مواهب الله للمتّقین:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الطّور / الآیة 17 ـ 21 سورة الطّور / الآیة 22 ـ 28

تعقیباً على المباحث الواردة فی الآیات المتقدّمة حول عقاب المجرمین وعذابهم الألیم تذکر الآیات محلّ البحث ما یقابل ذلک من المواهب الکثیرة والثواب العظیم للمؤمنین والمتّقین لتتجلّى بمقایسة واضحة مکانة کلّ من الفریقین.

تقول الآیة الاُولى من الآیات محلّ البحث: (إنّ المتّقین فی جنّات ونعیم).

والتعبیر بـ «المتّقین» بدلا من المؤمنین، لأنّ هذا العنوان یحمل مفهوم الإیمان، کما یحمل مفهوم العمل الصالح أیضاً، خاصّة أنّ «التقوى» تقع مقدّمةً وأساساً للإیمان فی بعض المراحل، کما تقول الآیة 2 من سورة البقرة (ذلک الکتاب لا ریب فیه هدىً للمتّقین) لأنّ الإنسان إذا لم یکن ذا تعهّد وإحساس بالمسؤولیة وروح تطلب الحقّ وتبحث عنه ـ وکلّ ذلک مرحلة من مراحل التقوى ـ فإنّه لا یمضی فی التحقیق عن دینه وعقیدته ولا یقبل هدایة القرآن أبداً.

والتعبیر بـ (فی جنّات ونعیم) بصیغة الجمع والتنکیر لکلٍّ منهما، إشارة إلى تنوّع الجنّات والنعیم وعظمتهما.

ثمّ یتحدّث القرآن عن تأثیر هذه النِعَم الکبرى على روحیة أهل الجنّة فیقول فی الآیة التالیة: (فاکهین بما آتاهم ربّهم)(1).

خاصّةً أنّ الله قد طمأنهم وآمنهم من العقاب (ووقاهم ربّهم عذاب الجحیم).

وهذه الجملة قد تکون ذات معنین... الأوّل بیان النعمة المستقلّة قبال نعم الله الاُخر... والثانی أن یکون تعقیباً على الکلام السابق، أی أنّ أهل الجنّة مسرورون من شیئین «بما آتاهم الله من النعم فی الجنّة»، و«بما وقاهم من عذاب الجحیم».

والتعبیر بـ «ربّهم» فی الجملتین یشیر ضمناً إلى نهایة لطف الله ودوام ربوبیته علیهم فی تلک الدار.

ثمّ تشیر الآیة الاُخرى إشارةً إجمالیة إلى نعم المتّقین فی الجنّة فتقول: (کلوا واشربوا هنیئاً بما کنتم تعملون).

والتعبیر بـ «هنیئاً» هو إشارة إلى أنّ أطعمة الجنّة وشرابها السائغة غیر منغّصة، فهی لیست کأطعمة الدنیا وشرابها التی تجرّ الإنسان إلى الوبال عند الإفراط أو التفریط بها... إضافةً إلى کلّ ذلک لا یحصل علیها بمشقّة، ولا یخاف من إنتهائها، ولذلک فهی هنیئة!(2).

ومن المعلوم أنّ أطعمة الجنّة هنیئة بذاتها، ولکنّ قول الملائکة لأهل الجنّة «هنیئاً» هذا القول له لطفه وعذوبته الخاصّة.

والنعمة الاُخرى التی یتمتّع بها أهل الجنّة هی کونهم: (متّکئین على سرر مصفوفة).

فهم یلتذّون بالاستئناس إلى أصحابهم والمؤمنین الآخرین، وهذه لذّة معنویة فوق أیّة لذّة اُخرى!.

و «سرر» جمع سریر، وأصل المادّة هو «السرور» وتطلق السرر على الکراسی المهیأة لمجالس السرور لیُتکّأ علیها.

و «مصفوفة» من مادّة صف، ومعناها أنّ هذه السرر مرتبة واحداً إلى جنب الآخر ویتشکّل منه مجلس عظیم للاُنس.

ونقرأ فی آیات متعدّدة من القرآن أنّ أهل الجنّه یجلسون على سرر متقابلین. ]الحجر الآیة 47 والصافات الآیة 44[.

وهذا التعبیر لا ینافی ما ورد فی هذه الآیة محلّ البحث، لأنّ مجالس الاُنس والسرور ترتّب الأسّرة فیها على شکل مستدیر ومصفوفة جنباً إلى جنب، فجلاّسها على سرر مصفوفة متقابلون!.

والتعبیر بـ «متکئین» إشارة إلى منتهى الهدوء، لأنّ الإنسان عند الهدوء یتکىء عادةً، والذین هم فی قلق وحزن لا یرون کذلک!.

ثمّ یضیف القرآن بأنّا زوجناهم من نساء بیض جمیلات ذوات أعین واسعة (وزوّجناهم بحور عین)(3).

هذه بعض من نعم أهل الجنّة المادیة والمعنویة، إلاّ أنّهم لا یکتفون بهذه النعم فحسب، وإنّما تضاف إلیها نعم ومواهب معنویة ومادیة اُخر! (والّذین آمنوا واتّبعتهم ذرّیّتهم بإیمان ألحقنا بهم ذرّیّتهم وما ألتناهم من عملهم من شیء)!.

وهذه نعمة بنفسها أیضاً أن یرى الإنسان ذریّته فی الجنّة ویلتذّ برؤیتهم دون أن ینقص من عمله شیء أبداً.

ویفهم من تعبیر الآیة أنّ المراد من الذریة هم الأبناء البالغون الذین یسیرون فی خطّ الآباء المؤمنین ویتّبعون منهجهم.

فمثل هؤلاء الأبناء وهذه الذریّة إذا کان فی عملهم نقص وتقصیر فإنّ الله سبحانه یتجاوز عنهم لأجل آبائهم الصالحین، ویرتفع مقامهم عندئذ فیبلغون درجة آبائهم، وهذه المثوبة موهبة للآباء والأبناء!.(4)

إلاّ أنّ جماعة من المفسّرین یعتقدون أنّ «الذریّة» هنا تشمل الأبناء الکبار والصغار جمیعاً... غیر أنّ هذا التّفسیر لا ینسجم مع ظاهر الآیة، لأنّ الاتّباع بإیمان دلیل على وصولهم مرحلة البلوغ أو مقاربتهم لها.

إلاّ أن یقال أنّ الأطفال یصلون فی یوم القیامة مرحلة البلوغ ویمتحنون فمتى نجحوا فی الامتحان التحقوا بالآباء، کما جاء هذا المعنى فی الکافی إذ ورد فیه أنّه سئل الإمام عن أطفال المؤمنین فقال(علیه السلام): «إذا کان یوم القیامة جمعهم الله ویشعل ناراً فیأمرهم أن یلقوا أنفسهم فی النار فمن ألقى نفسه سلم وکان سعیداً وجعل الله النار علیه برداً وسلاماً ومن إمتنع حرم من لطف الله»(5).

إلاّ أنّ هذا الحدیث إضافةً إلى ضعف سنده یواجه إشکالات ومؤخذات فی المتن أیضاً... ولیس هنا مجال لبیانها وشرحها.

وبالطبع فإنّه لا مانع أن یُلحق الأطفال بالآباء ویکونوا معهم فی الجنّة... إلاّ أنّ الکلام هو هل الآیة الآنفة ناظرة إلى هذا المطلب أم لا؟ وقد قلنا إنّ التعبیر بـ (اتّبعتهم ذرّیّتهم بإیمان)ظاهره أنّ المقصود هو الکبار.

وعلى کلّ حال ـ وحیث إنّ إرتقاء الأبناء إلى درجة الآباء یمکن أن یوجد هذا التوهّم أنّه ینقص من أعمال الآباء ویُعطى للأبناء فإنّ الآیة تعقّب بالقول: (وما ألتناهم(6) من عملهم من شیء).

وینقل ابن عبّاس عن النّبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «إذا دخل الرجل الجنّة سأل عن أبویه وزوجته وولده فیقال له إنّهم لم یبلغوا درجتَکَ وعملک. فیقول: ربّ قد عملت لی ولهم فیؤمر بالحاقهم به»(7).

ممّا ینبغی الإلتفات إلیه أنّ القرآن یضیف فی نهایة الآیة: (کلّ امرىء بما کسب رهین).

فلا ینبغی التعجّب من عدم إنقاص أعمال المتّقین، لأنّ هذه الأعمال مع الإنسان حیثما کان، وإذا أراد الله أن یُلحق أبناء المتّقین بهم تفضّلا منه ورحمة، فلا یعنی ذلک أنّه سینقص من ثواب أعمالهم أی شیء!

وقال بعض المفسّرین: إنّ کلمة «رهین» هنا معناها مطلق، فکلّ إنسان مرهون بأعماله، سواءً أکانت صالحةً أم طالحة، ولا ینقص من جزاء أعماله شیء.

ولکن مع ملاحظة أنّ هذا التعبیر لا یتناسب والأعمال الصالحة، فإنّ بعض المفسّرین قالوا: إنّ «کلّ امرىء» هنا إشارة إلى أصحاب الأعمال السیّئة! وإنّ کلّ إنسان مرهون بأعماله السیّئة فهو حبیسها وأسیرها.

ویستدلّون أحیاناً بالآیتین 38 و39 من سورة المدثر... (کلّ نفس بما کسبت رهینة * إلاّ أصحاب الیمین).

غیر أنّ هذا التّفسیر مع الإلتفات إلى سیاق الآیات السابقة واللاحقة ـ التی تتکلّم فی شأن المتّقین ولیس فیها کلام على المشرکین والمجرمین ـ یبدو غیر مناسب!

وقبال هذین التّفسیرین الذین یبدو کلّ منهما غیر مناسب ـ من بعض الوجوه ـ هناک تفسیر ثالث ینسجم مع صدر الآیة والآیات السابقة والآیات اللاحقة، وهو أنّ من معانی «الرهن» فی اللغة «الملازمة»، وإن کان معروفاً أنّه الوثیقة فی مقابل الدین، إلاّ أنّه یستفاد من کلمات أهل اللغة أنّ الرهن من معانیه الدوام والملازمة(8).

بل هناک من یصرّح بأنّ المعنى الأصلی للرهن هو الدوام والثبوت، ویعدّ الرهن بمعنى الوثیقة من اصطلاحات الفقهاء، لذلک فإنّه حین یقال «نعمة راهنة» فمعناها أنّها ثابتة ومستقرّة(9).

ویقول أمیر المؤمنین فی شأن الاُمم السالفة: «هاهم رهائن القبور ومضامین اللحود»(10).

فیکون معنى (کلّ امرىء بما کسب رهین) أنّ أعمال کلّ إنسان ملازمة له ولا تنفصل عنه أبداً، سواءً کانت صالحة أو طالحة، ولذلک فإنّ المتّقین فی الجنّة رهینو أعمالهم، وإذا کان أبناؤهم وذریّاتهم معهم، فلا یعنی ذلک أنّ أعمالهم ینقص منها شیء أبداً.

وأمّا فی شأن الآیة 39 من سورة المدثر التی تستثنی أصحاب الیمین ممّا سبق، فیمکن أن تکون إشارةً إلى أنّهم مشمولون بألطاف لا حدّ لها حتى کأنّ أعمالهم لا أثر لها بالقیاس إلى ألطاف الله(11).

وعلى کلّ حال، فإنّ هذه الجملة تؤکّد هذه الحقیقة وهی أنّ أعمال الإنسان لا تنفصل عنه أبداً، وهی معه فی جمیع المراحل.


1. کلمة «فاکهین» مشتقّة من «فکه» على وزن نظر ـ و«فکاهة» على وزن شباهة، ومعناها کون الإنسان مسروراً، وجعل الآخرین مسرورین بالکلام العذب. ویقول الراغب فی مفرداته: الفاکهة معناها کلّ نوع من الثمار. والفکاهة أحادیث أهل الاُنس... وقد احتمل بعضهم أنّ الآیة: فاکهین بما آتاهم ربّهم إشارة إلى تناول أنواع الفواکه وهذا المعنى یبدو بعیداً.
2. یقول الراغب فی مفرداته: الهنیىء کلّ ما لا یلحق فیه المشقّة ولا یعقبه وخامة.
3. «الحور» جمع «حوراء» و«أحور»، فهو جمع للمذکّر والمؤنث سواء، ویطلق على من حدقة عینه سوداء وبیاضها شفّاف أو هو کنایة عن الجمال، لأنّ الجمال یتجلّى فی العینین قبل کلّ شیء، «والعین» جمع «لأعین» و«عیناء» معناه العین الواسعة، وهکذا فإنّ «الحور العین» مفهوماً واسعاً یشمل الأزواج جمیعاً الذکور والإناث من أهل الجنّة فالذکور للإناث وبالعکس.
4. الظاهر أنّ جملة (والذین آمنو) جملة مستقلّة «والواو» للاستئناف، وقد إختار جماعة من المفسّرین هذا المعنى «کالعلاّمة الطباطبائی والمراغی وسیّد قطب» إلاّ أنّ العجب أن یعدّ الزمخشری هذه الجملة معطوفة على (وزوّجناهم بحور عین) مع أنّه لا یتناسب هذا المعنى ومفهوم النصّ ولا ینسجم مع فصاحة القرآن وبلاغته.
5. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 139 (بتصرّف وتلخیص).
6. الفعل «ألتناهم» مشتق من مادّة «ألَتَ» على وزن ثَبَتَ: ومعناه الإنقاص.
7. تفسیر المراغی، ج27، ص26.
8. لسان العرب، مادّة رهن.
9. مجمع البحرین، مادّة رهن.
10. نهج البلاغة، من کتاب له 45.
11. هناک تفاسیر اُخر فی أصحاب الیمین سنتناولها ذیل الآیة من سورة المدثر إن شاء الله.
سورة الطّور / الآیة 17 ـ 21 سورة الطّور / الآیة 22 ـ 28
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma