کلّ شیء هالک إلاّ وجهه:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الرّحمن / الآیة 26 ـ 30 1ـ ما هی حقیقة الفناء؟

استمراراً لشرح النعم الإلهیّة، فی هذه الآیات یضیف سبحانه قوله: (کلُّ من علیها فان)وهنا یتساءل کیف یکون الفناء نعمة إلهیّة؟

وللجواب على هذا السؤال نذکر ما یلی: یمکن ألاّ یکون المقصود بالفناء هنا هو الفناء المطلق، وإنّما هو الباب الذی یطلّ منه على عالم الآخرة، والجسر الذی لابدّ منه للوصول إلى دار الخلد، بلحاظ أنّ الدنیا بکلّ نعمها هی سجن المؤمن، والخروج منها هو التحرر من هذا السجن المظلم.

أو أنّ النعم الإلهیّة الکثیرة ـ المذکور سابقاً ـ یمکن أن تکون سبباً لغفلة البعض وإسرافهم فیها بأنواع الطعام والشراب والزینة والملابس والمراکب وغیر ذلک، ممّا یستلزم تحذیراً إلهیّاً للإنسان، بأنّ هذه الدنیا لیست المستقرّ، فالحذر من التعلّق بها، ولابدّ من الاستفادة من هذه النعم فی طاعة الله... إنّ هذا التنبیه والتذکیر بالرحیل عن هذه الدنیا هو نعمة عظیمة.

الضمیر فی (علیه) یرجع إلى الأرض التی ورد ذکرها فی الآیات السابقة، بالإضافة إلى القرائن الاُخرى الموجودة، لذا فهو واضح.

کما أنّ المقصود (من علیه) هم الجنّ والإنس مع العلم أنّ بعض المفسّرین احتملوا أنّ الحیوانات والکائنات الحیّة جمیعاً مشمولة بهذا المعنى.

وبما أنّ کلمة (من) تستعمل غالباً للعاقل، لذا فالمعنى الأوّل هو الأنسب.

صحیح أنّ مسألة الفناء لا تنحصر بالإنس والجنّ فقط، ولا تختّص بالکائنات الموجودة على الأرض فحسب، حیث یصرّح القرآن الکریم بأنّ أهل السماء والأرض جمیعاً یفنون، وذلک فی قوله: (کلّ شیء هالک إلاّ وجهه)،(1) ولکن لمّا کان الحدیث یدور حول أهل الأرض، لذا فهم المقصودون.

ویضیف فی الآیة اللاحقة قوله سبحانه: (ویبقى وجه ربّک ذو الجلال والإکرام).

«وجه» معناه اللغوی معروف وهو القسم الأمامی للشیء بحیث یواجهه الإنسان فی الطرف المقابل، وإستعمالها بخصوص لفظ الجلالة یقصد به (الذات المقدّسة).

فسّر البعض (وجه ربّک) بمعنى الصفات الإلهیّة المقدّسة، التی عن طریقها تنزل نعم وبرکات الله على الإنسان کالرحمة والمغفرة والعمل والقدرة.

ویحتمل أن یکون المقصود هی الأعمال التی تنجز من أجل الله، وبناءً على هذا فالجمیع یفنى، والشیء الباقی هی الأعمال التی تنجز بإخلاص ولرضى الله تعالى ..

إلاّ أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب.

أمّا (ذو الجلال والإکرام) والذی هو وصف لـ (الوجه) فإنّه یشیر إلى صفات الجمال والجلال لله سبحانه، لأنّ (ذو الجلال) تنبّئنا عن الصفات التی یکون الله أسمى وأجلّ منها (الصفات السلبیة). وکلمة «الإکرام» تشیر إلى الصفات التی تظهر حسن وقیمة الشیء، وهی الصفات الثبوتیة لله سبحانه کعلمه وقدرته.

وبناءً على هذا فإنّ معنى الآیة بصورة عامّة یصبح کالآتی: إنّ الباقی فی هذا العالم هو الذات المقدّسة لله سبحانه، والتی تتّصف بالصفات الثبوتیة والمنزّهة عن الصفات السلبیة.

کما فسّر البعض أنّ (ذو الإکرام) هو إشارة إلى الألطاف والنعم الإلهیة التی تفضّل الله بها وأکرمها لخاصّة أولیائه، ومن الممکن الجمع بین هذه المعانی المختلفة للآیة أعلاه.

ونقرأ فی حدیث أنّ رجلا کان یصلّی فی محضر الرّسول(صلى الله علیه وآله) حیث دعا الله سبحانه کذلک: «اللهمّ إنّی أسألک بأنّ لک الحمد لا إله إلاّ أنت المنّان، بدیع السماوات والأرض، ذو الجلال والإکرام، یاحیّ یاقیّوم».

فقال الرّسول(صلى الله علیه وآله) لأصحابه: «أتدرون بأی اسم دعا الله؟» فقالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: «والذی نفسی بیده، لقد دعا الله بإسمه الأعظم الذی إذا دُعی به أجاب، وإذا سئل به أعطى»(2).

ثمّ یخاطب الخلائق مرّة اُخرى: (فبأىّ آلاء ربّکما تکذّبان).

ومضمون الآیة اللاحقة فی الحقیقة هی نتیجة للآیات السابقة، حیث یقول سبحانه: (یسأله من فی السّماوات والأرض).

ولماذا لا یکون کذلک فی الوقت الذی یفنى الجمیع ویبقى وحده سبحانه، ولیس هذا فی نهایة العالم فقط، وإنّما الآن أیضاً فانّ الکائنات فانیة فی مقابله وبقاؤها مرتبط بمشیئته، وإذا أعرض بلطفه عنها فسیتلاشى الکون بأجمعه، وعلى هذا فهل یوجد أحد سواه یطلب منه أهل السماوات والأرض قضاء حوائجهم ویسألونه تدبیر شؤونهم؟!

التعبیر بـ (یسأله) جاء بصیغة المضارع، وهو دلیل على أنّ السؤال والطلب فی الکائنات مستمر من الذات الإلهیّة المقدّسة، والجمیع یستلهمون من مبدأ فیضه، ولسان حالهم یطلب الوجود والبقاء وقضاء الحوائج، وهذا شأن الموجود الممکن الذی هو مرتبط بواجب الوجود لیس فی الحدوث فقط، وإنّما فی البقاء أیضاً.

ثمّ یضیف سبحانه: (کلّ یوم هو فی شأن).

نعم إنّ خلقه مستمر، وإجاباته لحاجات السائلین والمحتاجین لا تنقطع، کما أنّ ابداعاته مستمرّة فیجعل الأقوام یوماً فی قوّة وقدرة، وفی یوم آخر یهلکهم، ویوماً یعطی السلامة والشباب، وفی یوم آخر الضعف والوهن، ویوماً یذهب الحزن والهمّ من القلوب وآخر یکون باعثاً له، وخلاصة الأمر أنّه فی کلّ یوم ـ وطبقاً لحکمته ونظامه الأکمل ـ یخلق ظاهرة جدیدة وخلقاً وأحداثاً جدیدة.

والإلتفات إلى هذه الحقیقة من جهة یوضّح احتیاجاتنا المستمرّة لذاته المقدّسة، ومن جهة اُخرى فإنّه یذهب الیأس والقنوط من القلوب، ومن جهة ثالثة فإنّه یلوی الغرور ویکسر الغفلة فی النفوس.

نعم، إنّه سبحانه له فی کلّ یوم شأن وعمل.

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرین ذکروا قسماً من هذا المعنى الواسع تفسیراً للآیة، إلاّ أنّ البعض ذکر فی تفسیرها، أنّها مغفرة الذنوب، وذهاب الحزن، وإعزاز أقوام وإذلال آخرین فقط.

والبعض الآخر قال: إنّها مسألة الخلق والرزق والحیاة والموت والعزّة والذلّة فقط.

والبعض الآخر عنون مسألة الخلق والموت بالنسبة للإنسان وقال: إنّ لله جیوشاً ثلاثة: جیش ینتقل من أصلاب الآباء إلى أرحام الاُمّهات، وجیش یخرج إلى عالم الدنیا من أرحام الاُمّهات، وجیش یساق من عالم الدنیا إلى القبور.

وکما قلنا فإنّ للآیة مفهوماً واسعاً یشمل کلّ خلق جدید وخلقة جدیدة، ویشمل کلّ تغییر وتحوّل فی هذا العالم.

ونقرأ فی روایة لأمیر المؤمنین(علیه السلام) أنّه قال فی أحد خطبه: «الحمد لله الذی لا یموت ولا تنقضی عجائبه لأنّه کلّ یوم هو فی شأن، من إحداث بدیع لم یکن»(3).

ونقرأ فی حدیث آخر للرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی تفسیره الآیة الکریمة: «من شأنه أن یغفر ذنباً ویفرّج کرباً ویرفع قوماً ویضع آخرین»(4).

ولابدّ من الإنتباه لهذه النقطة أیضاً: إنّ المقصود من (یوم) هو لیس (النهار) فی مقابل (اللیل) بل یشمل الأحقاب المتزامنة، وکذلک الساعات واللحظات، ومفهومه أنّ الله المتعال فی کلّ زمان فی شأن وعمل.

کما أنّ البعض ذکروا شأناً نزولیاً للآیة، وهو أنّها نزلت ردّاً على قول الیهود الذین یعتقدون أنّ الله عزّوجلّ یعطّل کلّ الأعمال فی یوم السبت، ولا یصدر أی حکم(5). فالقرآن الکریم یقول: إنّ خلق الله وتدبیره لیس له توقّف.

ومرّة اُخرى ـ بعد هذه النعم المستمرّة والإجابة لاحتیاجات جمیع خلقه من أهل السماوات والأرض یکرّر قوله سبحانه: (فبأىّ آلاء ربّکما تکذّبان).


1. القصص، 88.
2. تفسیر روح المعانی، ج27، ص95.
3. اُصول الکافی، ج 1، ص 141، مطابق نقل تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 193.
4. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث، ونقل هذا الحدیث أیضاً فی تفسیر روح المعانی من صحیح البخاری.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 202.
سورة الرّحمن / الآیة 26 ـ 30 1ـ ما هی حقیقة الفناء؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma