من الواضح أن لا فاصلة زمانیة بین العلّة التامّة والمعلول، لذلک ورد فی إصطلاح الفلاسفة أن تقدّم العلّة على المعلول أمر رتبی. وبالنسبة إلى الإرادة الإلهیّة فی أمر الإیجاد والخلق والذی هو أوضح مصداق للعلّة التامّة، أو أنّه مصداق وحید للعلّة التامّة یتّضح هذا المعنى أکثر.
ولذلک فإذا فسّروا الآیة: (وما أمرنا إلاّ واحدة) بکلمة (کن) فإنّها من ضیق البیان، وإلاّ فإنّ کلمة (کن) مرکّبة من الکاف والنون، وهی أیضاً تحتاج إلى زمان، حتى (الفاء) فی (فیکون) والتی توضّح نوعاً من الزمان فإنّها من ضیق البیان کذلک، بل حتى تشبیه (کلمح البصر)(1) (2).
وعندما یتحدّث عن الأمر الإلهی فی یوم القیامة ویشبهه بـ (لمح بالبصر) یضیف (أو هو أقرب).
وعلى کلّ حال فإنّ الحدیث هنا عن الزمان حسب التعبیرات الیومیة لنا، وکذلک فإنّ القرآن الکریم یخاطبنا بلغتنا، وإلاّ فإنّ أوامر الله تعالى فوق الزمان.
وضمناً فإنّ التعبیر بـ (واحدة) یمکن أن یکون إشارة لهذا المعنى، وهو أنّ أمراً واحداً یکفی ولا یحتاج إلى تکرار، أو أنّها إشارة إلى أنّ أمره تعالى حول الصغیر والکبیر وحتى خلق السموات الواسعة أجمع لا یختلف عن خلقه لذرّة التراب.
وفی الأصل فإنّ الکبیر والصغیر والسهل الصعب یکون فی مقاییسنا الفکریة المحدودة وقدرتنا الضئیلة، أمّا عندما یکون الحدیث عن القدرة الإلهیّة العظیمة فإنّ هذه المفاهیم تتلاشى تماماً، ویصبح الکلّ بلون واحد وشکل واحد، (فتدبّر).
ویطرح هنا «سؤال»: وهو إذا صحّ معنى الجملة أعلاه وهو أنّ کلّ شیء یوجد آناً (فی الآن) فإنّ هذا الأمر لا یتناسب مع مشاهدة التدرّج فی حوادث العالم.
ویتّضح «الجواب» عندما نلاحظ هذه النقطة، وهی أنّ أمره تعالى فی کلّ مکان وکلّ شیء هو (کلمة واحدة) والتی تکون أسرع من لمح البصر، ولکن محتوى الأمر الإلهی متفاوت ومختلف، فإذا صدر الأمر الإلهی للجنین أن یکمل دورته تسعة أشهر، فلن تزید وتنقص لحظة واحدة، والفوریة هنا هی أن یکمل الجنین الدورة فی نهایة المدّة المحدّدة، ولو اُعطی أمر للکرة الأرضیة أن تدور فی کلّ أربع وعشرین ساعة مرّة حول نفسها؟ فإنّ هذا الأمر غیر قابل للتخلّف، وبتعبیر آخر فإنّ تنفیذ أمره تعالى لا یحتاج إلى أیّ وقت زمانی، والموجود هنا هو محتوى الأمر، ومن خلال معرفة السنّة التدریجیة للعالم المادّی وخاصیّته وطبیعة الحرکة ـ نلاحظ أنّها تتأثّر بالزمان.
1. «لمح» على وزن «مسح» والأصل بمعنى لمعان البرق ثمّ جاءت بمعنى النظر السریع.
2. النحل، 77.
