الکلام الأخیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 41 ـ 46 أوّلا: مؤمن آل فرعون والدرس العظیم فی مواجهة الطواغیت

فی خامس ـ وآخرـ مرحلة یزیل مؤمن آل فرعون الحجب والأستار عن هویته، إذ لم یستطع التکتم ممّا فعل، فقد قال کلّ ما هو ضروری، أمّا القوم من ملأ فرعون، فکان لهم ـ کما سنرى ذلک ـ قرارهم الخطیر بشأنه!

یفهم من خلال القرائن أنّ اُولئک المعاندین والمغرورین لم یسکتوا حیال کلام هذا الرجل الشجاع المؤمن، وإنّما قاموا بطرح «مزایا» الشرک فی مقابل کلامه، ودعوه کذلک إلى عبادة الأصنام.

لذا فقد صرخ قائلا: (و یا قوم مالی أدعوکم إلى النّجاة وتدعوننی إلى النّار).

إنّنی أطلب سعادتکم وأنتم تطلبون شقائی; إنّنی أهدیکم إلى الطریق الواضح الهادی وأنتم تدعوننی إلى الإنحراف والضلال!

نعم، إنّکم: (تدعوننی لأکفر بالله واُشرک به ما لیس لی به علم وأنا أدعوکم إلى العزیز الغفّار).

نستفید من الآیات القرآنیة المختلفة، ومن تاریخ مصر، أنّ هؤلاء القوم لم یقتصروا فی عبادتهم وشرکهم وضلالهم على الفراعنة وحسب، وإنّما کانت لهم أصنام یعبدونها من دون اللّه الواحد القهّار، کما نستفید ذلک بشکل مباشر من قوله تعالى فی الآیة 127 من سورة «الأعراف» حیث قوله تعالى: (أتذر موسى وقومه لیفسدوا فی الأرض ویذرک وآلهتک) والآیة تحکی خطاب أصحاب فرعون والملأ من قومه لفرعون.

وقد تکرّر نفس المضمون على لسان یوسف(علیه السلام)، إذ قال لرفاقه فی سجن الفراعنة: (أأرباب متفرّقون خیر أم الله الواحد القهّار)(1).

لقد ذکّرهم مؤمن آل فرعون من خلال مقارنة واضحة أنّ دعوتهم إلى الشرک لا تستند على دلیل صحیح، والشرک طریق وعر مظلم محفوف بالمخاطر وسوء العاقبة والمصیر، بینما دعوته (مؤمن آل فرعون) دعوة للهدى والرشاد وسلوک طریق الله العزیز الغفّار.

إنّ عبارة (العزیز) و(الغفار) تشیر من جانب إلى مبدأ (الخوف والرجاء) ومن جانب ثان تشیر إلى إلغاء اُلوهیة الأصنام والفراعنة، حیث لا یملکون العزّة ولاالعفو.

ینتقل الخطاب القرآنی ـ على لسان مؤمن آل فرعون ـ إلى قوله تعالى: (لا جرم انّما تدعوننی إلیه لیس له دعوة فی الدّنیا ولا فی الآخرة)(2) فهذه الأصنام لم ترسل الرسل إلى الناس لیدعوهم إلیهم، وهی لا تملک فی الآخرة الحاکمیة على أىّ شیء.

إنّ هذه الموجودات لا تملک الحس والشعور، إنّها أصنام لا تتکلم ولا تضر ولا تنفع، وإنّ علیکم أن تعلموا: (وأنّ مردنا إلى اللّه).

فهو سبحانه وتعالى الذی أرسل رسله إلى الناس لأجل هدایتهم، وهو الذی یثیبهم ویعاقبهم على أعمالهم.

ویجب أن تعلموا أیضاً: (وأنّ المسرفین هم أصحاب النّار).

وهکذا کشف مؤمن آل فرعون ما کان یخفی من إیمانه، وبذلک فقد انکشف هنا خطّه الإیمانی التوحیدی، وانفصل علناً عن خط الشرک الملوّث الذی یصبغ بآثامه وأوحاله الحکّام الفراعنة ومن یلف حولهم، لقد رفض الرجل دعوتهم ووقف لوحده إزاء باطلهم وانحرافهم.

فی آخر کلامه ـ وبتهدید ذی مغزى ـ یقول لهم: (فستذکرون ما أقول لکم).

إنّ ما قلته لکم ستذکرونه فی الدنیا والآخرة، وستعلمون صدقی عندما تصیبکم المصائب، وینزل بساحتکم الغضب الإلهی، لکن سیکون ذلک کلّه بعد فوات الأوان، فإن کان فی الآخرة فلا طریق للرجوع، وإن کان فی الدنیا فهو لایتمّ إلاّ حین یحلّ بکم العذاب الإلهی، وعندها ستغلق جمیع أبواب التوبة.

ثم تضیف الآیة على لسان الرجل المؤمن: (وأفوّض أمری إلى اللّه إنّ الله بصیر بالعباد).

لهذا کلّه لا أخشى تهدیداتکم، ولا أرهب کثرتکم وقوّتکم، ولا تخیفنی وحدتی بین أیدیکم، لأنّی وضعت نفسی بین یدی المطلق ذی القدرة اللامتناهیة، والمحیط علمه بکل شیء، وبأحوال عباده أینما کانوا وحلّوا.

إنّ هذا التعبیر یستبطن فی طیّاته دعاء مهذباً انطلق من الرجل المؤمن الذی وقع أسیراً فی قبضة هؤلاء الأشقیاء الظالمین، لذلک طلب بشکل مؤدّب من خالقه (جلّ وعلا) أن یحمیه بحمایته وینقذه ممّا هو فیه.

الله تبارک وتعالى لم یترک عبده المؤمن المجاهد وحیداً وإنّما: (فوقاه الله سیّئات ما مکرو).

إنّ التعبیر بـ (سیّئات ما مکرو) یفید أنّهم وضعوا خططاً مختلفة ضدّه... ترى ما هی هذه الخطط؟

فی الواقع، إنّ القرآن لم یذکرها بل ترکها مجهولة، لکنّها ـ حتماً ـ لا تخرج عن ألوان العقاب والتعذیب الذی ینزلونه بالرجل قبل أن یحلّ به القتل والإعدام، إلاّ أنّ اللطف الإلهی أبطل مفعولها جمیعاً وأنجاه منهم.

تفید بعض التفاسیر أنّ مؤمن آل فرعون انتهز فرصة مناسبة فالتحق بموسى(علیه السلام)، وعبر البحر مع بنی إسرائیل، وقیل أیضاً: أنّهُ هرب إلى الجبل عندما صدر علیه قرار الموت، وبقی هناک مختفیاً عن الأنظار(3).

ومن الطبیعی أن لا یکون هناک تعارض بین الرأیین، إذ یمکن أن یکون قد هرب إلى الجبل أوّلا، ثمّ التحق ببنی إسرائیل.

وقد یکون من مؤامراتهم علیه، محاولتهم فرض عبادة الأصنام علیه وإخراجه من خط التوحید، إلاّ أنّ الله تبارک وتعالى أنجاه من مکرهم ورسّخ قدمه فی طریق الإیمان والهدى.

أمّا القوم الظالمون فقد کان مصیرهم ما یرسمه لنا القرآن الکریم: (وحاق بآل فرعون سوء العذاب)(4).

إنّ العذاب والعقاب الإلهی ألیم بمجمله، إلاّ أنّ تعبیر «سوء العذاب» یظهر أنّ الله تبارک وتعالى انتخب لهم عذاباً أشدّ إیلاماً من غیره، وهو ما تشیر إلیه الآیة التی بعدها، حیث قوله تعالى: (النّار یعرضون علیها غدوّاً وعشیّ)(5) ثم: (ویوم تقوم السّاعة ادخلوا آل فرعون أشدّ العذاب).

وهنا نلفت النظر إلى الملاحظات الثلاث الآتیة:

أوّلا: استخدام تعبیر (آل فرعون)إشارة إلى العائلة والأنصار والأصحاب الضالین، وعندما یکون هذا هو مصیر الآل، ترى ماذا یکون مصیر نفس فرعون؟

ثانیاً: تقول الآیة: إنّهم یعرضون على النّار صباحاً ومساءً، ثمّ تقول: فی یوم القیامة یکون العذاب أشد ما یمکن، وهذا دلیل على أنّ العذاب الأوّل یختص بعالم البرزخ، وهو ممّا یلی موت الإنسان ومغادرة روحه جسده، ویقع قبل یوم القیامة، إنّ العرض على نار جهنّم یهزّ الانسان ویجعله یرتعد خوفاً وهلعاً.

ثالثاً: إنّ تعبیر بـ (الغدو) و(العشی) قد تکون فیه إشارة إلى استمرار العذاب. أو قد یفید انقطاع العذاب البرزخی لیقتصر على (الغدو) و(العشی) أی الصبح والمساء، وهو الوقت الذی یقترن فی حیاة الفراعنة وأصحابهم مع أوقات لهوهم واستعراضهم لقوّتهم وجبروتهم فی حیاتهم الدنیا.

وینبغی أن لا نتعجب هنا من کلمتی (الغدو) و(العشی) فنسأل: وهل فی البرزخ ثمّة صباح ومساء؟ لأنّ الصبح واللیل موجودان حتى فی یوم القیامة، کما نقرأ فی قوله تعالى: (ولهم رزقهم فیها بکرةً وعشیّ)(6).

وهذا الأمر لا یتعارض مع دوام نعم الجنّة واستمرارها، کما جاء فی الآیة 35 من سورة (الرعد) حیث قوله تعالى: (أکلها دائم وظلّه) حیث یمکن أن تشمل الألطاف الإلهیّة أهل الجنّة فی خصوص هذین الوقتین، بینماتکون نعم الجنّة دائمة باقیة.


1. یوسف، 39.
2. قلنا سابقاً: إنّ «لا جرم»مرکبة من (لا) و(جرم) على وزن (حرم) وهی فی الأصل تعنی القطع واقتطاف الثمر، وهی ککلمة مرکبة تعنی: لا یستطیع أىّ شیء أن یقطع هذا العمل أو یمنعه، لذلک تستخدم بشکل عام بمعنى (حتماً) وتأتی أحیاناً بمعنى القسم.
3. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 818، ذیل الآیة مورد البحث.
4. «حاق» بمعنى أصاب ونزل، ولکن احتملوا أیضاً أن یکون أصلها (حق) فتغیرت إحدى القافین فیها إلى ألف فأصبحت (حاق)] یلاحظ ذلک فی مفردات الراغب کلمة حاق[، ضمناً فإنّ (سوء العذاب) من قبیل إضافة الصفة إلى الموصوف، إذ کانت فی الأصل (العذاب السوء).
5. «النّار» بدل عن (سوء العذاب).
6. مریم، 62.
 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 41 ـ 46 أوّلا: مؤمن آل فرعون والدرس العظیم فی مواجهة الطواغیت
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma