یتصوّر أغلب الناس أنّ الموت أمر عدمی ومعناه الفناء، إلاّ أنّ هذه النظرة لا تنسجم مع ما ورد فی القرآن المجید وما تدلّ علیه الدلائل العقلیة ولا توافقها أبداً.
فالموت فی نظر القرآن أمر وجودی، وهو إنتقال وعبور من عالم إلى آخر، ولذلک عُبّر عن الموت فی کثیر من الآیات بـ «تُوفّی» ویعنی تسلّم الروح وإستعادتها من الجسد بواسطة الملائکة.
والتعبیر فی الآیات المتقدّمة (وجاءت سکرة الموت بالحقّ) هو إشارة إلى هذا المعنى(1)
أیضاً، وقد جاء فی بعض الآیات التعبیر عن الموت بالخلق: (الّذی خلق الموت والحیاة)الملک ـ 2.
وهناک تعبیرات متعدّدة عن حقیقة الموت فی الرّوایات الإسلامیة، ففی روایة أنّ الإمام علی بن الحسین سئل: ما الموت؟ فقال(علیه السلام): «للمؤمن کنزع ثیاب وسخة قملة وفکّ قیود وأغلال ثقیلة والاستبدال بأفخر ثیاب وأطیبها روائح وأوطىء المراکب وآنس المنازل وللکافر کخلع ثیاب فاخرة والنقل عن منازل أنیسة والاستبدال بأوسخ الثیاب وأخشنها وأوحش المنازل وأعظم العذاب».(2)
وسئل الإمام محمّد بن علی(علیه السلام) السؤال الآنف ذاته فقال: «هو النوم الذی یأتیکم کلّ لیلة إلاّ أنّه طویل مدّته لا ینتبه منه إلاّ یوم القیامة»(3).
وقد قلنا فی المباحث المتعلّقة بالبرزخ أنّ حالات الأشخاص متفاوتة فی البرزخ، فبعضهم کأنّهم یغطّون فی نوم عمیق، وبعضهم «کالشهداء فی سبیل الله والمؤمنین الراسخین» ینعّمون بأنواع النعم بینما یعذّب الأشقیاء والجبابرة بعذاب الله الألیم!
وقد بیّن الإمام الحسین(علیه السلام) لأصحابه حقیقة الموت یوم عاشوراء عند إشتداد المأزق والقتال بتعبیر لطیف بلیغ فقال: «صبراً بنی الکرام، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بکم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة، والنِعم الدائمة، فأیّکم یکره أن ینتقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائکم إلاّ کمن ینتقل من قصر إلى سجن وعذاب، إنّ أبی حدّثنی عن رسول الله إنّ الدنیا سجن المؤمن وجنّة الکافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحیمهم»(4).
ونقرأ فی حدیث آخر أنّ الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام) دخل على رجل یعانی سکرات الموت ولم یُکلّم أحداً، فسأل الحاضرون الإمام موسى بن جعفر: یابن رسول الله وددنا لو عرفنا کیف الموت وکیف هو حال صاحبنا؟
فقال(علیه السلام): «الموت هو المصفاة یصفّی المؤمنین من ذنوبهم فیکون آخر ألم یصیبهم کفّارة آخر وزر بقی علیهم ویصفّی الکافرین من حسناتهم فیکون آخر لذّة أو راحة تلحقهم وهو آخر ثواب حسنة تکون لهم، وأمّا صاحبکم هذا فقد نخل من الذنوب نخلا وصفّی من الآثام تصفیة وخلص حتى نقی کما ینقّى الثوب من الوسخ وصلح لمعاشرتنا أهل البیت فی دارنا دار الأبد»(5).