رأینا أنّ القرآن یمنع جمیع أنواع التجسس بصراحة تامّة، وحیث إنّه لم یذکر قیداً أو شرطاً فی الآیة فیدلّ هذا على أنّ التجسس على أعمال الآخرین والسعی إلى إذاعة أسرارهم إثم، إلاّ أنّ القرائن الموجودة داخل الآیة وخارجها تدل على أنّ هذا الحکم متعلّق بحیاة الأفراد الشخصیة والخصوصیة.
ویصدق هذا الحکم أیضاً فی الحیاة الاجتماعیة للأفراد بشرط أن لا یؤثر فی مصیر المجتمع.
لکن من الواضح أنّه إذا کان لهذا الحکم علاقة بمصیر المجتمع أو مصیر الآخرین فإنّ المسألة تأخذ طابعاً آخر، ومن هنا فإنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) کان قد أعدّ أشخاصاً وأمرهم أن یکونوا عیوناً لجمع الأخبار واستکشاف المجریات واستقصائها لیحیطوا بما له علاقة بمصیر المجتمع.
ومن هذا المنطلق أیضاً یمکن للحکومة الإسلامیة أن تتّخذ أشخاصاً یکونون عیوناً لها أو منظمة واسعة للإحاطة بمجریات الاُمور، وأن یواجهوا المؤامرات ضد المجتمع أو التی یراد بها إرباک الوضع الأمنی فی البلاد، فیتجسّسوا للمصلحة العامة حتى لو کان ذلک فی إطار الحیاة الخاصة للأفراد!
إلاّ أنّ هذا الأمر لا ینبغی أن یکون ذریعةً لهتک حرمة هذا القانون الإسلامی الأصیل، وأن یسوّغ بعض الأفراد لأنفسهم أن یتجسّسوا فی حیاة الأفراد الخاصة بذریعة التآمر والإخلال بالأمن، فیفتحوا رسائلهم مثلاً، أو یراقبوا الهاتف ویهجموا على بیوتهم بین حین وآخر!!
والخلاصة أنّ الحدّ بین التجسس بمعناه السلبی وبین کسب الأخبار الضروریة لحفظ أمن المجتمع دقیق وظریف جداً، وینبغی على مسؤولی إدارة الاُمور الاجتماعیة أن یراقبوا هذا الحدّ بدقّة لئلاّ تهتک حرمة أسرار الناس، ولئلاّ یتهدّد أمن المجتمع والحکومة الإسلامیة!.
