إنّ هذه المسألة تطرح عادةً فی اُصول الفقه، وهی أنّنا لا نستطیع إثبات الحکم الشرعی عن طریق القیاس کقولنا مثلا: (إنّ المرأة الحائض التی یجب أن تقضی صومها یجب أن تقضی صلاتها کذلک) ـ أی یجب أن تکون استنتاجاتنا من الکلّی إلى الجزئی، ولیس العکس ـ وبالرغم من أنّ علماء أهل السنّة قد قبلوا القیاس فی الغالب کأحد مصادر التشریع فی الفقه الإسلامی، فإنّ قسماً منهم یوافقوننا فی مسألة (نفی حجیّة القیاس).
والظریف هنا أنّ بعض مؤیّدی القیاس أرادوا أن یستدلّوا بمقصودهم بالآیة التالیة: (ولقد علمتم النّشأة الاُولى) أی قیسوا النشأة الاُخرى (القیامة) على النشأة الاُولى (الدنیا).
إلاّ أنّ هذا الاستدلال عجیب، لأنّه أوّلا: إنّ المذکور فی الآیة هو استدلال عقلی وقیاس منطقی، ذلک أنّ منکری المعاد کانوا یقولون: کیف تکون لله القدرة على إحیاء العظام النخرة؟ فیجیبهم القرآن الکریم بالمفهوم التالی: إنّ القوّة التی کانت لها القدرة على خلقکم فی البدایة هی نفسها ستکون لها القدرة لخلقکم مرّة ثانیة، فی الوقت الذی لا یکون القیاس الظنّی بالأحکام الشرعیة بهذه الصورة أبداً، لأنّنا لا نحیط بمصالح ومفاسد کلّ الأحکام الشرعیة.
وثانیاً: إنّ من یقول ببطلان القیاس یستثنی قیاس الأولویة، فمثلا یقول تعالى: (فلا تقل لهما اُفّ ولا تنهرهم)(1) ونفهم بطریق أولى ألاّ نؤذیهما من الناحیة البدنیة. والآیة مورد البحث من قبیل قیاس الأولویة ولیس لها ربط بالقیاس الظنّی مورد الخلاف والنزاع، لأنّه لم یکن شیء من المخلوقات فی البدایة، والله عزّوجلّ خلق الوجود من العدم وخلق الإنسان من التراب، ولذا فإنّ إعادة الإنسان إلى الوجود مرّة اُخرى أیسر من خلقه ابتداءاً، وتعکس الآیة الکریمة التالیة هذا المفهوم حیث یقول تعالى: (وهو الّذی یبدأ الخلق ثمّ یعیده وهو أهون علیه).(2)
وننهی حدیثنا هذا بالحدیث التالی: «عجباً کلّ العجب للمکذّب بالنشأة الاُخرى وهو یرى النشأة الاُولى، وعجباً للمصدّق بالنشأة الاُخرى وهو یسعى لدار الغرور»(3).