تعاقب الرسل واحداً بعد الآخر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الحدید / الآیة 26 ـ 27 1ـ الإسلام والرهبانیة

للقرآن الکریم منهجه المتمیّز، ومن خصوصیاته أنّه بعد بیان سلسلة من الاُصول العامّة یشیر ویذکّر بمصیر الأقوام السابقة، لکی یکون ذلک شاهداً وحجّة.

وهنا أیضاً یتجسّد هذا المنهج: حیث یشیر فی المقدّمة إلى ارسال الرسل مع البیّنات والکتاب والمیزان والدعوة إلى الإیمان بالحقّ، لنیل مرضاته سبحانه والفوز بالسعادة الأبدیّة... ثمّ یتحدّث عن بعض الاُمم السابقة وأنبیائهم ویعکس هذه الاُسس فی منهج دعوتهم.

ویبدأ بشیوخ الأنبیاء وبدایة سلسلة رسل الحقّ، نوح وإبراهیم (علیهما السلام)، حیث یقول سبحانه: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهیم وجعلنا فی ذرّیّتهما النّبوّة والکتاب).

وممّا یؤسف له أنّ الکثیرین لم یستفیدوا من هذا المیراث العظیم، والنعم الإلهیّة الفیّاضة، والهبات والألطاف العمیمة، حیث یقول عزّوجلّ: (فمنهم مهتد وکثیر منهم فاسقون).

نعم، لقد بدأت النبوّة بنوح(علیه السلام) توأماً مع الشریعة والمبدأ، ومن ثمّ إبراهیم(علیه السلام) من الأنبیاء اُولی العزم فی إمتداد خطّ الرسالة، وهکذا حلقات متواصلة على مرّ العصور والقرون، فإنّ

القادة الإلهیین من ذریّة إبراهیم(علیه السلام) یتصدّون للقیام بمسؤولیة الرسالة، إلاّ أنّ المستفید من هذا النور الإلهی العظیم هم القلّة أیضاً، فی حین أنّ الغالبیة سلکت طریق الإنحراف.

ثمّ یشیر إشارة مختصرة إلى قسم آخر من سلسلة الأنبیاء الکرام التی تختتم بعیسى(علیه السلام)آخر رسول قبل نبیّنا محمّد(صلى الله علیه وآله) حیث یقول سبحانه: (ثمّ قفّینا على آثارهم برسلن).

حیث حملوا نور الهدایة للناس لیضیئوا لهم الطریق، وتعاقبوا فی حملها الواحد بعد الآخر، حتى وصل الدور إلى السیّد المسیح(علیه السلام): (وقفّینا بعیسى ابن مریم).

«قفّینا» من (قف) بمعنى الظهر، ویقال للقافیة قافیة بسبب أنّ بعضها یتبع بعضاً، وتطلق عادةً على الحروف المتشابهة فی آخر کلّ بیت من بیوت الشعر، والمقصود فی الجملة من الآیة أعلاه أنّ الأنبیاء جاءوا بلحن واحد وأهداف منسجمة، الواحد تلو الآخر، وبدأوا وأکملوا التعلیمات التی حملوها من الله إلى أقوامهم ..

وهذا التعبیر جمیل جدّاً، وهو إشارة لطیفة إلى مبدأ وحدة الرسالات وتوحید النبوّة.

ثمّ یشیر هنا إلى الکتاب السماوی للسیّد المسیح(علیه السلام) حیث یقول: (وآتیناه الإنجیل)ویستمرّ متحدّثاً عن خصوصیات أتباعه فیقول سبحانه: (وجعلنا فی قلوب الّذین اتّبعوه رأفةً ورحمة).

ویرى بعض المفسّرین أنّ مصطلحی «الرأفة» و«الرحمة» بمعنى واحد، إلاّ أنّ قسماً آخر اعتبرهما مختلفین وقالوا: إنّ «الرأفة» تعنی الرغبة فی دفع الضرر، و«الرحمة» تعنی الرغبة فی جلب المنفعة.

ولهذا تذکر الرأفة قبل الرحمة غالباً، لأنّ قصد الإنسان ابتداءً هو دفع الضرر ومن ثمّ یفکّر فی جلب المنفعة.

وممّا یدلّل به على هذا الرأی ما استفید من آیة حدّ الزانی والزانیة حیث یقول سبحانه: (ولا تأخذکم بهما رأفة فی دین الله)(1).

إنّ موضوع الرأفة والرحمة بالنسبة للأتباع الحقیقیین للسیّد المسیح(علیه السلام) لم یذکر فی هذه الآیة فقط، بل ورد هذا المعنى أیضاً فی قوله تعالى: (ولتجدنّ أقربهم مودّة للّذین آمنوا الّذین قالوا إنّا نصارى ذلک بأنّ منهم قسّیسین ورهباناً وأنّهم لا یستکبرون).(2)

وبالرغم من أنّ الآیة الکریمة أخذت بنظر الاعتبار مسیحیی الحبشة وشخص «النجاشی» بالذات، حیث آوى المسلمین وعاملهم بإحسان ومحبّة خاصّة، إلاّ أنّها بشکل عام تشیر إلى الرأفة والرحمة والعواطف الإیجابیة للمسیحیین الحقیقیین.

ومن الطبیعی ألاّ یکون المقصود هنا المسیحیین الذین یمارسون أقذر الأعمال وأکثرها إجراماً وإنحطاطاً بحقّ الشعوب المستضعفة، هؤلاء الذین تلبّسوا بلباس الإنسانیة، وهم فی الحقیقة ذئاب مفترسة تصبغ حیاة المحرومین بلون الدم والظلام... ثمّ یضیف سبحانه: (ورهبانیّة ابتدعوها ما کتبناها علیهم إلاّ ابتغاء رضوان الله فما رعوها حقّ رعایتها فآتینا الّذین آمنوا منهم أجرهم وکثیر منهم فاسقون).(3)

وممّا تقدّم یتّضح لنا أنّ هؤلاء لیسوا ممّن لم یراعوا مبدأ التوحید للسیّد المسیح (علیه السلام)فقط، بل دنسوه بأنواع الشرک، ولم یراعوا أیضاً حتى حقّ الرهبانیة التی ابتدعوها باسم الزهد، حیث وضعوا مکائد فی طریق خلق الله، وجعلوا من الأدیرة والکنائس مراکز لأنواع الفساد، وأوجدوا انحرافاً خطیراً فی رسالة السیّد المسیح (علیه السلام).

ومن مفهوم الآیة یتّضح لنا أنّ الرهبانیة لم تکن جزءاً من رسالة السیّد المسیح (علیه السلام)، إلاّ أنّ أتباعه هم الذین ابتدعوها من بعده، حیث بدأت بشکل معتدل ثمّ مالت نحو الإنحراف.

وطبقاً لتفسیر آخر فإنّ نوعاً من الرهبانیة والزهد کان من مبدأ السیّد المسیح(علیه السلام)، إلاّ أنّ أتباعه وأصحابه ابتدعوا نوعاً آخر من الرهبانیة لم یقرّرها الله لهم.(4)

والتّفسیر الأوّل هو الأکثر شهرةً، والمناسب أکثر من بعض الجهات.

وعلى کلّ حال، فالمستفاد من الآیة أعلاه إجمالا هو أنّ الرهبانیة لم تکن فی شریعة السیّد المسیح(علیه السلام)، وأنّ أصحابه ابتدعوها من بعده، وکان ینظر إلیها فی البدایة على أنّها نوع من أنواع الزهد والإبداعات الخیّرة لکثیر من السنن الحسنة التی تشیع بین الناس. ولا تتّخذ عنوان التشریع أو الدستور الشرعی، إلاّ أنّ هذه السنّة تعرّضت إلى الانحراف ـ فیما بعد ـ وتحریف التعالیم الإلهیة، بل إقترنت بممارسات قبیحة على مرّ الزمن.

والتعبیر القرآنی بجملة: (فما رعوها حقّ رعایته) دلیل على أنّه لو اُعطی حقّها لکانت سنّة حسنة.

وما ورد فی الآیة التالیة التی تتحدّث عن الرهبان والقساوسة یتناول هذا المعنى حیث یقول تعالى: (لتجدنّ أشدّ النّاس عداوةً للّذین آمنوا الیهود والّذین أشرکوا ولتجدنّ أقربهم مودّة للّذین آمنوا الّذین قالوا إنّا نصارى ذلک بأنّ منهم قسّیسین ورهباناً وأنّهم لا یستکبرون)(5)(یرجى ملاحظة ذلک).

وهکذا یتبیّن أنّ کلمة «الرهبانیة» کلّما کانت بمعنى الرأفة والرحمة فإنّها تشکّل دلیل إضافیاً على صحّة الادّعاء أعلاه، لأنّها ستکون بمعنى مستوى الرأفة والرحمة التی وضعها الله فی قلوبهم بعنوان أنّها صفة حمیدة.

ومختصر الکلام هو: إذا وجدت سنّة حسنة بین الناس تکون اُصولها الکلیّة وخطوطها العریضة فی دائرة المبدأ الحقّ (کالزهد، مثلا، فإنّ ذلک لیس عملا قبیحاً، بل یعتبر مصداقاً من مصادیق الخطّ العام للمبدأ، خاصّة إذا لم تنسب هذه السنّة إلى المبدأ الإلهی... ولسوء الحظّ فإنّ جملة من الإفراطات والتفریطات وجدت بین ظهرانینا تحت قناع الدین وتحوّلت إلى سنّة سیّئة.

إنّ مراسم الأعیاد والتعازی والوفیّات الخاصّة بعظماء الإسلام وما یتعلّق بإحیاء ذکرى الشهداء والأحبّة الراحلین ـ سواء فی یوم استشهادهم، أو الیوم السابع، أو بعد مرور أربعین یوماً من الشهادة أو الوفاة، وکذا ما یتعلّق بذکراهم السنویة ـ هو مصداق للمفاهیم الکلیّة فی الإسلام حول تعظیم شعائر الله تعالى، وإحیاء ذکر قادة الإسلام وعموم شهداء المسلمین، وبغضّ النظر عن الجزئیات والتفاصیل فإنّ هذه المراسم مصداق من الأصل الکلّی فقط، ولا یمکن اعتبارها مبادىء شرعیة.

وکلّما أنجزت هذه المراسم بدون تجاوز للحدود الشرعیة وعدم تدنیسها بالخرافات والممارسات اللا شرعیّة، فإنّها ـ من المسلّم ـ مصداق لابتغاء رضوان الله، ومصداق سنّة حسنة، وفی غیر هذه الصورة فإنّها ستکون بدعة الشؤم والسنّة السیّئة.

«الرهبانیة» من مادّة (رهب) مأخوذة من معنى الخوف من الله، ویفهم أنّها کانت فی البدایة مصداقاً للزهد وعدم الإهتمام بشؤون الدنیا، إلاّ أنّها تعرّضت فیما بعد لانحرافات واسعة، وإذا ما لاحظنا موقف الإسلام المناهض والمقاوم للرهبانیة بشدّة فمن هذا الباب وبهذا اللحاظ. کما سنستعرض ذلک فیما یلی:


1. النور، 2.
2. المائدة، 82.
3. حول ترکیب ومعنى هذه الآیة یوجد اختلاف کثیر بین المفسّرین، حیث اعتبرها البعض عطفاً على الرأفة والرحمة، وأخذوا بنظر الاعتبار (حبّ) قبل الرهبانیة تقدیراً، لأنّ الرهبانیة لیست شیئاً یکون فی القلب، بل إنّ حبّها والتعلّق بها یکون فی القلب، واعتبرها آخرون منصوبة بفعل مضمر حیث إنّ (ابتدعوها) تفسّر ذلک فی تقدیر: ابتدعوا رهبانیة، ابتدعوها.
وبالنسبة لـ (إلاّ ابتغاء رضوان الله) توجد وجهتا نظر: الاُولى: أنّها استثناء منقطع، ومفهومه هو: (ولکنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله). والاُخرى: أنّها استثناء متّصل ومفهومها أنّنا قرّرنا ووضعنا نوعاً من الرهبانیة علیهم، والهدف من ذلک هو جلب رضى الله تعالى، ولکنّهم حرّفوا الرهبانیة إلى نوع آخر کان خلافاً لرضى الله، والظاهر أنّ التّفسیر الأوّل فی کلا الموردین مناسب أکثر، لذا یرجى الإنتباه هنا.
4. طبقاً للتفسیر الأوّل حسب الرأی الذی یقول بأنّه استثناء منقطع، والتّفسیر الثانی یقول بالاستثناء المتّصل.
وهذه النقطة أیضاً جدیرة بالملاحظة وهی: إذا کانت الرهبانیة عطف على الرأفة والرحمة کما اخترناه فی المتن، فإنّ المقصود من جعلها فی القلوب هو نفس المیل القلبی لهم إلى هذه المسألة، فی حین أنّ المقصود من (ما کتبناه) هو أنّ مسألة الرهبانیة لم تکن حکم الله فی دین السیّد المسیح، بالرغم من أنّ الله تعالى قد وضع حبّها فی قلوبهم، وبناءً على هذا فلا تتنافى مع جملة (ابتدعوها).
5. المائدة، 82.
سورة الحدید / الآیة 26 ـ 27 1ـ الإسلام والرهبانیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma