إنّ الظنّ لا یغنی من الحقّ شیئاً:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة النّجم / الآیة 27 ـ 30 رأس مال عبدة الدنیا:

هذه الآیات ـ محلّ البحث ـ کالآیات المتقدّمة، تبحث موضوع نفی عقائد المشرکین.

فتقول أوّلها: (إنّ الّذین لا یؤمنون بالآخرة لیسمّون الملائکة تسمیة الاُنثى)!

أجل، إنّ هذا الکلام القبیح والمخجل إنّما یصدر من اُناس لا یعتقدون بیوم الحساب ولا بجزاء أعمالهم، فلو کانوا یعتقدون بالآخرة لما تجاسروا وقالوا مثل هذا الکلام، وأی کلام؟! کلام لیس لهم فیه أدنى دلیل... بل الدلائل العقلیّة تبرهن على أنّه لیس لله من ولد، ولیس الملائکة إناثاً، ولا هم بنات الله کذلک!

والتعبیر بـ «تسمیة الاُنثى» إشارة إلى ما نوّهنا عنه فی الآیات المتقدّمة، وهو أنّ مثل هذا الکلام لا معنى له. وإنّ هذه الأسماء لا مسمیّات لها، وبتعبیر آخر إنّها لا تعدو حدود التسمیة، ولا واقع لها أبداً.

ثمّ یتناول القرآن واحداً من الأدلّة الواضحة على بطلان هذه التسمیة فیقول معقّباً: (وما لهم به من علم إن یتّبعون إلاّ الظّنّ وإنّ الظّنّ لا یغنی من الحقّ شیئ).

فالإنسان الهادف والمعتقد لا یطلق کلامه دون علم ودرایة، ولا ینسب أیّة نسبة لأحد دونما دلیل.. فالتعویل على الظنّ والتصوّر إنّما هو من عمل الشیطان أو من یتّصف بالشیطانیّة... وقبول الخرافات والأشیاء الموهومة دلیل الانحراف وعدم العقل!

وواضح أنّ کلمة «الظنّ» لها معنیان مختلفان، فتارةً تطلق هذه الکلمة على الأوهام التی لا أساس لها، وطبقاً لتعبیر الآیات آنفة الذکر تعنی الخرافات والأوهام وما تهوى الأنفس... والمراد من هذه الکلمة فی الآیة هو هذا المعنى ذاته.

المعنى الآخر، الظنّ المعقول وهو ما یخطر فی الذهن، ویکون مطابقاً للواقع غالباً، وعلیه یبنی الانسان أعماله وسلوکیاته الیومیة عادة، ـ کشهادة الشهود فی المحکمة وقول أهل الخبرة وظواهر الألفاظ وأمثال ذلک، فلو أعرضنا عن مثل هذه الاُمور وعوّلنا على الیقین القطعی لأضطربت الحیاة واختلّ نظامها.

ولا شکّ أنّ هذا القسم من الظنّ غیر داخل فی هذه الآیات، وهناک شواهد کثیرة فی الآیات ذاتها على ذلک... وفی الحقیقة أنّ القسم الثانی نوع من العلم العرفی لا الظنّ، فبناءً على هذا لا یصحّ الاستدلال بالآیة (إنّ الظّنّ لا یغنی من الحقّ شیئ) وأمثالها على نفی حجیّة الظنّ بشکل مطلق.

وینبغی الإلتفات إلى هذه اللطیفة والمسألة الدقیقة... وهی أنّ الظنّ فی اصطلاح الفقهاء والاُصولیین معناه «الاعتقاد الراجح»، إلاّ أنّه فی اللغة أوسع مفهوماً، فیشمل حتى الوهم والاحتمالات الضعیفة، ومن هذا القبیل ظنّ عبدة الأوثان ـ إذ کان خرافة تظهر فی أذهانهم بشکل احتمال ضعیف. ثمّ ینهض هوى النفس فیزیّن ذلک الاحتمال، ویهمل الاحتمال الآخر الذی هو أقوى من هذا الاحتمال، ویصیر الاحتمال الضعیف إعتقاداً راسخاً مع أنّه لا أساس له أبداً.

ومن أجل أن یبیّن القرآن أنّ هؤلاء الجماعة لیسوا أهلا للإستدلال والمنطق الصحیح، وقد ألهاهم حبّ الدنیا عن ذکر الله وجرّهم إلى الوحل فی خرافاتهم وأوهامهم یضیف قائلا: (فأعرض عن من تولّى عن ذکرنا ولم یرد إلاّ الحیاة الدّنی).

والمراد من (ذکرن) فی إعتقاد أغلب المفسّرین هو «القرآن»، وقد یُفسّر بأنّه الدلائل المنطقیة والعقلیة التی توصل الإنسان إلى الله، کما احتملوا أن یکون المراد هو ذکر الله الذی یقابل الغفلة عند الإنسان.

إلاّ أنّ الظاهر أنّ هذا التعبیر ذو مفهوم واسع بحیث یشمل کلّ توجّه نحو الله، سواء أکان ذلک عن طریق القرآن، أو عن طریق العقل، أو عن طریق السنّة، أو تذکّر القیامة وما إلى ذلک!

ویستفاد من هذه الآیة ـ ضمناً ـ أنّ هناک علاقة بین الغفلة عن ذکر الله والإقبال على المادیات، وبین زخرف الدنیا وزبرجها وأنّ بینهما تأثیراً متلازماً!

فالغفلة عن ذکر الله تسوق الإنسان نحو عبادة الدنیا، کما أنّ عبادة الدنیا تصرف الإنسان عن ذکر الله، فیکون غافلا عنه ـ وهما جمیعاً یقترنان مع هوى النفس، وبالطبع فإنّ الخرافات التی تنسجم مع هوى النفس تتزیّن فی نظر الإنسان وتتبدّل تدریجاً إلى إعتقاد راسخ!

وربّما لا حاجة إلى التذکیر أنّ الأمر بالإعراض عن هذه الفئة (أهل الدنیا) لا ینافی تبلیغ الرسالة الذی هو وظیفة النّبی الأساسیّة، لأنّ التبلیغ والإنذار والبشارة کلّها لا تکون إلاّ فی موارد احتمال التأثیر، فحیث یعلم ویتیقّن عدم التأثیر فلا یصحّ هدر الطاقات، وینبغی الإعراض بعد إتمام الحجّة.

کما ینبغی الإشارة إلى أنّ الأمر بالإعراض عمّن تولّى عن ذکر الله، لیس مختصّاً بالنّبی(صلى الله علیه وآله) بل هو شامل لجمیع الدعاة فی طریق الحقّ، لیصرفوا طاقاتهم الکریمة فی ما یحتمل تأثیرها فیه، أمّا عبدة الدنیا وموتى القلوب الذین لا أمل فی هدایتهم فینبغی ـ بعد إتمام الحجّة علیهم ـ الإعراض عنهم لیحکم الله حکمه فیهم!.

وفی آخر آیة من الآیات محلّ البحث یثبت القرآن إنحطاط أفکار هذه الفئة فیقول مضیفاً: (ذلک مبلغهم من العلم).

أجل، إنّ أوج أفکارهم منته إلى هذا الحدّ وهو اُسطورتهم أنّ الملائکة بنات الله!! ـ وخبطهم فی الخرافات... وهذه آخر نقطة تبلغ إلیه همّتهم، إذ نسوا الله وأقبلوا على الدنیا وإستعاضوا عن جمیع شرفهم ووجودهم بالدینار والدرهم!

وهذه الجملة (ذلک مبلغهم من العلم) یمکن أن تکون إشارةً إلى خرافاتهم کعبادة الأصنام وجعلهم الملائکة بنات الله: أی أنّ منتهى علمهم هو هذه الأوهام!.

أو أنّها إشارة إلى حبّ الدنیا والأسر فی قبضة المادیات، أی أن؟ منتهى إدراکهم هو قناعتهم بالأکل والشرب والنوم والمتاع الفانی فی هذه الدنیا وزبرجها وزخرفها الخ.

وقد جاء فی الدعاء المعروف فی أعمال شعبان المنقول عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «ولا تجعل الدنیا أکبر همّنا ولا مبلغ علمنا»(1).

وتختتم الآیة بالقول: (إنّ ربّک هو أعلم بمن ضلّ عن سبیله وهو أعلم بمن اهتدى) ختام الآیة یشیر إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ الله یعرف الضالّین جیّداً کما یعرف المهتدین أیضاً، فیصبّ غضبه على الضالّین ویسبغُ لطفه على المهتدین، ویجازی کلاًّ بعمله یوم القیامة.


1. جاء هذا الدعاء من دون الإشارة إلى أنّه من أعمال شهر شعبان فی تفسیر مجمع البیان وفی تفاسیر اُخرى، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة النّجم / الآیة 27 ـ 30 رأس مال عبدة الدنیا:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma