یواجهنا فی الآیات القرآنیة وفی أماکن متعدّدة مؤدّى یفید أنّ المؤمنین المحرومین ینبغی لهم أن لا یتصوروا أنّ الإمکانات الکبیرة والقوى المادیة الواقعة فی حوزة الظالمین والکفار، هی دلیل على سعادتهم، أو شرط لانتصارهم فی نهایة المطاف.
ومن أجل القضاء على هذا التصوّر المنحرف الخاطىء الذی یلازم فی العادة الضعفاء ذوی الأفکار المحدودة والأفق الإیمانی الضیّق، ومن الذین یرون فی إمکانات الخصم دلیلا معنویاً على حقّانیته، فالقرآن یعالج هذه الظاهرة من خلال تفحص واستعراض تاریخ الأقوام السابقة، ویشیر فی استعراضه لهم إلى نماذج واضحة ومعروفة منهم کالفراعنة فی مصر، والنماردة فی بابل، وأقوام نوح وعاد وثمود فی العراق والحجاز والشام، حتى لا یشعر المؤمنون المستضعفون بالضعف والهوان، ولکی لاییأسوا من جدوى المواجهة فی حرب هی سجال بین الطرفین، لکنّها بالوعد الإلهی الحتمی لا بدّ أن تنتهی لصالح أهل الحق.
إنّ القانون الإلهی لا یقضی دائماً بتعجیل العقوبة الآنیة لکل من یرتکب عملا منافیاً، أو لمن یخرج عن جادة الصواب ویحید عن سبیل الرشد، وإنّما الأمر کما تقول الآیة 59 من سورة الکهف، (وجعلنا لمهلکهم مّوعد).
وفی مکان آخر من الکتاب الإلهی العظیم نقرأ قوله تعالى: (فمهّل الکافرین أمهلهم روید)(1).
وفی الآیة 178 من «آل عمران» نلتقی فی هذا المورد مع قوله تعالى:(إنّما نملی لهم لیزدادوا إثم).
نستطیع أن ننهی القول فی أنّ الهدف من هذا «الإمهال» هو إمّا لإتمام الحجة على الکافرین، أو لإختبار المؤمنین، أو قد یکون زیادة فی ذنوب الذین قطعوا جمیع طرق العودة على أنفسهم.
وفی عالمنا الیوم تشبه هذه الحالة الشعور بالدونیة والحقارة الذی تعیشه بعض الشعوب المسلمة المتخلّفة مادیاً إزاء الدول الکبرى والمتقدمة، ولکن ینبغی مکافحة هذا الشعور بشدّة بأسلوب المنطق القرآنی أعلاه.
علاوة على هذا یجب على هؤلاء أن یدرکوا أنّ أشکال التخلّف والحرمان المادی إنّما تعود بدرجة کبیرة إلى ظلم الظالمین، فإذا ما تحطّمت سلاسل الظلم والعبودیة أمکن تجاوز التخلّف بالمثابرة والکدح.
1. الطارق، 17.
