العقوبات المؤلمة لأصحاب الشمال:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الواقعة / الآیة 41 ـ 50 سورة الواقعة / الآیة 51 ـ 56

بعد الاستعراض الذی مرّ بنا حول النعم والهبات العظیمة التی منحها الله سبحانه للمقرّبین من عباده ولأصحاب الیمین من أولیائه، یتطرّق الآن إلى ذکر المجموعة الثالثة (أصحاب الشّمال) والعذاب المؤلم والعاقبة السیّئة التی حلّت بهم، فی عملیة مقارنة لوضع المجموعات الثلاثة حیث یقول الباریء: (وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال).

أصحاب الشمال هم الذین یستلمون صحائف أعمالهم بأیدیهم الیسرى إشارة إلى سوء عاقبتهم، وأنّهم من أهل المعاصی والذنوب، وممّن تکون النار مصیراً لهم، ویستعمل هذا التعبیر عادةً لبیان (حسن) أو (سوء) نهایة الإنسان کما فی قولنا: السعادة أقبلت علینا یا لها من سعادة!. أو المصیبة داهمتنا یا لها من مصیبة. وکذلک فی قوله تعالى: (وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال).

ثمّ یشیر سبحانه إلى ثلاثة أنواع من العقوبات التی یواجهونها، الهواء الحارق القاتل من جهة (فی سموم) والماء المغلی المهلک من جهة اُخرى (وحمیم)، وظلّ الدخان الخانق الحارّ من جهة ثالثة (وظلّ من یحموم) هذه الألوان من العذاب تحاصرهم وتطوقهم وتسلب منهم الصبر والقدرة... إنّها آلام وعذاب لا یطاق، ولو لم یکن غیره من جزاء لکفاهم.

«سموم»: من مادّة (سمّ) بمعنى الهواء الحارق الذی یدخل فی مسام الجلد فتهلکهم، (ویقال للسمّ سمّاً لأنّه ینفذ فی جمیع خلایا الجسم).

و «حمیم»: بمعنى الشیء الحارّ، وهنا جاء بمعنى الماء الحارق والذی اُشیر له فی آیات قرآنیة سابقة کما فی قوله تعالى (یصبّ من فوق رؤوسهم الحمیم).(1)

«یحموم»: من نفس المادّة أیضاً، وهنا بمناسبة الظلّ فسّرت الکلمة بمعنى الظلّ الغلیظ الأسود والحارّ.

ثمّ یضیف الباریء مؤکّداً فیقول: (لا بارد ولا کریم).

المظلّة عادةً تحمی الإنسان من الشمس والمطر والهواء ولها منافع اُخرى، والظلّ المشار إلیه فی الآیة الکریمة لیس له من هذه الفوائد شیء یذکر.

والتعبیر بـ (کریم) من مادّة (کرامة) بمعنى مفید فائدة، ولذلک فإنّ المتعارف بین العرب إذا أرادوا أن یعرفوا شیئاً أو شخصاً بانّه غیر مفید یقولون (لا کرامة فیه).

ومن الطبیعی أنّ مظلّة من الدخان الأسود الخانق لا ینتظر منها إلاّ الشرّ والضرر (لا کرامة).

وبالرغم من أنّ جزاء أهل النار له أنواع مختلفة مرعبة من العذاب، إلاّ أنّ ذکر الأقسام الثلاثة یکفی لإعطاء فکرة عن بقیّة الأهوال.

وفی الآیات اللاحقة یذکر الأسباب التی أدّت بأصحاب الشمال إلى هذا المصیر المخیف والمشؤوم، وذلک بثلاث جمل، یقول فی البدایة: (إنّهم کانوا قبل ذلک مترفین).

«مترف»: کما ورد فی لسان العرب من مادّة ترف ـ على وزن (سبب) ـ بمعنى التنعّم، وتطلق على الشخص الذی ملکته الغفلة وجعلته مغروراً سکراناً، وجرّته إلى الطغیان(2).

صحیح أنّ أصحاب الشمال لیسوا جمیعاً من زمرة المترفین، إلاّ أنّ المقصودین فی القرآن الکریم هم أربابهم وأکابرهم.

والملاحظ فی عصرنا الحاضر أنّ فساد المجتمعات وعوامل الانحراف ورأس الحروب والدمار ونزیف الدم وأنواع الظلم ومرکز الشهوات والفساد فی العالم أجمع بید «الزمرة» المترفة المغرورة، ولهذا فالقرآن الکریم قد شخصّهم وحدّد موقفه منهم إبتداءً.

وهنالک رأی ثان وهو: إنّ نعم الله سبحانه واسعة وعدیدة ولا تنحصر بالأموال فقط، بل تشمل الصحّة والشباب والعمر... فإذا کانت هذه النعم أو بعضها مبعثاً للغرور والغفلة، فإنّها ستکون مصدراً أساسیاً للذنوب، وهذا المفهوم یسری على أصحاب الشمال.

ثمّ یشیر سبحانه إلى العامل الثانی الذی کان مصدراً وسبباً لعذاب أصحاب الشمال، فیقول سبحانه: (وکانوا یصرّون على الحنث العظیم).

«الحنث» فی الأصل یعنی کلّ نوع من الذنوب، وقد إستعمل هذا المصطلح فی کثیر من الموارد بمعنى نقض العهد ومخالفة القسم، لکونه مصداقاً واضحاً للذنب، وبناءً على هذا فإنّ خصوصیة أصحاب الشمال لیس فقط فی إرتکاب الذنوب ولکن فی الإصرار علیها، لأنّ الذنب یمکن صدوره من أصحاب الیمین أیضاً، إلاّ أنّهم لا یصرّون علیه أبداً، ویستغفرون ربّهم ویعلنون التوبة إلیه عند تذکّره.

وفسّر البعض «الحنث العظیم» بمعنى الشرک، لأنّه لا ذنب أعظم من الشرک. قال تعالى: (إنّ الله لا یغفر أن یشرک به ویغفر ما دون ذلک لمن یشاء)(3).

وفسّر (الحنث) بالکذب، لأنّه أعظم الذنوب، ومفتاح المعاصی، خصوصاً حینما یکون الکذب توأماً لتکذیب للأنبیاء(علیهم السلام) والمعاد.

والظاهر أنّ هذه جمیعاً تعتبر مصادیق للحنث العظیم.

وثالث عمل سبب لهم هذا الویل والعذاب، هو أنّهم قالوا: (وکانوا یقولون أإذا متنا وکنّا تراباً وعظاماً أإنّا لمبعوثون).

وعلى هذا فإنّ إنکار القیامة والذی هو بحدّ ذاته مصدر للکثیر من الذنوب، هو وصف آخر لأصحاب الشمال، ومصدر لشقائهم، وتعبیر (کانوا یقولون) یوضّح لنا أنّهم کانوا یصرّون ویعاندون فی إنکار یوم القیامة أیضاً.

وهنا مطلبان جدیران بالملاحظة وهما:

الأوّل: أنّ القرآن الکریم فی معرض حدیثه عن (المقرّبین) و(أصحاب الیمین) لم یعط توضیحاً عن أعمالهم التی سبّبت لهم تلک النعم وذلک الجزاء، إلاّ ضمن إشارة عابرة، أمّا عندما جاء دور الحدیث عن أصحاب الشمال فقد وضّحت أفعالهم بصورة کافیة، وذلک لیکون إتماماً للحجّة علیهم من جهة، وإظهار أنّ جزاءهم هذا کان إنسجاماً مع مبادىء العدالة تماماً من جهة اُخرى.

والمسألة الاُخرى: أنّ الذنوب الثلاثة التی اُشیر إلیها فی الآیات الثلاثة السابقة کانت بمثابة نفی اُصول الدین الثلاثة من قبل أصحاب الشمال.

ففی آخر آیة تحدّث القرآن الکریم عن تکذیبهم لیوم القیامة، وفی الآیة الثانیة عن إنکار التوحید، وفی الآیة الاُولى کان الحدیث عن المترفین وهی إشارة إلى تکذیب الأنبیاء کما جاء فی قوله تعالى: (وکذلک ما أرسلنا من قبلک فی قریة من نذیر إلاّ قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على اُمّة وإنّا على آثارهم مقتدون).(4)

والتعبیر بـ (تراباً وعظام) لعلّه إشارة إلى أنّ لحومنا تتحوّل إلى تراب، وعظامنا إلى رمیم، ومع ذلک فکیف نکون خلقاً جدید؟

ولمّا کانت عودة الحیاة إلى التراب أبعد من عودتها إلى العظام لذا ذکر فی البدایة حیث یقول تعالى: (تراباً وعظام).

والعجیب أنّ هؤلاء یرون مشاهد المعاد بأعینهم فی هذه الدنیا ومع ذلک فإنّهم ینکرونه(5)، ألم یروا إلى الکثیر من الموجودات الحیّة کالنباتات تموت وتجفّ وتصبح تراباً ثمّ تلبس لباس الحیاة مرّة اُخرى، وأساساً فإنّ الذی خلق الخلق أوّل مرّة لن یعییه إعادة الخلق ثانیة، ولن یکون علیه ذلک صعباً وعسیراً ولکنّهم مع ذلک یصرّون على إنکار المعاد.

إنّهم لم یکتفوا بما ذکروا وذهبوا إلى أکثر من ذلک حیث قالوا بتعجّب: (أو آباؤنا الأوّلون)(6) الذین لم یبق منهم أثر وتناثرت کلّ ذرّة من تراب أجسادهم فی جهة، أو أصبحت جزءاً من بدن کائن آخر؟

ولکن، کما قیل مفصّلا فی نهایة سورة یاسین، فإنّ هذه التساؤلات وغیرها لیست سوى حجج واهیة أمام الدلائل القویّة المتوفّرة حول مسألة المعاد.

ثمّ إنّ القرآن الکریم یأمر الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أن یجیبهم: (قل إنّ الأوّلین والآخرین * لمجموعون إلى میقات یوم معلوم)(7).

«میقات» من مادّة (وقت) بمعنى الزمان الذی یحدّد لعمل ما أو موعد. والمقصود من المیقات هنا هو نفس الوقت المقرّر للقیامة، حیث یجتمع کلّ البشر للحساب، ویأتی أحیاناً کنایة عن المکان الذی عین لإنجاز عمل معیّن، مثل مواقیت الحجّ، التی هی أسماء أماکن خاصّة للشروع بالإحرام.

ویستفاد من التعابیر المختلفة التی وردت فی الآیة السابقة والتأکیدات العدیدة حول مسألة الحشر، مثل: (إنّ، اللام، «مجموعون» التی جاءت بصیغة إسم مفعول، ووصف «یوم» بأنّه معلوم) ممّا یکون واضحاً ومؤکّداً أنّ حشر جمیع الناس ینجز فی یوم واحد، وجاء هذا المعنى فی آیات قرآنیة اُخرى أیض(8).

ومن هنا یتّضح جیّداً أنّ الذین کانوا یتصوّرون أنّ القیامة تقع فی أزمنة متعدّدة حیث إنّ لکلّ اُمّة قیامة، هم غرباء عن آیات الله تماماً.

ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ معلومیة یوم القیامة هی عند الله فقط، وإلاّ فإنّ جمیع البشر بما فیهم الأنبیاء والمرسلون والمقرّبون والملائکة لیس لهم علم بتوقیتها.


1. الحجّ، 19.
2. لسان العرب، ج9، ص17.
3. النساء، 48.
4. الزخرف، 23.
5. یجب الإنتباه هنا إلى تکرار حرف الإستفهام والتعبیر بـ (أنّ) کلّها للتأکید.
6. الهمزة فی (أو آبائنا الأوّلون) استفهامیة، والواو واو عطف وهنا قدّمت الهمزة الاستفهامیة علیها.
7. استعملت (إلى) فی هذه الجملة إشارة إلى أنّ القیامة تکون فی نهایة هذا العالم، ویمکن أن تکون هنا بمعنى بـ «لام» کما هو فی الکثیر من الآیات القرآنیة وردت (لمیقات).
8. هود، 103; مریم، 95.
سورة الواقعة / الآیة 41 ـ 50 سورة الواقعة / الآیة 51 ـ 56
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma