یوجد فی جسم الإنسان أکثر من عشرین عنصراً معدنیاً، وکلّ واحد منها بکیفیة خاصّة وکمیة معیّنة، وإذا ما حصل أقل تغیّر فی مقادیرها ونسبها فإنّ حیاتنا تکون فی خطر، فمثلا فی فصل الصیف إذا تعرّق الإنسان أکثر من اللازم عندئذ یصاب بالصدمة التی قد تؤدّی إلى الموت والسبب فی ذلک بسیط جدّاً، وهو نقص ماء الجسم وأملاح الدم وعلاجه لا یکون إلاّ بشرب الماء وتناول الأملاح الإضافیة.
هذا نموذج بسیط من النظم والحساب فی ترکیب جسمنا، کما نلاحظ أحیاناً أنّ دقّة المقاییس فی ترکیب مخلوقات أدقّ وأظرف کالخلایا، وأدقّ منها عالم الذرّات تکون إلى درجة من الدقّة بحیث تقاس بـ (واحد على الألف) وأحیاناً بـ (واحد على الملیون) من الملمتر أو الملغرام، حیث إنّ العلماء اضطرّوا لحساب هذه الموازین الدقیقة إلى الإستعانة بالعقول الألکترونیة.
هذا فی النظام الکونی، والأمر کذلک فی الاُمور الاجتماعیة، فأىّ انحراف فی تطبیق قوانین العدل قد یؤدّی إلى فناء شعب.
وقد بیّن القرآن الکریم هذه الحقیقة قبل أربعة عشر قرناً وذکر کلّ ما یستحقّ الذکر بهذا الصدد حیث یقول سبحانه: (والسّماء رفعها ووضع المیزان * ألاّ تطغوا فی المیزان).
لقد جعل الله سبحانه الطغیان والتمرّد على القوانین الشرعیة، مقارناً مع الطغیان والتمرّد على القوانین الکونیة التی تحکم الوجود کلّه، إنّه تصویر رائع استعمله القرآن الکریم عن عالم الوجود تارةً، وعالم الإنسان اُخرى، کما ورد فی الآیات الکریمة، ولیس هذا فحسب، بل إنّه سبحانه شمل بوصفه هذا عالم الآخرة (یوم الحساب) ونصب الموازین، بل وحتى طبیعة الحساب والموازین حیث إنّها من الدقّة على قدر عجیب!... ولهذا السبب فقد اُمرنا ـ کما ورد ذلک فی الرّوایات الإسلامیة ـ أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب وأن نزنها قبل أن توزن.
«وحاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا».(1)
1. وسائل الشیعة، ج 16، ص 99.
