یقول بعض الفلاسفة: کما أنّ شدّة البعد توجب الخفاء فإنّ شدّة القرب کذلک، فمثلا لو کانت الشمس بعیدة عنّا جدّاً لما رأیناها ولو کانت قریبة منّا جدّاً أو إقتربنا منها کثیراً فإنّ نورها سیذهلنا إلى درجة بحیث لا نستطیع رؤیتها.
وفی الحقیقة إنّ ذات الله المقدّسة کذلک: «یامن هو اختفى لفرط نوره»!.
وفی الآیات محلّ البحث تشبیه رائع لقرب الله إلى العباد إذ قالت حاکیة عنه سبحانه: (ونحن أقرب إلیه من حبل الورید) أی أنّ الله أقرب إلى الإنسان من حبل الورید.
والتشبیهات التی تقول مثلا العالم جمیعه جسم والله روحه، أو العالم کشعاع الشمس وهو قرصها وأمثال هذه لا یمکن أن توضّح العلاقة القریبة کما وصفتها الآیة.
ولعلّ أفضل تعبیر هو ما ورد على لسان أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی خطبته الاُولى من نهج البلاغة إذ قال عنه سبحانه: «مع کلّ شیء لا بمقارنة وغیر کلّ شیء لا بمزایلة».
وقد شبّه بعض الفلاسفة لبیان هذا القرب تشبیهاً آخر، فقالوا إنّ ذات الله المقدّسة هی المعنى الإسمی والموجودات هی المعنى الحرفی.
وتوضیح ذلک: حین نقول: توجّه إلى الکعبة، فإنّ کلمة (إلى) لا مفهوم لها وحدها، وما لم تضف الکعبة إلیها فستبقى مبهمة، فعلى هذا لیس للمعنى الحرفی مفهوم إلاّ تبعاً للمفهوم الاسمی، فوجود جمیع موجودات العالم على هذه الشاکلة، إذ دون إرتباطها بذاته لا مفهوم لها ولا وجود ولا بقاء لها أصلا... وهذا یدلّ على نهایة قرب الله إلى العباد وقربهم إلیه وإن کان الجهلة غافلین عن ذلک.