إنّ واحداً من أقدم اُسس الشرک هو تنوّع الموجودات فی العالم حیث إنّ ذوی الفکر القصیر والنظر الضیّق لم یستطیعوا تصدیق أنّ کلّ هذه الموجودات المتنوّعة فی السماء والأرض مخلوقة لله الأحد «لأنّهم یقیسون ذلک بأنفسهم إذ لا یتسنّى لهم التسلّط إلاّ على أمر واحد أو عدّة اُمور» لذلک کانوا یزعمون أنّ لکلّ نوع من الموجودات ربّاً یعبّر عنه «بربّ النوع» کربّ نوع البحر، وربّ نوع الصحراء، وربّ نوع المطر، وربّ نوع الشمس، وربّ الحرب، وربّ الصلح...
وهذه الآلهة المزعومة التی کانوا یسمّونها الملائکة أحیاناً کانت حسب إعتقادهم تحکم هذا العالم وحیثما تقع مشکلة یلتجأ إلى ربّ نوعها وحیث إنّ أرباب الأنواع لم تکن موجودات محسوسة فقد صنعوا لها تماثیل وعبدوها!
هذه العقائد الخرافیة إنتقلت من الیونان إلى المناطق الاُخرى حتى وصلت إلى الحجاز، ولکن حیث إنّ التوحید الإبراهیمی کان سائداً لدى العرب فلم یمکنهم إنکار وجود الله، فمزجت هذه العقائد واحدة بالاُخرى، ففی الوقت الذی یعتقدون فیه بالله اعتقدوا بالملائکة الذین هم فی زعمهم بناته، وعبدوا الأحجار التی صنعوا منها التماثیل.
فالقرآن هدم هذه الخرافات بعبارة موجزة غزیرة المعنى فقال: (إن هی إلاّ أسماء سمّیتموها أنتم وآباؤکم ما أنزل الله بها من سلطان) فلم یک أی شیء صادراً من ربّ المطر الذی سمّیتموه أنتم، ولا من ربّ الشمس المزعوم، ولا البحر، ولا الحرب، ولا الصلح.
فکلّ شیء صادر عن الله، وعالم الوجود کلّه طوع أمره، وإتّساق جمیع هذه الموجودات المختلفة فی السماء والأرض وإنسجامها بعضها مع بعض دلیل على وحدة الخالق، (لو کان فیهما آلهة إلاّ الله لفسدت).(1)
1. الانبیاء، 22.
