أمثلة اُخرى لإدعاءاتهم.

ثانیاً: المقصود بها العلوم المرتبطة بالدنیا وتدبیر اُمور الحیاة، کما کان یدّعی «قارون» حیث یحکی عنه القرآن الکریم فی قوله تعالى: (إنّما اُوتیته على علم عندی)(6).

ثالثاً: المقصود بها العلوم ذات الأدلة العقلیة والفلسفیة، حیث کان یعتقد البعض ممن یمتلک هذه العلوم أن لا حاجة له للأنبیاء، وبالتالی فهو لا ینصاع لنبوّاتهم ودلائل إعجازهم.

التفاسیر الآنفة الذکر لا تتعارض فیما بینها، لأنّها جمیعاً تقصد اعتماد البشر على ما لدیهم، واستعلاءهم بهذه «المعرفة» على دعوات الرسل ومعاجز الأنبیاء، بل واندفع هؤلاء حتى إلى السخریة بالوحی والمعارف السماویة .

لکن القرآن الکریم یذکر مآل غرور هؤلاء وعلوّهم وتکبّرهم إزاء آیات الله، حینما یقول: (فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا بالله وحده وکفرنا بما کنّا به مشرکین).

ثم تأتی النتیجة سریعاً فی قوله تعالى: (فلم یک ینفعهم إیمانهم لمّا رأوا بأسن).

لماذا؟ لأنّه عند نزول «الإستئصال» تغلق أبواب التوبة، وعادة ما یکون مثل هذا الإیمان إیماناً اضطراریاً لیس له ثمرة الإیمان الاختیاری، إذ أنّه تحقق فی ظل شروط غیر عادیة، لذا من المحتمل جدّاً أن یعود هؤلاء إلى سابق وضعهم عندما ترتفع الشروط الاستثنائیة التی حلّت بهم.

لذلک لم یُقبل من «فرعون» إیمانه وهو فی الأنفاس الأخیرة من حیاته وعند غرقه فی النیل.

وهذا الحکم لا یختص بقوم دون غیرهم، بل هو: (سنّة الله الّتی قد خلت فی عباده).

ثم تنتهی الآیة بقوله تعالى: (وخسر هنالک الکافرون).

ففی ذلک الیوم عندماینزل العذاب بساحتهم، سیفهم هؤلاء بأنّ رصیدهم فی الحیاة الدنیا لم یکن سوى الغرور والظنون والأوهام، فلم یبق لهم من دنیاهم سوى التبعات والعذاب الإلهی الألیم، وهل ثمّة خسران أکبر من هذا؟!

وهکذا تنتهی السورة المبارکة (المؤمن) التی بدأت بوصف حال الکافرین المغرورین، ببیان نهایة هؤلاء وما آل إلیه مصیرهم من العذاب والخسران.


1. کما تذکره الآیات 128 و129 من سورة الشعراء.
2. هناک احتمالان فی (م) فی جملة «ما أغنى» فإمّا نافیة أو استفهامیة، لکن یظهر أنّ الأوّل هو الصحیح، وهناک أیضاً احتمالان فی «ما» فی جملة (ما کانوا یکسبون) فإمّا موصولة أو مصدریة ولکن الأوّل هو المرجح.
3. احتمل البعض أن یعود الضمیر فی (جاءتهم) إلى الأنبیاء، لذا یکون المقصود بالعلوم علوم الأنبیاء، بینما المقصود من (فرحو) هو ضحک واستهزاء الکفّار بعلوم الأنبیاء، لکن هذا التّفسیر احتماله بعید.
4. یس، 78.
5. السجدة، 10.
6. القصص، 78.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 82 ـ 85 المغرورون بالعلم!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma